الفلسطينية-التشيلية إليانا.. سفيرة البوب العربي حول العالم
٩ مايو ٢٠٢٤ترفض المطربة الفلسطينية-التشيلية إليانا إصدار أحكام مسبقة على ما تؤديه من أغاني وما يُصدر عنها من تصريحات. وأكدت على ذلك في عدة مقابلات حيث أشارت إلى أنها لا تحب العلامات التجارية الكبيرة، ورغم ذلك استطاعت إيصال الموسيقى العربية إلى الجمهور العالمي غير الناطق بلغة الضاد.
يأتي ذلك رغم أن إليانا ذات الـ22 ربيعا، لم تكن تخطط للغناء بلغتها الأصلية بيد أن واقعة حدثت قبل سنوات أدت إلى تغير موقفها كشفت عنها في مقابلة مع صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" قبل عامين.
وقالت إليانا إنها قامت بتجريب الغناء باللغة العربية بناء على اقتراح قدمه مسؤولو إحدى استوديوهات الصوت. وقد أتى هذا القرار بثماره، إذ في عام 2020 أصدرت أغنيتها المنفردة الأولى تحت عنوان "أنا لحالي" التي تم الاستماع إليها أكثر من 24 مليونا على تطبيق "سبوتيفاي".
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل باتت عام 2021 واحدة من الفنانين البارزين في شركة "يونيفرسال ارابيك ميوزك" (Universal Arabic Music) التي تعد فرعا من شركة "يونيفرسال ميوزيك" الرائدة عالميا في مجال الموسيقي
الإرث الثقافي
وفي عام 2023، تكللت مساعيها بالنجاح حيث أصبحت أول فنانة عربية تغني مجموعة كاملة باللغة العربية في مهرجان كوتشيلا الموسيقي ليتم اختيارها بعد فترة وجيزة من قبل مجلة "رولينغ ستون" ضمن 25 فنانا وفنانة يجب مشاهدتهم خلال العام.
وفي عام 2024، كتبت إليانا فصلا جديدا من النجاح بعد أن بيعت كافة تذكر جولتها الغنائية في أمريكا الشمالية ثم تلى ذلك إصدارها الشهر الماضي ألبومها الأول الذي طال انتظاره والذي حمل اسم "وُلدت".
وكحال أغانيها السابقة، يرتكن الألبوم على هوية إليانا الفلسطينية-التشيلية مع مزج بين الموسيقى العربية واللاتينية فيما تجلى ذلك في أغنيتها (جنني) تجمع بين إيقاعات الرقص اللاتينية والطبول العربية مع إطلاق بعض الزغاريد.
ويبدو أن قدرتها على المزج بين التراث الموسيقى اللاتيني والعربي كان أحد أسباب نجاح إليانا على الساحة العالمية، بحسب رمزي سلطي، الأستاذ في جامعة ستانفورد ومقدم بودكاست "أرابولوجي" المتخصص في الثقافة والموسيقى العربية.
وفي مقابلة مع DW، قال "والدتي ذات 85 ربيعا يمكنها الاستماع إلى أغاني إليانا وكذلك ابن أخي البالغ من العمر 15 عاما. يعود ذلك إلى نجاحها في المزج بين الشرق والغرب."
وقال إن إليانا يمكن وصفها بأنها "بيونسيه" الموسيقى العربية، مضيفا أنها تمثل صورة خاصة تتعارض مع الصورة النمطية للفلسطينيين في وسائل الإعلام الغربية.
وفي مقال نشرته المؤسسة الإخبارية اليهودية "ذي فوروارد"، كتب روب أيشمان العام الماضي أنه "غالبا ما يتم تصوير الفلسطينيين إما في صورة ضحايا محاصرين أو في صورة إرهابيين متعطشين للدماء.. لكن إليانا قدمت تجسيدا باعثا على السرور والقوة للحياة الفلسطينية".
وقال السلطي إنه على عكس الموسيقى العربية بشكل عام التي قد تكون "غير مفهومة" للجمهور الغربي لصعوبة فهمها، فإن أغاني إليانا تشرح نفسها بنفسها "حيث تتحدث أعانيها وإيقاعاتها الراقصة عن نفسها".
من الناصرة إلى كاليفورنيا
كانت مدينة الناصرة بشمال إسرائيل مكان ولادة إليان عامر مرجية أو إليانا عام 2002 لعائلة فلسطينية مسيحية فيما تنحدر جدتها لأبيها من تشيلي. عرف الغناء طريق إليانا منذ الطفولة وعندما بلغت سن الخامسة عشر، انتقلت عائلتها إلى سان دييغو حتى تتمكن من مواصلة مسيرتها الموسيقية.
وقد برهن مقبل الأيام صواب قرار الانتقال، إذ حققت إليانا شعبية كبيرة في الولايات المتحدة من خلال تنامي متابعيها على منصتي "انستغرام" و "ساوند كلاود" ما دفعها للتواصل مع مطربين ومطربات ينحدرون من أصول عربية.
وفي عام 2018، وقعت عقدا مع اللبناني-الكندي وسيم صليبي الذي أسس شركة "يونيفرسال ارابيك ميوزك" عام 2021. ولا تعد إليانا الاستثناء الوحيد داخل أسرتها فيما يتعلق بالولع بالفن إذ أن شقيقها يجيد عزف البيانو فضلا عن كونه منتجا فيما تصمم شقيقتها الأزياء فضلا عن أن والدتها تقرض الشعر. وفي ذلك، قالت إليانا إن والدها بمثابة الغراء الذي يجمع كل ذلك.
وفيما يتعلق بالمطربين والمطربات التي كان لهم التأثير الكبير عليها، ضمت قائمة إليانا أقطاب الغناء العربي مثل فيروز وأم كلثوم وداليدا وأيضا أيقونات موسيقى الجاز مثل إيتا جيمس وفنانين معاصرين مثل فريدي ميركوري وبيونسيه. وقد أنعكس هذا التنوع الموسيقى على أغنيتها "الكون جني معك".
"هوية فلسطينية"
وتلعب جذور إليانا دورا كبيرا خاصة هويتها الفلسطينية في تقديمها لمطربة وأيضا في جعلها على مقربة من اقتحام سوق الغناء العالمي رغم أنها لا تغني باللغة الإنجليزية الأكثر انتشارا.
ولا تخجل إليانا من جذورها الفلسطينية بل تفتخر بذلك حيث ترتدي ملابس وأزياء فلسطينية تقليدية خاصة "الكوفية" فيما لا يتوقف الأمر على ذلك بل امتد احتفاءها بأصولها على منصات التواصل الاجتماعي خاصة "تيك توك" و "إنستغرام" حيث يتابعها أكثر من مليون شخص.
ويتزين حساباتها بإيموجي (صور تعبيرية) للبطيخ الذي يُنظر إليه باعتباره "رمزا للمقاومة ضد الاحتلال" إلى جانب صور لأغصان الزيتون رمز السلام. ورغم ذلك، فإن أغاني إليانا ليست ذات طابع سياسي حيث تتمحور حول قضايا الحب والمال فيما قالت في مقابلة مع صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية "أنا لا أحب السياسة على الإطلاق.. لا أحب الأشياء التي تبدو سامة وغريبة".
وفي تعليقه، قال السلطي "أعتقد أن حقيقة عدم كونها سياسية بشكل علني يعد عملا سياسيا في حد ذاته"، مشيرا إلى أن أغاني إليانا التي تمتزج بهويتها "تعد اختيارا ذا طابع سياسي".
ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين
بيد أن هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول وما تلى ذلك من عمليات عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، أحدث تغييرا في المشهد الذي تعمل فيه إليانا كمطربة.
ويذكر أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
فعقب ذلك، كتبت إليانا في منشور على منصات التواصل الاجتماعي "أصلي من أجل عائلتي وأصدقائي والناس في الوطن... أنا فقط أصلي مع من يصلي لغد أفضل". وعقب ذلك، قامت إليانا بتأجيل جولتها الغنائية في أمريكا الشمالية فيما شاركت في مظاهرات تضامنية مع الفلسطينيين كما نشرت على حساباتها.
وفي تعليقه، قال السلطي إنه في ظل الأحداث الحالية، "يتطلع الناس إلى إليانا. وهذا ربما ليس من قبيل العدل حيث يضعها في موقف خاسر لا محالة. إذا استمرت في الغناء والرقص، سيقول الناس (انظري إلى غزة، أنتي تغنين وترقصين) وإذا امتنعت عن الغناء فسيتم إلقاء اللوم عليها أيضا لأنها لا تتحدث علنا وسيتم ترديد التالي (أنتي مغنية فلسطينية وأنتي فخورة بذلك. و تقومي بمزج تراثك في الأغاني، فلماذا أنتي صامتة الآن؟)" وأضاف أنه يتعين على إليانا "السير على هذا الخط الرفيع".
وتمثل رد إليانا على الأحداث التالية في أغنيتها المنفردة تحت عنوان "غصن زيتون" التي تقول كلماتها: "خلص الحكي شو بعد بقول خلص البكي والقلب مجروح بعيدي هيك وعم صلي ليك وابعت سلام بغصن زيتون...بأرض السلام مات السلام".
أعده للعربية: محمد فرحان