"الفوتون التوأم" يحمي المعلومات الرقمية من القراصنة
تحولت السرقة في عصر المعلومات الرقمية إلى تقنية لا يقوم بها إلا خبراء الحواسب والأنظمة، هؤلاء القراصنة الرقميين المعروفيين بالـ(hackers) الذين يتمكنون بذكاء من اقتحام الأنظمة المختلفة والشبكات ويدخلون إلى الحواسب الشخصية بهدف سرقة المعلومات الخاصة. وطالما حاول العلماء الوصول إلى أنواع مختلفة من الشفرة صعبة الحل لجعل الإبحار في عالم الانترنت أكثر أماناً ومتعة. فابتكروا شفرات مكونة من حاصل ضرب رقمين أحدهما يرسل والآخر هو مفتاح الشفرة الموجود فقط لدى المرسل والمستقبل. كما أن أصعب هذه الشفرات، هي شفرة ذات مفتاح مكون من 300 عدد، يتطلب حلها كمبيوتر بعمل بسرعة أكبر كثيراً من تلك الموجودة في عصرنا هذا. وإن كان احتمال فك هذه الشفرة وإيجاد أعدادها الأولية يحتاج لحسابات معقدة ويعد صعباً جداًً، إلا أنه يبقى أمراً وارداً. لذلك فقد سعى بعض العلماء في ألمانيا والنمسا إلى إيجاد حل أفضل، يجعل تناقل المعلومات الالكترونية أكثر سرية.
تناقل المعلومات بين جبال الألب
قام هارالد فاينفورتر وكريستيان كورستفاير، العالمان بجامعة ميونيخ التقنية، بابتكار وسيلة شفرة جديدة تعتمد على أشعة الليزر لإرسال المعلومات الرقمية بين جهازين كمبيوتر بشكل أكثر أمان. وتمكنوا عن طريق هذه التقنية من إرسال معلومات بين قمتي الـZug والـ Karwendel في جبال الألب اللذين تفصلهما مسافة تبلغ 23 كيلومتراً. وفي هذا الإطار نجح الجهاز البسيط الذي اخترعوه في توصيل المعلومات بين الجبال حتى في أسوأ الحالات الجوية. وإذا ما حاول أي متدخل اقتحام الخط والتصنت على المعلومات أو سرقتها، تتغير تلقائياً اتجاه الموجات، وبالتالي ينكشف أمر كل من يحاول اقتحام النظام من قبل المتلقي. ومن الجدير ذكره أن هذا الجهاز البسيط يتكون من مرآة ذهبية كبيرة، وتلسكوب للاستقبال. ويقارن اتجاه الموجات في لحظة ما بين المرسل والمستقبل، وتترجم إلى "بايت" bit ، وهي اللغة التي يفهمها الحاسب ويترجمها بدوره إلى معلومات. لكن هذه التقنية كانت معتمدة على كون المكان مفتوحاً.
المعلومات المشفرة تتناقل فوق أسطح مدينة فيينا
ويبدو أن العصر الذهبي لقراصنة الانترنت قد شارف على الانتهاء، فقد ابتدع بعض الباحثين في النمسا نظاماً جديداً للشفرة المعتمدة على الكم الضوئي. ونجحت تجربتهم الأولى، حيث تمكنوا من إرسال رسالة عبر ضوء الليزر في مدينة فيينا وصلت إلى مبنى على بعد ثماني كيلومترات من نقطة الإرسال. وهذه الشفرة الضوئية تحمي الرسائل الرقمية من أي تدخل خارجي، من ناحية، لأن الرسالة تكون مصحوبة بالشفرة، ولكنها تحميها أيضاً لأن المرسل إليه سيشعر بأي محاولة لاقتحام ضوء الليزر والوصول لمفتاح الشفرة. وتعتمد هذه الشفرة على النبضات الضوئية وعلى "شبكات ميكانيكا الكم"، وهي عبارة عن تركيب معقد من أشعة الليزر، والعدسات والمرايا، تتكون عبرها ومضات ضوئية ذات ميزات خاصة جداً. وعندما يسقط ضوء الليزر على بلورة ما، فهو يصدر جزيئين من الضوء متماثلين أي "توأمين من الفوتونات"، لا مثيل لهما، لأنهما يعتمدان على الميزات الفريدة التي تتمتع بها البلورة. وهذان الفوتونان التوأمان "يعرفان" عن بعضهما البعض: أي أنه إذا تغيرت حالت أحدهما، يقوم الآخر برد فعل فوري أياً كانت المسافة التي تفصلهما. وبالتالي تنكشف أي محاولة لكشف مفتاح الشفرة. أما جهاز الاستقبال فهو عبارة عن تلسكوب خاص يستقبل النبضات الضوئية ويفسرها..
انطلاق المعلومات المشفرة في الفضاء
بعد نجاح هذه التجربة زاد الأمل في التمكن من تنفيذ هذه التقنية على نطاق أوسع في المستقبل، وتبقى الخطوة القادمة هي نقل المعلومات بين المدن ومن المتوقع أن يتمكن العلماء من الوصول إلى هذه النتيجة خلال خمسة عشر عاماً. حيث يعمل العلماء النمساويين مع وكالة الفضاء الأوروبية على البدء في تشييد الأجهزة الخاصة بالشفرة الرقمية في الفضاء، ليتمكنوا من تجربة الإرسال بين المدن والقارات عبر الأقمار الصناعية. وقد تصبح هذه الوسيلة في المستقبل الوسيلة الآمنة التي تسمح بنقل المعلومات الهامة الخاصة بالشركات والبنوك والمعلومات الشخصية عبر الفضاء.