الفيتو العربي ضده يتلاشى.. هل انتصر الأسد في معركة البقاء؟
٢ مايو ٢٠٢٣الإشارات مستمرة على قرب عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وهذه المرة شارك وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في اجتماع لعدد من وزراء الخارجية في العاصمة الأردنية عمان، وهو أول اجتماع من هذا القبيل يحضره مسؤول سوري رفيع المستوى يمثل النظام، منذ تعليق الجامعة العربية لعضوية سوريا.
لم تخلص عن الاجتماع خلاصات كثيرة، أو بالأحرى نتائج تدل على اتفاق لعودة النظام السوري إلى الجامعة، لكن التنسيق بين الحاضرين في عدة ملفات أعطى إشارات إيجابية لدمشق، إذ تم الاتفاق على جعل العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين "أولوية قصوى"، وتم الاتفاق على التعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات.
قبل سفره إلى الأردن زار المقداد القاهرة التي لم تخف اتصالاتها مع نظام الأسد في الآونة الأخيرة، كما يكرر العراق نداءاته بعودة سوريا للبيت العربي، بينما استأنفت السعودية الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بينها وبين سوريا، وهي اليوم من الفاعلين الرئيسيين في بحث التطبيع العربي مع سوريا، إذ نظمت الشهر الماضي اجتماعاً في جدة شهد حضور وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي فضلا عن نظرائهم في الأردن ومصر والعراق.
دوافع العرب للتطبيع؟
ويشير عبد الباسط سيدا، الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري (معارضة)، أن الأسباب التي أدت إلى تجميد عضوية سوريا لا تزال قائمة، لكن لا توجد استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع الملف لأسباب منها الأزمات التي تعيشها عدة دول عربية وبحثها عن مصالحها.
ويضيف سيدا لـDW عربية أن عودة النظام إلى الجامعة لن تغير شيئا: "الأزمة السورية ستبقى مستمرة، وأكثر من نصف الشعب السوري يرفضون هذا النظام"، موضحا أن الدول العربية لم تتدخل بشكل فاعل لحل المشكلة، بل راهنت على "حلول ترقيعية ستطيل أمد الأزمة".
من جانبه يقول الباحث السياسي والصحافي محمد قواص إنّ "هناك تحولات على مستوى النظام الدولي وتحولات على مستوى الداخل في الشرق الأوسط، ومن ذلك المصالحة الخليجية، وأخرى بين مصر وتركيا، وتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية".
ويوضح قواص لبرنامج استوديو الحدث، أن "هناك مقاربة عربية جديدة في التعامل مع سوريا، تذهب أكثر من التطبيع الكامل، بحثاً عن حصة أساسية للعرب في أيّ تسويات مقبلة في هذا البلد."
"العرب يعتقدون أن بقاء سوريا بعيدة عن الحضن العربي، جعلهم بعيدين عن مسار الأوضاع في سوريا، خصوصاً مع تأثير ثلاث قوى في هذا البلد هي إيران وتركيا وإسرائيل"، يقول الكاتب والمحلل السياسي شوقي عشقوتي للبرنامج ذاته.
بيدَ أن الكاتب والمعارض السوري المقيم في ألمانيا أكرم البني يقول لـDW عربية إن عودة النظام إلى الجامعة العربية غير كافية في نجاح التطبيع العربي وإن كانت شرطاً لازماً له، ويوضح: "قد يعود النظام السوري لمقعده في سياق توسيع المقايضات بين إيران والسعودية، لكن التطبيع الكامل معه يحتاج إلى تنازلات مهمة من قبله لا يزال يرفض تقديمها".
ويحيل البني هنا إلى "ضمان عودة آمنة للاجئين والحد من صناعة وترويج المخدرات، في وقت تنازل فيه الجانب العربي عن فكرة الانتقال السياسي، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعقلين وكشف مصير المفقودين" وفق تأكيد المتحدث.
الأسد.. مكاسب دبلوماسية؟
في بداية الحرب السورية، كان نظام الأسد معزولاً بعدما قطعت جلّ الدول العربية والغربية علاقاتها معه بسبب القمع الدموي لحركة الاحتجاجات ضده.
بيد أنّ دخول روسيا على الخط، وتشرذم المعارضة السورية، وظهور جماعات جهادية ومتطرفة، فضلاً عن انتعاش الصراع بالوكالة داخل الأراضي السورية بين عدة قوى إقليمية، كلها عوامل جعلت الأسد يعود ليسيطر على الأرض.
كما رفض الأسد تماماً فكرة التنحي عن السلطة، وفرض نفسه المخاطب الأبرز المتحكم في المساحة الأكبر من سوريا، وهو ما ظهر في الزلزال الأخير، عندما استغل ضرروة وصول المساعدات ليجني مكاسب دبلوماسية متعددة.
"إحجام الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا عن لعب دور فاعل ومؤثر في الشأن السوري خلال سنوات الثورة وبعدها، هو ما منح الأطراف الداعمة له كروسيا وإيران نجاحاً عسكرياً وقدرة سياسية كبيرة" يقول أكرم البني، متابعاً "ضعف المعارضة السورية، والانشغال الغربي بالحرب في أوكرانيا، والتحرر النسبي للدول الخليجية من الحسابات الأمريكية لصالح حساباتها الخاصة، كلها عوامل زادت الأمر سوءاً".
لكن هناك أسباب أخرى. يوضح عبد الباسط سيدا أن النظام السوري وضع العام أمام بديلين: "إما الإرهاب والفوضى، أي ظهور جماعات إرهابية ومتطرفة، ومن ذلك "داعش" وهيئة فتح الشام، أو الاستبداد والفساد، كما يوجد عامل بارز حسب قوله هو "رفض إسرائيل تغيير هذا النظام، ما دفع الروس والأمريكيين إلى إجراء تفاهمات لاستمرار نظام الأسد مع مراقبة التحركات الإيرانية".
كما توجد عوامل أخرى أتاحت تخفيف الضغط على الأسد حسب سيدا، منها تغيّر أولويات الدول، ومن ذلك التفاهمات التي جرت بين تركيا وروسيا، ثم انشغال دول الخليج بحرب اليمن، والولايات المتحدة بصراعها مع الصين ثم الوضع في أوكرانيا منذ احتلال شبه جزيرة القرم، بينما استمرت إيران في ضغطها.
خاسرون ورابحون من عودة الأسد
أكبر رابح من عودة محتملة لسوريا إلى الجامعة العربية هو النظام السوري أولاً، باستعادته لـ"الشرعية العربية"، وداعموه الرئيسيون في المنطقة كإيران وحزب الله. والرابحون كذلك هي الدول العربية التي رفضت قطع العلاقات مع سوريا كالجزائر والعراق، وكذلك الدول الأخرى التي أعادت سريعاً العلاقات كتونس والإمارات.
روسيا بدورها ضمن أكبر الرابحين، فوقوف فلاديمير بوتين إلى جانب النظام السوري في أحلك فتراته يجعله الآن يحصد ما زرع، خصوصاً ما يتعلق بمكاسب اقتصادية وجيو سياسية لموسكو في منطقة حساسة كالشرق الأوسط.
"إيران هي المستفيد الأكبر، أوراقها كبيرة في عدد من الدول، وبعدما كانت تركز على العمل العسكري انتقلت الآن إلى ما هو سياسي" يوضح سيدا الذي يحذر من أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية تعني "فسح المجال لإيران، ما قد يجعل الدول العربية تدفع الضريبة غاليا، بسبب الخطط التوسعية الإيرانية ومحاولتها إجراء تغييرات على المجتمعات المحيطة".
بينما تظهر الخسارة مبدئياً لدى الدول التي طالما رفضت عودة دمشق إلى الحضن العربي، وهي خمس دول ذكرتها مؤخرا صحيفة وول ستريت جورنال، منها قطر والمغرب والكويت، خصوصا الأولى التي موّلت بشكل كبير أطيافاً من المعارضة السورية.
وهناك جانب آخر للخسارة. "يصح اعتبار شعوب المشرق العربي وفي مقدمها الشعب السوري ونخبه السياسية والثقافية الشريفة، هم أكبر الخاسرين، وتحديداً حين يفضي هذا المسار إلى طي صفحة المحاسبة على ما جرى من تدمير وقتل وارتكابات فظيعة، ويسمح بالإفلات من العقاب"، يقول أكرم البني.
بينما في الجانب الآخر، تزداد الضغوط على الغرب لإيجاد صيغة للتعامل مع نظام الأسد، ما يجهل جهود أكثر من 10 سنوات من محاولة إزاحته، تذهب حالياً سدى، إذ يصر الاتحاد الأوروبي على عدم التعامل مع نظام الأسد تحت أيّ ظرف ما دام لا يسمح بتحقيق تحوّل في البلاد.
ويشير أكرم البني إلى أن الدول الغربية متمسكة إلى الآن بمواقفها، لكن "ما يجري عربياً يمكن أن يؤثر على وحدة الموقف الغربي تجاه سوريا، وبالتالي احتمال انفلات بعض الأطراف من حالة الاجماع لتخط طريقها الخاص في العلاقة مع النظام" يتابع المتحدث.
إسماعيل عزام