القرآن العربي يمتزج بالموسيقى الألمانية في أربعينية أحلام
١١ أكتوبر ٢٠١٤"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"، بهذه الآيات القرآنية من سورة المائدة، بدأ حفل تأبين أربعينية الشابة الألمانية ذات الأصول التونسية أحلام دلهومي في مدينة بون الألمانية، مسقط رأسها. وهذه الفعالية نظمت بدعوة من لجنة المتابعة والمساندة لأسرة أحلام وأُنْس، وتتشكل اللجنة من نشطاء من المجتمع المدني وإعلاميين في ألمانيا.
قُتلت أحلام أثناء قضائها عطلة الصيف، وهي بصحبة ابنة خالتها أُنْس، التي لقيت حتفها أيضا في الحادث نفسه، إثر إطلاق الشرطة التونسية الرصاص على سيارتهما ليلة الـ 23 من أغسطس/ آب 2014 في مدينة القصرين التونسية.
الوداع الأخير لروحَيْ أحلام وأنس
والد أحلام متأثر لدرجة أن يداه ترتجفان وهو يلقي كلمة وداع ابنته أمام الحاضرين، تنهار الدموع من مقلتيه ويقول متذكرا الفاجعة: "كنت في البيت وتلقيت اتصالا هاتفيا يعلمني بالحادث، فظننت في البدء أن القتلة هم من الإرهابيين، لكني ذهلت فيما بعد عند سماعي أنهم كانوا من الشرطة"، ويواصل المنجي الدلهومي، والد أحلام، كلمته بالقول: "سأناضل بكل السبل السلمية المتاحة حتى تنال العدالة مجراها"، ويختم بشيء من الحسرة: "لقد وقفت السلطات الألمانية إلى جانبنا، وقدمت الكثير لأحلام، أما السلطات التونسية فكل ما قدمته إليها إلى الآن لم يكن سوى رصاصة في الخلف".
حفل التأبين نقطة التقاء بين عادات عربية وعادات ألمانية في تخليد ذكرى المتوفى. تلاوة الفاتحة وآيات من القرآن الكريم بصوت شيخ تونسي يخشع له الحاضرون ألمانا وعربا، وإلقاء أغنية ألمانية شهيرة بعنوان "سنلتقي يوما ما من جديد" بصوت صديق ألماني للعائلة يعزف على آلة الغيتار، تنغمر القاعة لكلماتها في بحر من الحزن. أقارب وأصدقاء الشابة الألمانية يتناوبون أثناء الحفل كلمات تأبين باللغتين العربية والألمانية تخليدا لذكرى الشابة، في حضور عمدة مدينة بون والقنصل التونسي وبعض ممثلي الأحزاب الألمانية والمجتمع المدني.
ليس من السهل على ياسمين (ابنة خالة أحلام) وسندس (أخت أحلام)، الشاهدتين الرئيستين في القضية، الوقوف أمام المايكروفون وعدسات الصحفيين في قاعة تغص بالحاضرين، لسرد التفاصيل الكاملة للحادث المأساوي، الذي شهدتاهما بعيونهما بحكم وجودهما أثناء وقوع الحادث في السيارة مع الضحيتين. سندس تتردد في البداية وتتلعثم في الكلام، لكن ها هو صوت الشيخ التونسي القوي يزعزع صمت القاعة مناديا إياها بأن تتحلى بالشجاعة. فتتمالك نفسها وتسرد الحكاية كاملة وتختم بالقول: "ما يؤلمني أن الشرطة التونسية اقترفت جريمة بشعة، ثم أدارت لنا ظهرها وتركتنا نتخبط في دمائنا، عوض مساعدتنا على الوصول إلى المستشفى".
عمدة مدينة بون: "لا بد من العمل سويةً من أجل إظهار الحق"
أثنى عمدة مدينة بون يورغن نيمبتشر على خصال الشابة أحلام بالقول: "اِسألْ أيّاً كان عن أحلام، وسيجيبك أن البسمة لم تكن تفارق وجهها أبدا، كانت شابة مليئة بالحياة، وانخرطت دوما في العمل الخيري والاجتماعي لفائدة مشاريع ضد العنصرية في ألمانيا. لكن ذلك لم ينسيها جذورها، إذ تعلمت اللغة العربية، فقلبها ينبض لتونس وألمانيا على حد السواء".
ويواصل عمدة المدينة التي شهدت ولادة الدستور الألماني بعد الحرب العالمية الثانية منوها بما حققته تونس في الانتقال الديمقراطي قائلا: "علمنا تاريخ ألمانيا أنه ليس بالإمكان أن نطبق فصول دستور جديد بين ليلة وضحاها، هذا الأمر يحتاج إلى الوقت الكافي، وأنا على ثقة أن السلطات في تونس ستعمل على احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة".
مازالت السلطات التونسية تحقق في أطوار القضية، كما فتحت النيابة العامة في مدينة بون تحقيقا جنائيا في هذه القضية، إلا أنها لا تزال بانتظار نتائج تحقيقات نظيرتها في تونس التي لم تلقِ القبض إلى اليوم على الجناة. وحسب الرواية الرسمية لوزارة الداخلية التونسية كانت السيارة المستهدفة تسير بسرعة عالية ولم تمتثل للوقوف وللإشارات التنبيهية. كما أشارت الوزارة إلى أن أعوان الأمن كانوا يمتلكون معلومات حول قدوم سيارة لعناصر مسلحة عبر الطريق نفسه.
وبدوره أعرب ممثل الدبلوماسية التونسية القنصل العام هشام المرزوقي في حفل التأبين عن تمسك الدولة التونسية بقيم حقوق الإنسان التي اشتعلت من أجلها الثورة التونسية، ويقول: "إن أهم حق من حقوق الإنسان هو حق الحياة، وفي هذه الحالة تم الاعتداء على حق شابتين في الحياة"، ويضيف القنصل العام مطمئنا العائلة والأصدقاء الألمان: "لقد راحت ضحية هذا الحادث مواطنتين تونسيتين، وأعدكم أن القضاء التونسي سيتكفل بتحقيق العدالة".