الكيلومتر صفر بين الشاعرية والسياسة
احتاج المخرج الكردي العراقي هينر سليم إلى تمثال لصدام حسين ليظهر في فيلمه "الكيلومتر صفر". لكنه لم يجد اي كردي يوافق على ان يصنع له التمثال، ولذا فقد اقنع سليم في النهاية مثّالا عربيا بالسفر إلى الشمال الكردي. غير أن السلطات الكردية اكتشفت تمثال الزعيم المخلوع فوضعت الفنان في السجن. هذه المشكلة مثال على غيرها من المشاكل العملية العديد التي واجهت المخرج أثناء تصويره أول فيلم عراقي يعرض في المسابقة بمهرجان كان السنوي للأفلام، والطريف أن أسباب هذه المشاكل هي بالضبط الموضوع الرئيسي للفيلم وهو التوتر بين العرب والأكراد في العراق.
قال سليم يوم الخميس في الندوة التي تلت عرض فيلمه الذي تدور أحداثه قرب نهاية الحرب العراقية الإيرانية في عام 1988 " الفيلم ليس فيلما سياسيا لكن تصويره لصدام والنظام الذي قمع الأكراد بوحشية والانقسامات العرقية الحالية في العراق تجعل منه فيلما متعلقا بالأحداث الجارية". وأضاف: " إن اسم الكيلومتر صفر يشير إلى حقيقة أننا ما زلنا في نفس المكان... فالعراق أنشئ منذ نحو 80 عاما ولم تتخذ البلاد خطوة واحدة إلى الإمام".
رحلة عبر العراق مع نعش
تدور أحداث فيلم "كيلومتر صفر" للمخرج العراقي هونر سليم في منطقة كردستان العراقية خلال الحرب العراقية- الايرانية عام 1988 ويروي قصة شاب كردي يجبر على دخول الجيش ويرسل الى الجبهة في المرحلة التي سبقت نهاية تلك الحرب. وحين يكلف الشاب آكو من قبل قيادته بمرافقة جثمان شهيد والعودة به الى اهله مع إذن بعبور ما يزيد عن سبعمئة كيلومتر، يكون عليه ان يصاحب سائقا عربيا لساعات طويلة على طرقات العراق وبين جباله في منطقة كردستان. ينجح الفيلم في تصوير مدى القهر والقلق والغضب الكامن في قلب كل عراقي على الجبهة أو في الداخل من خلال السائق وآكو الذي كان يرغب في الرحيل لكن زوجته المرتبطة بابيها المسن المريض رفضت مغادرة البلد. ويتحول الفيلم الى نوع من رحلة عذاب طويلة يتبادل خلالها آكو والسائق الشتائم ويظهر كل منهما للاخر مدى كراهيته له. لكن العلاقة بينهما لا تتطور وتراوح مكانها فيما يعكس سياسيا انقسام المجتمع العراقي بسبب ما عاشه هذا البلد وممارسات النظام السابق.
ورغم طول الطرق الذي يمتد لمئات الكيلومترات عبر عراق خال إلا من الحواجز التي تمنع عبور التوابيت نهارا وتجبر الجميع على انتظار الليل يبقى كل من الكردي والعربي منغلقا على حاله ولا تنشأ صداقة بينهما. لذلك فقد اخذ عدد من النقاد العرب في كان على الفيلم طرحه الذي يشجع على التفرقة بين أبناء المجتمع العراقي الواحد رغم ما يحتويه من جماليات كثيرة وموسيقى تصويرية وتقنية جيدة. ويختصر تصريح للمخرج طروحات الفيلم قائلاً "حتى وان كنت أتكلم العربية فانه ومن دون أن يطلب رأينا تم ضمنا للعراق لنخضع للأكثرية العربية. أنا لا اعرف العرب، لا أعرف منهم إلا الشرطة السياسية والجيش". وقال بعض النقاد إن مستوى الفيلم كان من الممكن أن يرتفع لو أن العلاقة بين الشابين نمت في أجواء ايجابية أكثر، ولو تحرر من الانغلاق سياسي الذي لا يظهر أي انفتاح على الآخر. غير أن آخرين وجدوا أن وقتاً كافياً لم يمر بعد حتى تندمل جراح الأكراد العراقيين، فطالما شعروا بالمرارة تجاه المعاملة التي لاقوها على أيدي العرب متمثلين في نظام صدام حسين القمعي.
كوميديا سوداء
استند المخرج في السيناريو على قصة أخيه الذي ارسل الى الجبهة لينسج من حولها احداث الفيلم الذي يحتوي على قدر كبير من المشاعر القوية والعنيفة في آن. ويؤدي دور آكو الممثل المسرحي العراقي آكو نظمي كيريك فيما تؤدي دور زوجته بلسيم بلجين التي ولدت في انقرة. ويصل الفيلم الذي يتسم بالقتامة بوجه عام عن الحياة والموت وسط جحيم شمولي تحت نار شمس محرقة الى نهاية ايجابية عندما يحتفل اكو وزوجته التي هربت الى باريس بانباء هزيمة صدام في عام 2003.
على الرغم من الجو الكئيب للفيلم فقد استخدم سليم الفكاهة السوداء مثل المشهد الذي يقود فيه اكو سيارة الاجرة التي تحمل نعش الجندي قريبا جدا من قرية أخرى. وعندما ترى امرأة ثكلى النعش ترفض أن تصدق أن الرجل الذي قتل في المعركة ليس زوجها.
ينتهي الفيلم بسطر واحد مكتوب يقول"ماضينا حزين وحاضرنا تراجيدي ولكن ومن حظنا ليس لدينا مستقبل". ويقول المخرج إنها عبارة كان جده يرددها، وإنها لا تزال صالحة اليوم.