المئوية الأولى لـ"محلل القرن العشرين" سباستيان هافنر
٢٨ ديسمبر ٢٠٠٧"لقد شعرت آنذاك لأول مرة من خلال فضولي الساذج، وبدون تصورات مسبقة، بالعواقب الوخيمة لموهبة غربية يملكها عامة الشعب الألماني. هذه الموهبة تتمثل في قدرته على الانزلاق إلى الهوس الجماعي. لقد اعتبرت آنذاك هذه الموهبة النادرة نوعاً من التعويض النفسي لعدم امتلاك هذا الشعب القدرة على التمتع بالسعادة بشكل فردي أو شخصي على غرار جيرانه".
تشكل هذه المقولة المقتبسة من أول كتاب للصحافي الألماني سيباستيان هافنر، الذي صدر بعد وفاته وحمل عنوان "قصة ألماني"، تشخيصا دقيقا وفريدا من نوعه لأهم حدث في القرن العشرين، لأن الصحافي الشاب هافنر قام في صيف عام 1939 بتشخيص "علة الشعب الألماني" الرئيسية، ووضع إصبعه بقوة على الجرح المؤلم في بنية "الشخصية الألمانية"، الذي أدت في العقود التالية إلى وقوعه في فخ "الشعبوية والديماغوغية الهتلرية"، وما ترتب عنها من إفشال للتجربة للديمقراطية الألمانية في جمهورية فايمر ووصول النازيين أخيرا إلى سدة الحكم وتنفيذ مخططاتهم المنهجية لإبادة يهود أوروبا. كما تنبأ هافنر بمساعدة حسه الغريزي بهزيمة ألمانيا النازية قبل بداية الحرب العالمية الثانية.
"محلل قرن التطرف"
قدرة هافنر على التشخيص الدقيق لأهم انعطافة تراجيدية في القرن العشرين، الذي أطلق عليه المؤرخ البريطاني إيريك هوبسباوم اسم "قرن التطرف" نظرا للعواقب الكارثية للأيديولوجيات الفاشية المنتشرة فيه، دفعت عدد كبير من أعلام الصحافة الأوروبية إلى إطلاق لقب "محلل القرن العشرين" على هذا الكاتب سليط اللسان.
أما المؤرخ الأشهر في ألمانيا ما بعد الحرب يواخيم فيست فيروي في مذكراته الأخيرة أنه لم يصدق ما سمعه خلال لقاء جمعه في صيف عام 1950 في لندن بناشر صحيفة "الاوبزرفر" الليبرالية دافيد استور، فالناشر المعروف برصانته رد على سؤال طرحه أحد الإعلاميين حول أهم شخصيات القرن العشرين من وجهة نظره قائلا: "تشرتشل، ديغول و سيباستيان هافنر". فبعد خمس سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحرير ألمانيا من براثن النازية لم يكن يعرف أحد في ألمانيا من هو هذا الإعلامي سيباستيان هافنر!
هروب من "دولة اللاقانون" النازية
هافنر درس الحقوق وعايش عن كثب كيف تغلل الفكر النازي في كافة المؤسسات الألمانية. لم يخف على الأكاديمي الشاب في وقت مبكر أنه لن يستطيع ممارسة مهنته في "دولة اللاقانون" النازية، ليقرر الهجرة إلى بريطانيا لاحقا بخطيبته اليهودية، ويصبح أحد الصحفيين المرموقين في لندن، حيث كتب بانتظام في جريدة "الاوبزرفر". كما ألف كتابا موسعا باللغة الإنجليزية روي فيه سيرة ونستون تشرشل وتأثيرها على مجريات القرن العشرين.