المحامية جمانة سيف لـDW: حلمي هو بناء دولة ديمقراطية بسوريا
١٢ يناير ٢٠٢٣تعد جمانة سيف، المحامية السورية والناشطة الحقوقية في مجال حقوق المرأة، من أكثر الشخصيات التي تعطي أذانا صاغية للمرأة، فهي تدافع عن حقوق المرأة بلا كلل ولا ملل، ولهذا فإنها تعد مقصدا للنساء والفتيات، خاصة الناجيات من أعمال عنف جنسي.
وفي مقابلة مع DW من برلين، قالت جمانة (52 عاما): "منذ وقت طويل وأنا أناضل وأدافع عن حقوق المرأة"، مضيفة أن الأمر يعود لفترة تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت تعمل في فرع "أديداس" تمتلكه أسرتها في ذلك الوقت في دمشق.
وفي ذلك، قالت إنها كانت تولي اهتماما كبيرا بحقوق الموظفين، فضلا عن دعمها للموظفات والعاملات، بيد أن الأمر لم يدم طويلا إذ تغيرت حياة جمانة وأسرتها رأسا على عقب في منتصف التسعينيات.
ففي عام 1994، اقتحم والدها رياض سيف، الذي حقق نجاحا اقتصاديا في حينه، الغمار السياسي، إذ أن أصبح نائبا مستقلا في البرلمان السوري، لكن الانتقادات التي صدرت منه حيال فساد النخبة السياسية وأيضا دعوته لإجراء إصلاحات اقتصادية لم تلق استحسانا من الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد.
أوقات عصيبة
وعلى وقع ذلك، باتت الأجهزة الأمنية تراقب وتستهدف رياض سيف وعائلته، فيما جرى حجب مواد الإنتاج عن المصنع ما أدى في نهاية المطاف إلى بيع الشركة.
وفي ذلك، قالت جمانة: "بسبب هذا، أدركت حاجتي إلى معرفة المزيد عن القوانين حتى أتمكن من الدفاع عن والدي والانضمام إلى النضال من أجل تحسين حقوق الإنسان في سوريا".
وبفضل مساعدة والداتها، شرعت جمانة في دراسة القانون في جامعة بيروت العربية عام 2003.
وتزامن تخرجها من الجامعة عام 2007 مع انخراطها بشكل قوي في الحياة السياسية، إذ عقب وفاة حافظ الأسد في يونيو / حزيران 2000، شقت جمانة طريقها إلى غرفة داخل المنزل كانت ملتقى لاجتماعات بين والدها ومعارضين آخرين في مرحلة عُرفت باسم "ربيع دمشق" وهي الفترة التي تلت رحيل حافظ الأسد وتسلم نجله بشار سلطة البلاد.
وبعد فترة وجيزة، أسست مجموعة "ربيع دمشق" منتدى الحوار الوطني وهي مبادرة سعت لإحداث تغيير سياسي وتعزيز الحريات في سوريا بعد فترة بقاء حافظ الأسد في الحكم، التي امتدت لأكثر من أربعين عاما ووُصفت بفترة حكم من حديد.
لكن سرعان ما فقدت هذه المجموعة قائدها إذ حُكم على رياض سيف بالسجن في سبتمبر / أيلول عام 2001 بعد أن دعا إلى إنهاء احتكار حزب البعث بقيادة بشار الأسد، حكم سوريا.
وعلى وقع ذلك، باتت جمانة حلقة الوصل الوحيدة بين والدها وباقي رموز المعارضة.
وعن ذلك، قالت: "كانت هذه فترة هي الأصعب بالنسبة لنا، إذ كنا شبه معزولين وتحت أعين وضغط من الأجهزة الأمنية وكنا نخشى من أن يزج بنا إلى السجن".
وعلى خلفية تزايد استهداف نظام بشار الأسد للمعارضين، أصبح رياض سيف وجها معروفا على الساحة الدولية لينال جائزة حقوقية ألمانية عام 2003، حيث سافرت جمانة إلى مدينة فايمار الألمانية لتتسلم الجائزة نيابة عن والدها.
لكن عقب عودتها إلى سوريا قادمة من ألمانيا، لم تكن حياة الأسرة سهلة.
وفي هذا السياق، قالت جمانة: "جرى اعتقالي في مارس/ آذار عام 2007 خلال مظاهرة مع العديد من أصدقائي. لقد ألقوا بنا داخل شاحنة كانت تسير بشكل متهور. أطلقوا سراحنا في النهاية مع التحذير بسجننا إذا شاركنا في تظاهرة أخرى".
وأضافت "هذا التحذير يحمل في طياته أمرين إما التهديد بالبقاء خلف القضبان لسنوات أو إلى الأبد أو التهديد بتعرضنا لعنف جنسي".
شد الرحال صوب ألمانيا
ورغم تزايد حالات الاعتقال والاحتجاز داخل السجون السورية سيئة السمعة، بما في ذلك سجن عمها وابن عمها وشقيقها الأصغر، إلا أن جمانة لم تحسم قرار رحيلها عن بلادها إلا بعد أن تعرض والدها لمحاولتي اغتيال واندلاع الثورة السورية.
وفي سبتمبر / أيلول عام 2012، قصدت جمانة وأطفالها الثلاثة ووالديها مصر، ومن هناك تقدم رياض سيف، الذي كان يحتاج إلى العلاج بسبب معاناته من سرطان البروستاتا، بطلب للحصول على تأشيرة لدخول ألمانيا.
وتستذكر جمانة ذلك، قائلة: "اعتقدت أننا سنبقى في القاهرة حتى عودة والدي من ألمانيا ثم سنرى إذا كان بإمكاننا العودة إلى سوريا".
لكنها قالت إن الوضع تغير في مصر عقب الإطاحة بالرئيس ذي التوجه الإسلامي محمد مرسي عام 2013 من قبل الجيش بقيادة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الذي أصبح رئيسا البلاد بعد ذلك بعام.
وفي ذلك، قالت: "أصبح بقاؤنا في مصر صعباً نظرا للمشاعر المتزايدة ضد السوريين في حينه"، مضيفة أن عائلتها قررت الرحيل إلى برلين في سبتمبر / أيلول 2013.
ألمانيا .. محطة للدفاع عن حقوق الإنسان
ومنذ وصولها الأراضي الألمانية، باتت جمانة أكثر عزما وإصرارا على الدفاع عن حقوق الإنسان ومساعدة السوريات حيث شاركت في تأسيس منظمة "شبكة النساء السوريات" عام 2013 ومنظمة "اللوبي النسوي السوري" عام 2014، فيما كانت من مؤسسات "الحركة السياسية النسوية السورية" عام 2017.
وانضمت في عام 2017 كزميلة باحثة إلى المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ومقره برلين، حيث بدأت في الدعوة إلى الاعتراف بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي كجرائم ضد الإنسانية، فيما انصب تركيز حملتها على سوريا.
وكان دور جمانة بارزا في فترة ما قبل إجراء محاكمة في ألمانيا لضابط سابق في الاستخبارات السورية يُدعى أنور رسلان، المتّهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والذي كان مسؤولا عن مقتل معتقلين وتعذيب آلاف آخرين في معتقل سري تابع لقسم التحقيقات-الفرع 251 والمعروف باسم (أمن الدولة - فرع الخطيب) وذلك بين عامي 2011 و2012.
ونظرت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز بألمانيا القضية ما بين عامي 2020 و 2022 فيما تحدثت جمانة إلى مئات من السوريين والسوريات ممن نجوا من أعمال تعذيب وعنف جنسي.
وفي ذلك، قالت جمانة سيف: "يعتصرني الألم الشديد عندما أتحدث إلى النساء ممن تعرضن للعنف الجنسي حتى أن معاناتهن تطاردني في أحلامي".
لكن هذا لم يكن الأمر الوحيد، إذ كان قد جرى استجواب والدها في اليوم السادس والعشرين من المحاكمة كشاهد نظرا لأنه كان الشخص الذي ساعد أنور رسلان في الحصول على تأشيرة لدخول ألمانيا في عام 2014.
وقالت جمانة إن والدها رياض سيف أعتقد أن رسلان كان صادقا عندما أبلغه أنه يخشى على حياته بعد انضمامه إلى المعارضة في عام 2012، فيما لم يتمكن رسلان من إثبات أنه كان بالفعل من أنصار المعارضة.
وأصدرت المحكمة حكما بالسجن مدى الحياة بحق رسلان لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في ختام أول محاكمة في العالم محورها فظائع منسوبة إلى نظام بشار الأسد.
ورغم أن منظمات حقوقية وصفت الحكم بالتاريخي، إلا أن جمانة سيف رأت أن الحكم على رسلان ليس سوى بداية في مسار تحقيق العدالة في سوريا، مضيفة "حياتي قائمة على المساعدة في بناء دولة ديمقراطية في سوريا توفر حقوقاً متساوية بين الرجال والنساء وينعم الجميع على أراضيها بحياة كريمة".
وقالت: "عند تحقيق هذا، فسوف ينتهي نضالي".
سوف تتسلم جمانة سيف جائزة "آن كلاين" للمرأة من مؤسسة هاينريش بول الألمانية في مارس / آذار العام الجاري نيابة عن الناشطين والناشطات من سائر العالم ضد جرائم العنف الجنسي في النزاعات المسلحة.
جينفر هوليس / م ع