المرأة الأفغانية ضحية الشرخ الكبير بين عقلية البرقع وتحديات المستقبل
حظيت قضية المرأة الأفغانية بعد القضاء على نظام حكم حركة طالبان الإرهابي باهتمام وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، وارتفعت أصوات صمتت على مدى سنين طويلة تطالب بإعطائها حقوقها الأساسية وتفعيل طاقاتها في عملية إعادة إعمار بلادها. والآن وبعد أكثر من سنتين على بدء تغيير الخارطة السياسية ودخول البلاد حقبة جديدة عادت المرأة الأفغانية للظهور والمشاركة في الحياة الاجتماعية العامة، فها هي اليوم دخلت معترك السياسة مثلاً وشغلت حقيبتين في الحكومة الجديدة، هما حقيبة وزارة الصحة وحقيبة شؤون البيئة.
مطرقة التعصب الديني وسندان هيمنة الرجل
وصلت معاناة المرأة الأفغانية إلى ذروتها تحت حكم حركة طالبان التي اضطهدتها بشكل لم يسبق له مثيل في العصر الحديث. كما أن تزامن عقلية الرجال المهيمنة مع تعصب ديني شبيه بمثيله خلال العصور الوسطي الأوروبية زاد الطين بله. وعلى الرغم من أن الاعتداءات السافرة على النساء الأفغانيات مثل ضربهن بالهراوات لم تعد جزءاً من صورة الشارع الأفغاني، إلا أن انتهاكات حقوق المرأة الأساسية، لا تزال منتشرة بشكل كبير نظراً لاعتمادها على الرجل، فرفض الكثير منهن للزواج التقليدي قد يعني عقوبة قاسية قد تصل إلى الزج في السجن.
استمرار عقلية البرقع
الرئيس الأفغاني حامد كرزاي حضر الإحتفال الرمزي بيوم المرأة العالمي، وأثنى على المرأة الأفغانية، كما أشاد بما حققته حكومته في مجال حقوقها. ولكن المرأة الأفغانية مازالت تعاني من حرمانها الكثير منها، فواقع الحياة اليومية يظهر أن النساء في أفغانستان يعانين من ظروف صعبة، إن لم يكن بسبب الاتجاهات السياسية، فبسبب عادات وتقاليد تنتقص من حقوقها التي منحها الإسلام إياها. فهيمنة عقلية الحجاب المهين "البرقع"، الذي يمثل رمزاً لتغييب المرأة كلياً لم تنته بعد، رغم تحررها من إلزامية ارتداء هذا اللباس المجسد للاضطهاد والسماح لها بالعمل والمدرسة إضافة إلى المشاركة في أنشطة عالمية مثل مسابقة ملكة جمال العالم.
البرقع وحرية المرأة
رغم أن الدستور الأفغاني الجديد لا يترك مجالاً للشك في تشديده على المساواة بين المرأة والرجل، فالبند الأول من الفقرة الثانية فيه ينص على منع أي تمييز بين المواطنين الأفغان، لكن المرشحة السابقة للرئاسة مسعودة جلال تعتقد أن الدستور لن يتمكن من تحسين الحياة القاسية للنساء بين عشية وضحاها وتقول:"كان لدينا من قبل دستوراً ينص على المساواة بين الرجال والنساء والأطفال ومع ذلك تعرضت النساء الأفغانيات إلى العنف والتمييز. وإذا سألتموني عن رأيي أقول بكل صراحة إنه كان من المفروض أن يعرّف الدستور حقوق النساء بكل وضوح."
وفي خضم عملية إعادة البناء بعد ربع قرن تقريبا من الحروب التي عانت منها أفغانستان تبقى إمكانيات المشاركة الفاعلة للمرأة محدودة جداً نظراً إلى غيابها كقوة اقتصادية تشارك في دعم عجلة الاقتصاد في مجتمع تسيطر عليه العادات القبلية. وفي هذا السياق تقول المحللة الاجتماعية مايا امهاداسي: "وفقاً للرؤية الغربية تُعد المرأة الأفغانية التي لا ترتدي البرقع حرة. وفي الواقع، ليس هناك من علاقة مباشرة بين الاثنين. فالنساء الأفغانيات لن يتحرّرن حتى يتغير المجتمع وتتغير عقلية الرجال بصورة جوهرية". ويجادل كبير قضاة قندهار عبد البصير مهبوكي، وهو يمسك بمسبحته، بأن الشريعة الإسلامية تحمي حقوق المرأة قائلا:" قوانين الإسلام تضع الوحدة الأسرية على قمة الأولويات. وهذا أمر مهم للنساء، لأنهن، ويؤسفني قول أن النساء لا يتمتعن بالقدرة العقلية أو الجسدية للعيش بمفردهن في هذا المجتمع. علينا أن نضمن أنهن في أيدي أمينة".
مساواة المرأة ضرورة إنسانية وتنموية
وبعيداً عن ثقافة التحجيم والإقصاء التي تعد إرثاً من مخلفات العصور الوسطي، ونوعاً من التغييب الذي لا يصمد أمام أية جدل عقلاني، فإن استمرارية عملية التنمية لا يمكن أن تنجح دون المشاركة الفعالة للعنصر البشري بنوعيه، كما أن ضمان ديمومتها مرهون بمشاركة المرأة كونها تشكل نصف الموارد البشرية. وما يؤكد هذه الحقيقة من منظور واقعي ايضاً هو أنه لا يمكن قمع الإرادة النسوية، التي تسعى إلى تجاوز الهيمنة الذكورية وتحقيق المساواة الإجتماعية بين الجنسين، إلى الأبد.
لؤي المدهون