المرأة التونسية تعزز دورها ومكانتها بين الرجال في سوق العمل
٢٤ فبراير ٢٠٢٠حتى قبل ما يعرف بثورات "الربيع العربي" كانت المرأة التونسية تحظى بقدر من الاستقلالية والتحرر، فاق ما كانت تحظى به قريناتها في باقي البلدان العربية. وبعد استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 وقبل إقرار دستورها، قام رئيس الوزراء آنذاك الحبيب بورقيبة بتطبيق "مجلة (قانون) الأحوال الشخصية". وهو القانون الذي كفل المساواة بين الرجل والمرأة في العديد من المجالات الحياتية. إذ تم إلغاء القانون الذي يسمح بتعدد الزوجات وإضفاء الشرعية على عمليات الإجهاض. كما تم منح النساء الحق في الحصول على جواز سفر وحساب بنكي، وتمكينهن أيضاً من فتح مشروع تجاري خاص.
وواصل النضال النسائي في تونس النمو بعد "ثورة الياسمين" عام 2011، رغم من وصول حزب النهضة الإسلامي المحافظ للسلطة. إلا الأخير خسر الانتخابات الرئاسية في عام 2014، بسبب النقاش العام حول حقوق المرأة. وقد تم توسيع حقوق المرأة في دستور 2014، الذي أقر المساواة بين الجنسين دون تمييز والسعي أيضاً لتحقيق هذا الهدف في البرلمان التونسي؛ وهو ما يعتبر خطوة فريدة من نوعها في العالم العربي. ووصل حاليا عدد النائبات التونسيات إلى حوالي 35 في المئة من عدد نواب البرلمان.
مخبوزات ومأكولات لذيذة من صنع النساء
يشكل قطاع السلع المخبوزة (المعجنات) المثال الحي على مدى نجاح النساء في تونس. وفي مدينة صفاقس أنشأت سعاد كمون شركة صغيرة عام 1976. لم يدفعها شغفها في صنع الحلويات والمعجنات التونسية، إلى كسب دخلها الخاص فحسب، وإنما سعت أيضاً إلى منح أطفالها مستقبلا أفضل. وطورت كمون مشروعها الصغير إلى سلسلة متاجر حلويات تضم أكثر من 500 موظف وتتجاوز مبيعاتها ستة ملايين يورو سنويا.
راضية كمون مغديش، ابنة سعاد كمون، تدير السلسلة التي تركز الآن على المعجنات، ولكنها تنتج أيضا مأكولات شهية. جميع المنتجات عالية الجودة مصنوعة يدوياً و طازجة. تلبي مغديش طلبات زبنائها على اختلاف أذواقهم، وهي مثال للمرأة التونسية الناجحة. أغلب الموظفين في الشركة هن نساء، ولا يقتصر تواجد النساء على قسم الإنتاج فقط، ولكن قسم المبيعات تديره امرأة أيضاً. وتقول مديرة سلسلة الحلويات وهي تضحك: "المرأة تعمل أكثر من الرجال".
نسبة كبيرة من النساء في تونس متعلمات تعليماً جيداً لأنهن يتمتعن بنفس فرص ولوج المدارس مثل الرجال. ويعتمد نظام المدارس التونسية على النموذج الفرنسي. كما أن عدد خريجات المدارس الثانوية الحاصلات على شهادة بتقدير جيد جداً مرتفع. ويقول أندرياس رينيكه، السفير الألماني في تونس، إن الكثير منهن أقبلن على دراسة التخصصات التقنية، حتى أكثر من إقبال النساء على دراستها في ألمانيا.
عملية تحلية المياه بأيدٍ نسائية
مجال تحلية المياه اقتحمته نساء تونس أيضاً، ومنهن نورا فريعا، التي ترعى محطة لتحلية المياه في جزيرة جربة السياحية. درست المهندسة علوم الكمبيوتر الصناعية وتعمل لدى الشركة الوطنية لإستغلال وتوزيع المياه التي تعرف أيضا باسم الصوناد (SONEDE) منذ 12 عاماً. وعن عملها يقول رئيسها مصباح هلالي: "لولاها لما كان هناك مياه في جنوب تونس". وتقوم السيدة البالغة من العمر 37 عاماً بتنسيق أعمال التشغيل والصيانة للمحطة، التي بدأ تشغيلها في منتصف عام 2018.
منذ ذلك الحين، تحسن الوضع المأساوي لمياه الشرب في الجزيرة السياحية بشكل كبير. مهمة ذات مسؤولية عالية، ليس من الناحية التقنية فقط. وبسبب محطة تحلية المياه، استقرت الظروف المعيشية لسكان جربة، الذين عانوا في السابق بسبب مشاركتهم المياه القليلة مع العديد من السياح في الفنادق العديدة بالجزيرة. ومن الناحية التقنية، تقول المهندسة إن عملية تحلية المياه تتغير ظروفها اعتمادا على حركة الأمواج ودرجة حرارة الماء. ولذلك، ينبغي عليها باستمرار فحص المعايير المختلفة لتحلية المياه وتعديلها.
تمكين المرأة الريفية في تونس
مثل هذه الفرص المهنية التي حظيت بها نورا فريعا تكون متوفرة بالأخص في المناطق الشمالية، حيث ينشط قطاعا الصناعة والسياحة. وتتواجد نسبة مهمة من النساء في المناطق الزراعية الأكثر فقراً في الوسط، في غرب وجنوب البلاد. عام 2013، على سبيل المثال، أسس 164 من صغار المزارعين في منطقة القيروان في جنوب تونس شركة "إريم". وكان هدفها تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، للمزارعات وتمكينهن من كسب دخل أعلى وبشكل منتظم. وعن هذا تقول نجوى دفلاوي، مديرة التعاونية: "العمل الثابت المنتظم أفضل من المساعدة".
وتقوم مزارعات تعاونية "إريم" بانتاج وتسويق المحاصيل، ومن أبرز ما تنتجه التعاونية، "الهريسة" وهو معجون التوابل العربي النموذجي المصنوع من الفلفل الحار والكزبرة والكمون والثوم وزيت الزيتون. وبالإضافة إلى هذا تبيع المزارعات التوابل المجففة وزيت الزيتون العضوي. لا تزود المزارعات السوق المحلية بمنتجاتهن فحسب، بل تصدرنها إلى أوروبا أيضا، على سبيل المثال إلى سويسرا. وتقول مديرة التعاونية إنهن يردن من خلالها تقديم مثال يحتذى للنساء الأخريات. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الاختلافات بين المدينة والريف كبيرة في جوانب أخرى، وعن ذلك تقول دفلاوي "نحن نفتقر إلى الأنشطة الترفيهية للاسترخاء". وتصف دفلاوي الروتين اليومي للنساء في البادية، بأنهن "يعتنين بالزراعة أو يبقين في المنزل بسبب الأطفال. ولا يذهبن للنوم إلا عندما يكون طعام اليوم التالي جاهزاً".
قلة فرص العمل
هناك مناطق في تونس أيضاً لا يكاد يوجد فيها أي عمل للنساء. على سبيل المثال في الخول، وهي قرية يبلغ عدد سكانها حوالي 200 نسمة. في المنطقة الجبلية القاحلة جنوب غرب القيروان، يتحمل الرجال المسؤولية الأكبر في الزراعة، وتساعد النساء في الحصاد فقط. وعلى الرغم من أنهن يرغبن في العمل أكثر، إلا أنهن لا يجدن ما يكفي للقيام بذلك. ويعود ذلك إلى قلة المحاصيل بسبب ندرة المياه في منطقتهم. خزان مياه صغير سيساعد قريباً على تحسين الوضع في المنطقة. ومن شأن الدخل المرتفع أيضا أن يمكّن النساء من شراء المزيد من الحيوانات أو الأبقار أو الأغنام وتربية الحيوانات. وحتى الآن قد لا يجدن في كثير من الأحيان ما يمكنهن فعله.
بريغيت شولتس/ إ.م