الملاذات الضريبية تؤرق السلطات الألمانية وسط قصور التشريعات في مكافحة التهرب الضريبي
٢١ أبريل ٢٠٠٩تُطلق صفة الملاذات الضريبية على تلك الدول، التي تعفي الأجانب من دفع الضرائب أو تفرض ضرائب رمزية على الإيداعات الأجنبية في بنوكها. وينطبق ذلك على عدد من الدول الأوروبية مثل غرار سويسرا ولوكسونبورغ وليشتنشتاين وموناكو. بيد أن مثل هذه الملاذات الضريبية ما تزال تؤرق السلطات الضريبية الألمانية، الأمر، الذي دفع وزير المالية الألماني بير شتانبروك إلى الحديث عن تحقيق نجاح كبير، عقب إعلان بعض الدول، التي تصنّف بأنّها ملاذات ضريبة، عزمها التعاون مع السّلطات الضريبية في بلاده.
وتقدر المبالغ الضريبية المُهرّبة عن خزينة الدّولة الألمانية فتقدّر بنحو 300 مليار دولار سنويا. في حين يقول ديتر أوندراسيك، رئيس النقابة الألمانية للضرائب، إن هناك إيداعات مالية لمؤسسات ألمانية وأشخاص ألمان في فروع البنوك الألمانية الموجودة في الخارج وفي البنوك الأجنبية التابعة للبنوك الألمانية، تقدّر قيمتها بنحو تسعين مليار يورو.
غياب تشريعات قانونية لمكافحة التهرب الضريبي
لكن المشكلة تكمن في قصور التشريعات الألمانية في معالجة ظاهرة التهرب الضريبي. فعلى سبيل المثال تمكّن رجال الجمارك الألمان خلال عمليات تفتيش أجريت على مدى شهري فبراير/ شباط ومارس/آذار الماضيين في مطار دوسلدورف الدولي لبعض المسافرين الألمان، من العثور على وثائق تثبت وجود حسابات بنكية لمواطنين في الخارج تبلغ قيمتها 5.7 مليون يورو. في مثل هذه الحالات، وحسب القانون الألماني، فإن التثبت من مصدر هذه الأموال وفي هويتها القانونية تعدّ من صلاحيات السلطات الضريبية، بيد أن يواخيم فيمر، من إدارة الضرائب التابعة لولاية الراين وستفاليا، يقول إن مصلحة الجمارك تمتنع عن تقديم المعلومات والوثائق، التي عثرت عليها لدى المواطنين الألمان القادمين من الخارج حول حساباتهم البنكية الخارجية، مشيرا إلى أن القانون الألماني لا يسمح في هذا الإطار بوجود تعاون بين مصلحة الجمارك وبين السلطات الضريبية.
ولهذا يسعى وزير المالية الألماني شتاينبروك إلى تشديد الإجراءات لمكافحة التهرّب الضريبي، بيد أن مشروع القانون الأخير الذي كان تقدّم به الوزير الألماني لمكافحة التهرب الضريبي، أثار جدلا واسعا بين أحزاب الائتلاف الحكومي، قبل التوصل إلى توافق على بنوده.
دول مستفيدة من التهرب الضريبي
وعلى الرّغم من أن الإيداعات المالية في الخارج لا تعد خرقا للقانون، إلاّ في حال التكتم عليها وعدم إعلام السّلطات الضريبية عن وجودها وعن قيمتها المالية، إلاّ أنّ التشريعات المصرفية والضريبية لبعض البلدان تجعل من الصّعب التوصّل إلى مثل هذه الإيداعات وأصحابها. وما يفسّر تلك الصعوبة أن الاقتصاد الوطني في العديد من تلك الملاذات الضريبية، على غرار سويسرا، يعتمد على مثل هذه الإيداعات المالية، التي يقدّر حجمها الإجمالي بنحو بليوني من الفرنكات السويسرية، من ضمنها نحو ثلاثة إلى أربعة مليارات يورو قادمة من ألمانيا، حسب بعض التقديرات. ويقول بعض المراقبين إن حوالي 50 بالمائة من هذه الأموال لم يصرّح عنها لدى السلطات الضريبية. وهو أمر يفنّده أورس روت، من اتحاد البنوك السويسرية، الذي يؤكّد بالقول: "أنا على اقتناع كبير أن غالبية الإيداعات المالية في البنوك السويسرية ليست أموال مهرّبة"، مشدّدا على أنّه لا وجود لحسابات بنكية مجهولة في سويسرا، التي يرى في أنها تحتل المراتب الأولى فيما يتعلّق في التثبت من هوية الزبائن، الذين يريدون إيداع أموالهم في البنوك السويسرية، وكذلك في التحقق من شرعية مصادر هذه الإيداعات ونوعيتها "التي لا تتعارض مع القوانين"، حسب تعبيره.
ضغوط دولية على الملاذات الضريبية
يد أن أولرش تيلمان، بروفسور في علم أخلاقيات الاقتصاد في جامعة غالن السويسرية، يرى أنه لا يُنظر في سويسرا إلى موضوع التهرّب الضريبي من منظور العمل المخالف للأخلاقيات، مشيرا إلى أنه لا يتم التثبت من الأشخاص، الذين لا يعيشون في البلاد أو الذين لم يزوروا سويسرا قطّ والذين يمتلكون إيداعات مالية في البنوك السويسرية، بأنّهم دفعوا الضرائب المفروضة عليهم في بلدان إقامتهم. ويشير تيلمان إلى أن ذلك الأمر يتجلّى في رفض البنوك السويسرية تبادل المعلومات مع الدول، التي يقيم فيها أصحاب الإيداعات المالية في البنوك السويسرية. يُشار في هذا السّياق إلى أن التهرّب الضريبي لا يعدّ مخالفة قانونية في سويسرا.
بيد أن الضغوط الدولية قد تزايدت في الأشهر الأخيرة على تلك الدول، التي تسمّى بالملاذات الضريبة، لاسيما في ظلّ الأزمة المالية العالمية. فخلال قمة العشرين الأخيرة، التي استضافتها لندن، أصدرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قائمة سوداء، اُدرجت فيها كلّ من كوستاريكا وماليزيا والفيليبين والأروغواي. وبعد إعلان هذه الدول عزمها تعديل تشريعاتها الضريبية والمصرفية حسب المقاييس الدولية بهدف مكافحة التهرب الضريبي، تم تحويلها إلى اللائحة الرّمادية، التي تضم كذلك سويسرا والنمسا ولوكسنبورغ وبلجيكا. وستراقب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التزام هذه الدول بتعديل تشريعاتها بهدف تمكين السلطات الضريبة الوطنية بالحصول على معلومات حول حسابات مواطنيها البنكية والمشكوك في شرعيتها.
الكاتبة: زابينه كينكارتس / شمس العياري
تحرير: عبده جميل المخلافي