المناظرة...أجوبة موضوعية لقضايا بنكهة "شعبوية"
٤ سبتمبر ٢٠١٧في وقت لم يتطرق فيه مرشحا سباق المستشارية في ألمانيا للعديد من القضايا الجوهرية التي تخص بلدهما، بحسب المعارضة، احتلت قضايا الإسلام والهجرة جانباً هاماً في المناظرة التلفزيونية الوحيدة بين المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من الحزب المسيحي الديمقراطي ومنافسها الاشتراكي مارتن شولتس. حيث قالت ميركل في المناظرة التي استمرت 95 دقيقة، إن "الإسلام المتوافق من الدستور هو جزء من ألمانيا"، معبرة في الوقت ذاته عن تفهمها لمن لا يعتبر أن الإسلام "جزء" من ألمانيا بالقول: "أفهم الناس المتشككة؛ إذ أن ما سبب ذلك هو الإرهاب الممارس باسم الإسلام"، مضيفة أنه هنا يأتي دور رجال الدين ليقولوا أن الإرهاب لا علاقة له بالإسلام.
ومن جانبه علق منافسها على منصب المستشار، مارتن شولتس، أن "ألمانيا لا يمكن أن تسمح بوجود أئمة ووعاظ كراهية، وهذا ينطبق على أولئك القادمين من السعودية".
لا جديد
مسؤول شؤون الحوار في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أحمد عويمر قال إنّ خطاب ميركل حول الإسلام لم يكن سوى رسالة تطمين للمسلمين الموجودين في ألمانيا رغم أن فحواه لم تكن جدبدة، وأكد لـDW عربية، أنّ المرشحين لم يستطيعا أن يقدما أي شيء جديد للناخب بشكل عام والمسلم بشكل خاص من أجل أن يحسم صوته لأحدهما، وأضاف " شعرت أن هناك اتفاق ضمني بين ميركل وشولتس على موافقة أحدهما للآخر، ولذلك ظهرت المناظرة كقالب باهت دون التطرق لمواضيع جديدة".
من جانبه يرى البروفيسور رشيد أوعيسى رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط والأدنى في جامعة ماربورغ أنّ خطاب المرشحَين حول الإسلام كان موضوعياً وبعيداً عن الشعبوية التي استخدمها المتنافسون في سباق الرئاسة في دول عظمى كالولايات المتحدة وفرنسا مثلاً، مؤكداً في تصريح لـDW عربية أن "الثقافة الديمقراطية الألمانية بدت جلية في المناظرة، وعدا عن ذلك فإن عقلانية المرشحين تفرض عليهما مراعاة خطاب معتدل حول الإسلام في بلدهما الذي يعيش فيه 4 ملايين مسلم على الأقل". فخطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال السباق الرئاسي كانت مفتقرة للعقلانية ومثيرة للجدل وتستفز الكثيرين من العالم الإسلامي كتكراره المستمر لعبارة "الإرهاب الإسلامي المتطرف" في حملته الانتخابية، وقوله في مقابلة له في آذار 2016: " أعتقد أن الإسلام يكرهنا. هناك الكثير من الكراهية".
أما بالنسبة لقضية اللجوء فقد وجد فيها المرشح الاشتراكي فرصة لنقد منافسته بأسلوب "موضوعي" أيضاً، بحسب أوعيسى، قائلاً أنه كان سيكون من الأفضل لو تم إشراك الجيران الأوروبيين في معالجة أزمة الهجرة واللجوء عام 2015. من جانبها، اعترفت ميركل في المناظرة التي تفوقت فيها على شولتس، بحسب استطلاعات للرأي، بالفشل في الملف قبل موجة اللاجئين الكبرى في عام 2015. بيد أنها دافعت عن نفسها بالقول: "كنا في مواجهة وضع دراماتيكي".
عدم طرح مواضيع جوهرية
لكن الخبير السياسي رشيد أوعيسى أبدى عدم رضاه بل وخيبة أمله من "تهميش العديد من القضايا الجوهرية في ألمانيا، بالإضافة لعدم تحدث المرشحَين عن موضوع اندماج اللاجئين"، قائلاً أن العلة الأساسية في المناظرة كانت في انتقائية الأسئلة التي طُرحت، محملاً المسؤولية على الصحفيين المحاورين، مؤكداً في الوقت نفسه أن خطاب المرشحين كان عقلانياً وبعيداً عن إثارة الرأي العام ضد اللاجئين، على عكس المناظرات التلفزيونية في سباق الرئاسة الفرنسي عندما كانت رئيسة الجبهة الوطنية ومنافسة فرانسوا ماكرون "ماريان لوبان" تشدد على الحد من الهجرة، مصرة على عبارة "لا يمكننا استقبالهم"، وحتى إن المناظرات في فرنسا كانت تشهد أحياناً مشادات كلامية بين المتنافسين حول قضيتي الإسلام و الهجرة.
وحول الأسئلة المطروحة يقول أحمد عويمر إنها كانت حول "مواضيع شعبوية انتقائية"، كما أنه انتقد أسلوب الصحفيين في طرح الأسئلة، مستشهداً بطريقة "إحراج" الصحفي لميركل بطرح سؤال حول رأيها بتنظيم كأس العالم 2022 في قطر، والتي أجابت عنه بـ"لا" فقط. لكنه يوافق أوعيسى حول عقلانية خطاب المرشحين، نتيجة الوعي السياسي الألماني.
معاً ضد انضمام تركيا
وكان المرشحان متفقين على مسألة عدم إمكانية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، بل أكد شولتس أنه إذا أصبح مستشاراً فسيلغي مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي مع تركيا، فيما أكدت ميركل أنها لن تسمح لتركيا بممارسة الضغوط على الأتراك في ألمانيا، مطالبة في الوقت نفسه بزيادة التدابير الاقتصادية ضد تركيا.
ورغم اتهام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للساسة الألمان بـ "الانغماس في الشعبوية" بعد هذه التصريحات إلا أن البروفيسور أوعيسى يرى أن تصريحات أردوغان مبالغة جداً لأنه نفسه "قد تجاوز حدود الشعبوية وأصبح دكتاتوراً"، مؤكداً في الوقت نفسه أن الخطاب "الموحد" لشولتس وميركل تجاه تركيا "يلمس إحساس الألمان" بعد اعتقال الصحفيين والنشطاء الألمان من قبل السلطات التركية. كما أكد أوعيسى أنه يتفق مع ميركل في أن التدابير الاقتصادية هي أفضل حل للضغط على تركيا.
فقاعة انتخابات
من جانبه قال مسؤول شؤون الحوار في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أحمد عويمر إنّ إعطاء أولوية لقضايا مثل العلاقات مع تركيا أو كيفية الضغط على كوريا الشمالية على حساب قضايا أهم، لا يخلو من طابع شعبوي فرضته الأسئلة المطروحة. وأضاف عويمر"لكنني أعتقد أن تصريح ميركل حول تركيا ليس سوى فقاعة انتخابات".
ورغم من الموقف الألماني "الرادع" تجاه تركيا، فإنه يبقى مختلفاً عن الخطاب الشعبوي الذي كانت تستخدمه حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بخصوص تبعات انضمام تركيا للاتحاد. حتى أن عمدة لندن الحالي، صدّيق خان، اتهم سلفه، بوريس جونسون أحد زعماء حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي آنذاك بقيادة حملة "قائمة على الكراهية" وتخويف المواطنين من قضية الهجرة، وانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي، في إطار دعوته الناخبين البريطانيين، للتصويت لصالح خروج بريطانيا من الإتحاد. فالبعض يرى أنّ حملة خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي استطاعت التأثير على المواطنين البسطاء، وخلق فزّاعة وهمية لديهم بخصوص تبعات انضمام تركيا إلى الإتحاد مما أدى لخروجها بالفعل.
بالإضافة لمواضيع الإسلام واللجوء والعلاقات مع تركيا فقد تطرق المرشحان إلى عدة موضوعات أخرى كفضيحة الديزل والعلاقات مع الولايات المتحدة وكيفية الضغط على كوريا الشمالية بالإضافة إلى إعلانهما عدم تأييدهما لإقامة كأس العالم 2022 في قطر. لكن أحزاب المعارضة الألمانية وجهت انتقادات حادة للمستشارة أنغيلا ميركل ومنافسها شولتس بسبب إغفالهما التحدث عن مواضيع جوهرية خلال المناظرة التليفزيونية الوحيدة في المعركة الانتخابية الحالية.
محي الدين حسين