الهموم الأوروبية تخيم على انتقال رئاسة الاتحاد إلى لندن
لم تكلل مساعي رئيس لوكسمبورغ ورئيس المجلس الأوربي بالنجاح في إقناع الأطراف الأوربية في اعتماد بعض الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية على الإتحاد الذي بات يعاني من تشتت مواقف أعضائه الـ 25. ولعل تشبث الدول بالمصالح الوطنية والإمتيازات المالية أدخل الإتحاد في مأزق سياسي يهدد بنسف كل المكتسبات السياسية والاقتصادية والأخلاقية إذ فشل الساسة في إنجاح عملية التكامل بين أعضاء الإتحاد. وجاء هذا التحذير على لسان رئيس الإتحاد الحالي "جان كلود يونكر" الذي تنتهي اليوم فترته الدورية على رأس الإتحاد الأوربي ليترك لخلفه توني بلير، والذي اتهم بإفشال قمة الإتحاد الأخيرة نتيجة لتصلب المواقف البريطانية بشأن امتيازاتها المالية، مسؤولية تاريخية ستحدد مستقبل أوروبا.
خيبة أمل يونكر
عاش رئيس الإتحاد الأوربي أسوا لحظات عمله السياسي بعد أن أعلن فشل القمة الأوربية الأخيرة في التوصل إلى اتفاق بشأن ميزانية الإتحاد. وحمل آنذاك بريطانيا مسؤولية الفشل بسبب إصرار بريطانيا على إعادة النظر في الميزانية ككل وخصوصا في السياسة الزراعية المشتركة والتي تدافع عنها فرنسا. واعتبر يونكر التقدم بهذا الطلب هو تعمد إخفاق القمة وتنصل من المسؤولية تجاه الإتحاد وشعوبه. وسبق أن أشار إلى ضرورة استكمال المشروع الحضاري الأوربي الذي خططت له أجيل سالفة كوسيلة مثلى لتحقيق استقرار أوروبا وتعايش شعوبها السلمي. وحمل يونكر كل المسئولين الأوربيين مسؤولية فشل إقرار الدستور الأوربي وزعزعة ثقة شعوبهم في مشروع أوروبا الموحدة. وبالفعل نجد أن الساسة الأوربيين تجاهلوا شرح أوروبا على حقيقتها ولم ويبرزوا دوافع التوسع وعواقب انعدامه. في حين نجد أن الخلافات العلنية بين القادة الأوربيين في تحديد أواويات وأهداف السياسة الأوربية المشتركة قد أثرت بشكل عميق على مصداقية المشروع الأوربي وثقة الشعوب في السياسة الأوربية ككل.
صعوبة الوضع السياسي
وفي هذا السياق قال المستشار الألماني شرودر في مؤتمر صحافي في ختام القمة الأوربية منتصف الشهر الجاري أن بريطانيا وهولندا يتحملان مسؤولية أمام التاريخ الأوروبي وأمام الشعوب في أوروبا وقبل كل شيء أمام الشباب. وعبر شرودر عن حزنه آنذاك تجاه الباب المسدود الذي آلت إليه السياسة الأوربية ومحاولات توحيد المواقف والمصالح ووصفه بالأمر المؤسف للغاية. ولا ينتظر المسئولون الألمان من ترأس بريطانيا للإتحاد الأوربي الكثير من المواقف الإيجابية لكنهم لا يُنكرون أنهم يأملون أن تغير الحكومة البريطانية من مواقفها وتبدي نوعا من المرونة السياسية والقبول بحصتها في الميزانية الأوربية. لكن شرودر لم يخفي تحفظاته تجاه استعداد بلير لتغير مواقفه. ويعزي المسئول الألماني ذلك إلى اختلاف الرؤية البريطانية للمشروع الأوربي برمته. فالمستشار الألماني يعتبر الوحدة الأوربية أكثر من مجرد مشروع اقتصادي لخلق سوق أوربية كبيرة وموحدة. بل ابعد من ذلك تعد أوروبا الموحدة نموذجا اجتماعيا ناجحا قام على أنقاض الحرب العالمية الثانية.
"الأنانية" البريطانية
يرى بعض المراقبين السياسيين أن توني بلير ربما قد يحاول خلال فترة رئاسته جلب المزيد من التأييد للمواقف البريطانية بعدما نجح في كسب دعم هولندا والسويد وإسبانيا خلال اجتماع القمة الأوربية السابقة. ويرجح أخصائيون آخرون إمكانية تقديم بريطانيا تنازلات خلال فترة رئاسة المجلس الأوربي في ظرف تتزايد فيه الضغوط السياسية على الحكومة الإنجليزية بعد أن اتهما الرئيس الفرنسي جاك شيراك "بالأنانية". وقد جاء ذلك بعد رفض بيلر جميع أشكال التسويات التي عرضها عليه يونكر بما في ذلك تجميد قيمة المشاركة البريطانية المقلصة في الموازنة مع وعد بإعادة النظر في السياسة التمويلية عام 2008 على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل. ويشدد الموقف البريطاني بضرورة تغير أوروبا اولوياتها في الميزانية للتأقلم مع الواقع الاقتصادي الجديد. ولعل الواقع الاقتصادي المميز هو الذي يسود في بريطانيا التي أصبحت تعرف انتعاشا اقتصاديا وارتفاع الدخل القومي وقضاء شبه تام على البطالة، لكنه واقع يعرف التملص من المساهمة المالية في الورش الأوربي. ورغم محاولة بلير في الفترة الأخيرة تأكيده على أن أوروبا هي مشروع سياسي وثقافي وليس فقط هدف اقتصادي لإنشاء بقعة اقتصادية للتجارة الحرة، يترقب المحللون السياسيون أن يحتدم الخلاف بين بريطانيا وفرنسا في غياب دور حاسم لألمانيا بعدما أصبح معروفا في الأوساط غير الرسمية أن أيام شرود ر على رأس السياسة الألمانية أصبحت معدودة.
تقرير: طارق أنكاي