الوحدة الألمانية ـ هل كانت استعماراً رأسمالياً غربياً لشرق ألمانيا؟
٩ نوفمبر ٢٠٠٩برواياتها المشهورة مثل "السماء المقسمة" و"نموذج طفولة" كانت كريستا فولف (من مواليد 1929) أكثر الأديبات الشرقيات حضوراً في الساحة الأدبية الغربية. عاشت كريستا فولف وكتبت معظم أعمالها في ألمانيا الشرقية، بل كانت عضواً فاعلاً في الحزب الاشتراكي الحاكم. لهذا أضحت فولف هدفاً لهجوم حاد بعد الوحدة الألمانية عام 1990، فاتهمها البعض بالانتهازية السياسية وبأنها كانت جزءاً من "المؤسسة". فجّرَ تلك الأزمة كتابها "ما يبقى" الذي كتبته فولف قبلها بسنوات، غير أنها لم تنشره إلا بعد انهيار جدار برلين. في ذلك الكتاب وصفت الكاتبة كيف كان جهاز الاستخبارات في ألمانيا الشرقية يتجسس عليها ويراقبها في بعض الأحيان ليلاً ونهاراً. اعتبر البعض الكتاب محاولة متأخرة لتبرير موقفها من السلطة في ألمانيا الديمقراطية، وكان السؤال المطروح هو: لماذا لم تعترض آنذاك، وبصوت عال؟ النقاد الغربيون الذين أشبعوها قبل ذلك مدحاً وتقريظاً لشجاعتها في انتقاد النظام الاشتراكي، انهالوا عليها تجريحاً ناعتين إياها بلقب "كاتبة السلطة".
كان واضحاً أن كريستا فولف ليست وحدها هي المستهدفة. لقد بدا أن النقاد الغربيين يودون أن يتخلصوا من أدب دولة ما، كان اسمها ألمانيا الديمقراطية. لذلك امتدت تلك الحملة لتشمل جل كتاب ذلك البلد، بل ومواطنيه. عن تلك الفترة قالت كريستا فولف في حديث لإذاعة "دويتشه فيله": "فجأة بدا الأمر وكأن ألمانيا الغربية بلد مثالي يقف في مواجهة البلد الشرير ألمانيا الشرقية، وبالتالي كان يحق لطرفٍ أن يلتهم الطرف الآخر. كان واضحاً لي أن السياسيين يفعلون ذلك عن وعي كامل، لكن ما أدهشني هو أن الناس العاديين انساقوا وراءهم. هذا ما دفعني إلى التفكير بعمق في الموضوع، وتوصلتُ إلى أن ما حدث أشبع لدى الناس احتياجاً نفسياً كبيراً".
"المستعمرون الغربيون" يستولون على ألمانيا الشرقية
ومثل فولف كان غونتر غراس (مواليد 1927) من منتقدي الوحدة الألمانية، ولاسيما الطريقة التي تمت بها، حيث قال آنذاك: "العملاق يريد أن يصبح وحشاً." غراس الذي شارك صبياً في جيش هتلر النازي ما زال يحمل في أعماقه الخوف من تضخم القوة في ألمانيا، ومن "ابتلاع" ألمانيا الغربية لألمانيا الشرقية سابقاً. هذا الموقف عبر عنه غراس في كتابه الذي صدر العام الماضي بعنوان "السفر من ألمانيا إلى ألمانيا" الذي يضم مذكراته اليومية التي دونها في 1990، أي غداة سقوط جدار برلين وعشية الوحدة الألمانية.
في تلك المذكرات يقول غراس إن "المستثمرين الألمان الغربيين لا يهتمون لدى تفقد مصانع ألمانيا الشرقية إلا بالبيع والشراء. ومن المتوقع الآن أن يذهب جيش من خبراء القانون والإداريين الألمان الغربيين لتنظيم الحياة في الولايات الشرقية. أما الخاسرون فسيكونون مرة أخرى سكان ألمانيا الشرقية". ويضيف في موضع آخر من مذكراته: "إن ما عشناه في عام 1990، أعني الوحدة الألمانية التي تمت بضخ الأموال في اقتصاد ألمانيا الشرقية، كان بداية الاستدانة التي ما زالت مستمرة حتى اليوم. كما أن الطريقة التي سيطرت بها الرأسمالية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كانت نذيراً لما نعاني منه حتى اليوم." كان غراس يرى أنه ينبغي حدوث وحدة كونفدرالية بطيئة بين ألمانيا الشرقية والغربية، لا أن يستولي "المستعمرون الغربيون" على ألمانيا الشرقية بين عشية وضحاها. آراء حامل جائزة نوبل هذه أثارت انتقادات كثيرة لدى بعض المثقفين، لاسيما في الشطر الغربي من ألمانيا.
لوحة فسيفسائية عن تحولات تاريخية كبرى
الكاتب إنغو شولتسه، الذي ولد عام 1962 في مدينة دريسدن بألمانيا الشرقية، عبّر في عدد من أحاديثه الصحفية عن شعوره بالإحباط من سيطرة الأرقام والاقتصاد على الحياة في ألمانيا الموحدة. وكان شولتسه قد أحرز شهرة عالمية أواخر التسعينات عندما أصدر باكورة رواياته "قصص بسيطة" التي تناولت الفترة التي أعقبت انهيار جدار برلين وأثر ذلك على حياة الناس في القسم الشرقي من ألمانيا. ولاقت الرواية علي الفور احتفاء بالغا من القراء والنقاد، وترجمت في غضون سنوات قليلة إلي نحو خمس وعشرين لغة، من بينها العربية. في "قصص بسيطة" روى شولتسه قصصا ترسم صورة عن حياة الألمان الشرقيين خلال الحقبة التي أعقبت الزلزال السياسي الذي ضرب أوروبا الشرقية عام 1989، وأدي إلي سقوط سور برلين وانهيار الشيوعية. كانت تلك الرواية بمثابة لوحة فسيفسائية كبيرة عن التحولات الكبرى التي حدثت آنذاك علي كافة الأصعدة، اجتماعية واقتصادية وسياسية. وعن هذه الحقبة كتب شولتسه روايتيه التاليتين: "حيوات جديدة" و"آدم وإيفيلين".
عندما انهار الجدار قبل عشرين عاماً كانت الفرحة كبيرة وعارمة على جانبي السور. أما اليوم فإن البعض يشعر بأن سوراً خفياً يفصل بين ألمانيتين وتاريخين، بل إن استطلاعاً حديثاً للرأي أفاد بأن 12في المائة من الألمان في الشرق والغرب يريدون عودة الجدار الفاصل بينهم.
الكاتب: سمير جريس
مراجعة: عبده جميل المخلافي