اليمن: هل يطمح الرئيس السابق بالعودة إلى الرئاسة؟!
٢٩ يونيو ٢٠١٤في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 وقع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في العاصمة السعودية الرياض على المبادرة الخليجية التي قضت بتخليه عن منصب الرئاسة لنائبه حينها عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة وفاق وطني بالمناصفة بين المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم حينها) وأحزاب اللقاء المشترك المعارض (سابقا) بشرط أن يتم انتخاب هادي رئيسا توافقيا لفترة انتقالية مدتها عامان، ينجز خلالها إعادة تطبيع الحياة العامة في البلاد بالقضاء على كافة عوامل التوتر ونزع فتيل المواجهات القائمة في العاصمة وغيرها من مناطق التوتر وإعادة تشغيل مرافق الخدمات العامة، وإجراء حوار وطني شامل تشارك فيه كافة أطراف العملية السياسية والمكونات الاجتماعية اليمنية يفضي لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بناء على عقد اجتماعي جديد.
صالح يعزز نفوذه في الدولة
لكن صالح الذي تخلى عن منصب الرئاسة لم يتخلى عن نفوذه السياسي، إذ ظل محتفظا برئاسته لحزب المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم سابقا)، وفيما يقوم الرئيس السابق برئاسة الاجتماعات الحزبية لهيئات المؤتمر القيادية واستقبال الوفود الحزبية والشعبية والقبلية والإعلامية المؤيدة له في منزله بالعاصمة صنعاء أو في مقر الحزب، فإنه يحرص على الظهور في المناسبات الوطنية والدينية بمظهر الزعيم الوطني وهو يستقبل ويودع الوفود، وكأنه لا يزال رئيسا للدولة، ويحبذ أنصاره تسميته بـ"الزعيم". وعكست نتائج دراسة استطلاعية نفذها مركز الدراسات الإستراتيجية وقياس اتجاهات الرأي العام اليمني على عينة من أعضاء المؤتمر الشعبي العام تأييدا كبيرا لبقاء صالح في رئاسة حزب المؤتمر. كما يحتفظ صالح كرئيس سابق بحماية عسكرية كبيرة، تصرف مرتباتها واعتماداتها شهريا من وزارة الدفاع اليمنية. في حين يسيطر على معسكر (ريمة حُميد) الواقع في مسقط رأسه بمنطقة سنحان جنوب شرق العاصمة. ويقول خصوم صالح أن المعسكر "يحتوي على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر بالإضافة للآليات والمعدات العسكرية الثقيلة المسحوبة من معسكرات الحرس الجمهوري قبل حله".
لكن أنصار صالح وقيادات في المؤتمر الشعبي العام ينفون ذلك ويعتبرونه جزء من حملة إعلامية مضللة يقودها الإخوان المسلمون (حزب التجمع اليمني للإصلاح) ضد "الزعيم"، الذي سلم السلطة سلميا، في "محاولة يائسة" لزرع الفتنة بين صالح والرئيس هادي، كما يقولون. ويشرف صالح على مؤسسات اجتماعية ودينية وإعلامية بعضها باسمه كجمعية الصالح الاجتماعية الخيرية وجامع "السبعين" أو الذي يعرف بـ"جامع الصالح"، وأخرى تابعة للمؤتمر الشعبي العام. ويحقق الرئيس السابق بواسطة هذه المؤسسات نفوذا سياسيا واسعا، بالإضافة إلى هيمنة حزبه على مجلسي النواب والشورى، والسلطة المحلية في عموم محافظات ومديريات الجمهورية، علاوة على الحضور القيادي لعناصره في المؤسستين العسكرية والأمنية.
توظيف التناقضات للعودة إلى الرئاسة
يعتقد الكاتب والمحلل السياسي اليمني محمد صالح الحاضري أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح يسعى للعودة للرئاسة من باب إثبات فشل سياسة الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني في تحقيق أهداف ثورة الشباب السلمية، لاعتقاده بأن فشل الحكومة الحالية، سيعني إثبات نجاح الحكومات السابقة وبالتالي ستكون عودته أو وصول أحد أقربائه لرئاسة الجمهورية مضمونة. ويبرز هذا النهج بوضوح في احتفاء صالح العلني بقصيدة " سلام الله على عفاش " وهي قصيدة شعبية تقارن - بلهجة عامية بسيطة - حاضر هادي بماضي صالح، الذي أصبح يعرف بلقبه الجديد "عفاش". لكن الحاضري يرى أن الوضع مهما كان سيئا فإنه "لا يساعد صالح على تحقيق طموحاته الخيالية."
من جانبه يرى الكاتب والروائي اليمني محمد أحمد عثمان، أن الرئيس السابق يطمح بالعودة للرئاسة معتمدا على خبرته السابقة بـ "توظيف التناقضات السياسية معولا على استغلال التذمر الشعبي ضد حكومة الوفاق الوطني العاجزة حتى الآن عن تأمين الخدمات الأساسية كالمشتقات النفطية والكهرباء والمياه، أو إحداث التغيير الذي كان مأمولا من ثورة الشباب السلمية".
لكن عثمان يشير إلى استحالة عودة صالح أو أحد أقربائه للرئاسة حتى وإن كان نجله السفير أحمد علي، القائد السابق لقوات الحرس الجمهوري. فيما يرى الشاعر اليمني طه الجند، أن "أحلام صالح بالعودة للرئاسة استيقظت مع ظهور أحداث الثورات المضادة في بلدان الربيع العربي"، مؤكدا أن "من أخرجته الجماهير بثورة شعبية عارمة لا يمكن له العودة بأحلام وردية".
طموح صالح يصطدم بحسم هادي
وفيما يسعى صالح لتعزيز طموحه السياسي للعودة للرئاسة بالتحريض على نظام خلفه الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني مستخدما الوسائل الإعلامية لحزب المؤتمر الشعبي العام، وإمكانياته المادية، والجامع كمؤسسة دينية قريبة من دار الرئاسة، مستفيدا من حالة التذمر الشعبي الناجم عن أزمة المشتقات النفطية والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، أوقفت قوات الحماية الرئاسية بث "قناة اليمن اليوم" الفضائية التابعة لصالح، وتغيير اسم "جامع الصالح" إلى جامع "السبعين" وسحب الإشراف على الجامع من جمعية الصالح ومنحه لوزارة الأوقاف والإرشاد الديني. واعتبر المراقبون هذه الخطوة من الرئيس هادي بمثابة ضربة لـ"ماكينة" صالح الدعائية والتحريضية، وتحجيم طموحه بالعودة للرئاسة إلى دار الرئاسة، الذي لم يفارق مخيلته منذ خروجه منه في بداية عام 2012.
سعيد الصوفي – صنعاء