انتخابات السودان، البشير قادم
١٧ أبريل ٢٠١٥خلص تقرير داخلي لمنظمة الاتحاد الإفريقي أعدته بعثة تقييم ما قبل الانتخابات التابعة للمنظمة إلى أن الشروط الضرورية لإجراء انتخابات شفافة وتنافسية وحرة ونزيهة لم تستوفى في السودان. عمليا، شكك 16 مرشحا للانتخابات الرئاسية و45 حزبا سياسيا في صدقية أول اقتراع يجرى في البلد منذ انفصال الجنوب في 2011. ويتوقع بشكل كبير أن يفوز الرئيس عمر البشير بولاية جديدة وأن يفوز حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه، بغالبية المقاعد في ظل انعدام منافسين حقيقيين لهما .
فالمرشحون الستة عشر الذين يتبارزون على كرسي الرئاسة مجهولون لدى جمهور الناخبين، وفي المقابل يحكم البشير منذ أكثر من ربع قرن السودان الذي لم يشهد قط تداولا سلميا للسلطة عبر صناديق الاقتراع، بينما تعاني أحزاب المعارضة من أجل تجميع الموارد الكافية لخوض حملة انتخابية تتمتع بصدقية .
وفي 2009 أصبح البشير أول رئيس دولة في سدة الحكم تطالب المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقالت المحكمة في ديسمبر 2014 إنها ستؤجل تحقيقاتها في شأن جرائم الحرب المشتبه في ارتكابها بدارفور، بينما انتقدت المدعية العامة فاتو بنسودا فشل مجلس الأمن الدولي في الضغط من أجل توقيف البشير .
انعدام اهتمام الناخبين
المشاركة الضعيفة من شأنها أن تضع علامات استفهام إضافية على انتخابات هي محل جدل أساسا، وليس من المؤكد أن يساهم تمديد فترتها في تعبئة مزيد من الناخبين، فالعديد من السودانيين يرون أن نتيجة الانتخابات محسومة سلفا للبشير .
صور الموظفين داخل مكاتب التصويت المهجورة وهم نيام انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. المراقبون المحليون ظلوا مكتوفي الأيدي "المشاركة ضعيفة للغاية خصوصا بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، ولكن نتمنى أن يأتي المزيد من الناخبين" تقول آمنة عمر عبد الله قبل بضع ساعات من إغلاق مكتب التصويت الذي تراقب سيرالتصويت فيه لصالح منظمة "ينابيع"، المحلية غير الحكومية وإحدى المنظمات المحلية والإقليمية التي نشرت مراقبين .
في أحد مكاتب التصويت في منطقة الحاج يوسف بالخرطوم يقول موظف رفض ذكر اسمه لكونه ممنوع من الحديث لوسائل الإعلام في حوار معDW إن حوالي 10 بالمائة فقط من الناخبين المسجلين أدلوا بأصواتهم في الأيام الثلاثة الأولى من انطلاق عملية التصويت. موظفون في مكاتب تصويت أخرى في العاصمة أفادوا بنسب مشاركة تتراوح بين 10 و20 بالمائة، ويفترض أن تكون نسب المشاركة في المناطق القروية أعلى.
ورفضت الحكومة السودانية الملاحظات حول انخفاض نسبة المشاركة. "نحن راضون على نسبة مشاركة الناس في التصويت" يقول المستشار الرئاسي إبراهيم غندور خلال ندوة صحفية في اليوم الأخير من عملية التصويت، مضيفا أنه من السابق لأوانه التعليق على نسب التصويت قبل الإعلان عن النتائج الرسمية .
دعوات إلى المقاطعة
أحزاب المعارضة الرئيسية بما فيها حزب الأمة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي دعت الناخبين لمقاطعة الانتخابات معتبرة أنها لن تكون حرة ونزيهة.
وخلال الأيام التي سبقت عملية التصويت نظم حزب الأمة اعتصامات للفت الانتباه إلى ما يعتبره الحزب بيئة غير تنافسية في الانتخابات واصفا موقفه بالقول "نحن نقاطع الانتخابات بسبب افتقادها للشرعية. الحزب الحاكم الذي بقي في السلطة طيلة 25 سنة يشرف على كل جانب من جوانب الانتخابات. هو يصوغ القوانين ويمولها وهو يعين المسؤولين" كما قال محمد المهدي حسن، قائد الجناح السياسي لحزب الأمة .
لكن الناخبين الذين يصوتون يصرون من جانبهم على حقهم الدستوري في اختيار حكامهم. خاتم ضيف الله رجل خمسيني وهو موظف يعتبر أن هؤلاء الذين يقاطعون الانتخابات يخونون بلدهم بذلك. "إذا كنتم معارضين للحكومة تعالوا وتنافسوا في الانتخابات. قد تفوزون وقد لا تفوزون" كما قال ضيف الله في المكتب الذي صوّت فيه.
"الانتخابات المقبلة لا تستطيع أن تأتي بنتائج ذات صدقية"
الإتحاد الأوروبي ومركز كارتر الذين اعتبرا انتخابات 2010 "تنافسية للغاية" لا يراقبان ولا يمولان انتخابات هذا العام. الجهات المانحة الثنائية كانت مولت حوالي نصف موازنة التصويت في 2010 وهو ما اعتبر كشرط مسبق حاسم لاستفتاء جنوب السودان. ويعتبر العديد من المسؤولين الحكوميين في السودان أن الغرب كان إلى جانب استقلال جنوب السودان ودعم عملية التصويت في 2010 فقط لأسباب سياسية
قبل بضعة أيام من بداية الانتخابات صرحت منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بأن "الانتخابات المقبلة لا تستطيع أن تأتي بنتائج ذات صدقية" وأضافت أن الشعب السوداني "يستحق ما هو أفضل". وهي تصريحات أثارت غضبا في الخرطوم وجرى استدعاء مبعوث الاتحاد الأوروبي في السودان من طرف وزير الخارجية علي أحمد كرتي وهو مستشار سابق للرئيس عمر البشير وواحد من أقوى أعضاء حزب المؤتمر الوطني. واعتبر نافع تلك التصريحات "غير مقبولة، وغير دبلوماسية ".
كما انتقد نافع أيضا وقوف المجتمع الدولي إلى جانب المعارضة والمتمردين في جبال النوبة الذين طالبوا بتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة انتقالية. "في هذه المرحلة الانتقالية يسعى المتمردون لتفكيك حزب المؤتمر الوطني بالكامل. هذا هو حلمهم الذي تدعمه الولايات المتحدة وبريطانيا و الترويكا الآن أيضا "
الاستقرار بدلا من المخاطرة
منذ استقلال جنوب السودان، دخل السودان في صراع معه بسبب القضايا العالقة من الماضي المضطرب بين البلدين وعدم تحقق الانفصال التام. ودفع القتال الدائر في جبال النوبة باللجنة الوطنية للانتخابات إلى إلغاء التصويت في 7 دوائر انتخابية كما الغي التصويت في دائرتين انتخابيتين في المنطقة التي تشهد صراعا في دارفور . يشار الى ان جبال النوبة هي منطقة الحدود المضطربة التي تعهدت منها الجماعة المتمردة "الحركة الشعبية لتحرير شمال السودان " بعرقلة التصويت.
ورغم انعدام الأمن والصعوبات الاقتصادية التي ضربت السودان بسبب فقدان البلد الجزء الأكبر من احتياطياته النفطية في جنوب السودان، أصبح عديد من السودانيين يخشون المطالبة بالتغيير خصوصا بعد الحملة العنيفة التي ووجهت بها المظاهرات في الشوارع في سبتمبر عام 2013 .
الاضطرابات التي تعيشها دول الجوار مصر وليبيا جعلت السودانيين أكثر حرصا على تجنب المخاطر. فبالنسبة للعديد منهم أصبح الاستقرار الآن أولوية كبرى. "نحن في السودان نريد شخصا نعرفه كلنا بشكل جيد، لذلك فالبشير هو الشخص المناسب لحكم البلاد". يقول مصطفى عثمان وهو مهندس يبلغ من العمر 32 عاما، خلال انتظاره دوره الإدلاء بصوته في الانتخابات .