انسحاب القبعات الزرق .. مستقبل دارفور في خطر
١٦ يناير ٢٠٢١سحبت الأمم المتحدة وحدات تابعة لها من دارفور. فمنذ بداية هذا العام تقلص الأمم المتحدة قوامها في منطقة الأزمات السودانية دارفور. وحتى نهاية النصف الأول من العام وجب أن تغادر قوى الجيش والشرطة من مهمة يوناميد المنطقة. وبعدها تنتقل المسؤولية إلى الحكومة السودانية. وانطلقت هذه المهمة بعدما تفجر في دارفور عام 2013 نزاع نجم عن طلبات السكان للحكومة لمنحهم المشاركة السياسية والدعم الاقتصادي.
الانتفاضة الأولى رد عليها بقوة الرئيس عمر البشير المعزول في أبريل 2019. ومجموعات الرحل المتضامنين معه من الجنجويد كانوا مسؤولين عن تدمير قرى بكاملها والمذابح بحق السكان المدنيين وعمليات الاغتصاب. وتم تشريد أكثر من مليونين ونصف مليون نسمة. وطبقا لحسابات خبير السياسة السودانية، أريك ريفيرس تعرض حتى 600.000 شخص للقتل.
بداية سياسية جديدة
وبسبب هذه الجرائم تعتزم الحكومة الجديدة العاملة منذ أغسطس 2019 تحت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إحالة الرئيس السابق البشير على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. كما أنها وقعت في أغسطس 2020 مع المتمردين في دارفور على اتفاقية سلام. وبهذه الخطوات هي تريد الظهور كعضو مسؤول في المجتمع الدولي ـ سمعة فقدتها البلاد تحت نظام العنف المتواصل للرئيس البشير.لكن حتى بعد اتفاقية السلام من أكتوبر السنة الماضية تحصل من حين لآخر أعمال عنف في دارفور، لأن المجموعات المسلحة ماتزال موجودة.
اضطرابات جديدة غير مستبعدة
وهذا العنف قد يزداد في حجمه بعد انسحاب وحدات الأمم المتحدة، كما تفترض السياسية تانيا مولر من جامعة مانشستر. "قد تحصل في المستقبل مجددا اضطرابات قوية. والكثير من الأشخاص قد يحاولون الحصول على مواقع أفضل وذلك باستخدام العنف"، كما تفيد مولر التي تقوم ببحوث حول التطور السياسي والاجتماعي في السودان. "لقد حصلت في الآونة الأخيرة اضطرابات". وهي قد تزداد في المستقبل، لأن حضور الأمم المتحدة كان له أيضا معنى ثقافي، وتطلب من الفاعلين التصرف بأسلوب حضاري.
والحيرة تنتاب العديد من السكان بالنظر إلى مستقبل المنطقة. إذا غادرت قوى اليوناميد، فإننا سنرحل أيضا، كما أعلنت منذ مارس من العام الماضي عائلة أمام المفوض الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان ومدير المهمة الجديدة للأمم المتحدة، الألماني فولكر بيرتيس.
جيش متردد
ونظرا للمواجهات المستمرة لاسيما في جنوب المنطقة أعلنت الحكومة في الخرطوم عن نيتها إرسال جنود إلى المنطقة. ولا يمكن التعرف على فاعلية هذه الوحدات في الوقت الحاضر، كما تقول تانيا مولر. ولا يُعرف ما إذا كان الجنود مستعدين فعلا للدخول في مواجهات مع الجنجويد أو مجموعات أخرى. وبالتالي قد يفضل أولئك الجنود البقاء في مواقعهم عندما يظهر خطر الهجمات المسلحة. "لا أرى بأن الجيش السوداني سيكون مستعدا للمواجهة عندما تحصل فعلا مواجهات"، كما تفيد مولر.
أجواء تفاؤل
شيء من التفاؤل يسمح به التطور العام في السودان. فبعد سقوط البشير اتفق مدنيون وعسكريون على مستقبل مشترك ـ وهي خطوة أساسية بعد القيادة الحكومية المتسلطة للبشير الذي وصل إلى الحكم في 1989 بعد انقلاب. ونظرا لهذه المعطيات ترغب شرائح واسعة من المجتمع السوداني في حصول تحول سياسي عام للبلاد في اتجاه الديمقراطية ودولة القانون.
والسودان تغير، كما تلاحظ في خريف 2020 خبيرة شؤون السودان، فيبكه هانزن من مركز عمليات السلام الدولية في برلين. "بالتحديد في الخرطوم تسود أجواء التفاؤل والثقة في السير خطوة لا رجعة فيها بعد إعلان الدستور من أغسطس الماضي وتشكيل حكومة مؤقتة مدنية. وهذا التطور العام قد يؤثر إيجابيا على دارفور"، كما تقول تانيا مولر. والتغير في الثقافة السياسية يبدو مستداما. "لقد وُجدت قبل الثورة ضد البشير منظمات من المجتمع المدني التي حاولت تنفيذ هذه المشاريع على المستوى المحلي والتي تلقى التنفيذ حاليا على مستوى البلاد".
منطقة تحت السلاح
لكن، كما تفيد مولر ماتزال توجد مجموعات مسلحة تريد كسب فوائد مثل موارد الماء أو أراضي الرعي. "هذه المجموعات ماتزال تملك أسلحتها ولن تتردد في استعمالها لمنع تطور ثقافة سياسية مدنية وديمقراطية إذا كان يتعارض ذلك مع مصالحها".
وعلى هذا النحو غير مستبعد أن يحصل نوع من اختبار السلطة بين الشرطة السودانية والجيش من جانب والمجموعات المسلحة من جانب آخر. وبالتحديد في المناطق الهامشية للسودان تبقى مسألة التطور الاجتماعي مفتوحة. "لأنه كلما زاد ابتعاد العاصمة، كلما ضعف تأثيرها". إضافة إلى ذلك تبقى الحدود مع تشاد وكذلك اثيوبيا غير آمنة. وانطلاقا من هذا السبب أيضا ما يزال يوجد العديد من الفاعلين المسلحين. فانسحاب وحدات الأمم المتحدة قرار تبقى عواقبه مفتوحة.
كرستين كنيب/ م.أ.م