انفجار بيروت.. تضامن اجتماعي يخفف هول المأساة
٦ أغسطس ٢٠٢٠في جلسة عائلية لطيفة كان يتم التحضير لرحلة إلى الجبل، إذ كان حسين عواد الذي يعيش مع والدته في بيروت بالقرب من مطار رفيق الحريري بمكان ليس ببعيد عن موقع الانفجار، يرتب مستلزمات الرحلة والاحتياجات والمشتريات، عندما انقطعت هذه الجلسة بهزة أرضية قوية وصوت انفجار مرعب خلال لحظات فقط، دمرت أجزاء من البيت، النوافذ والزجاج، تحطم تماماً. وبحسب ما قال حسين لـDW: "الحمد لله لم نصب بأضرار جسدية، ولكن الأضرار المادية والمعنوية كبيرة"، وأضاف: "ما زلنا في حالة من الذهول والخوف مما حدث " مشيراً إلى الحروب والأزمات التي شهدها لبنان على مر التاريخ.
وذكر حسين أن ما حصل فاجعة كبيرة تركت الجميع في حالة من الضياع بسبب ما خلفته من دمار وتهجير وتشريد للسكان. وحسب محافظ بيروت ألحق الانفجار أضراراً بنصف العاصمة، وما يقرب من 300 ألف شخص باتوا بلا مأوى. وهكذا تحولت العاصمة اللبنانية التي تلقب بـ "باريس الشرق" إلى مدينة منكوبة، حيث دمرت أحياء كاملة بمنازلها فبدت شوارع المدينة وكأنها خارجة للتو من حرب طاحنة. وكان وزير الصحة قد أعلن ارتفاع حصيلة ضحايا الانفجار إلى 137 قتيلاً وإصابة نحو5 آلاف شخص. وما زالت فرق الإنقاذ تبحث عن أكثر من 100 شخص مفقودين. وقدرت قيمة الأضرار بأكثر من 5 مليارات دولار.
تضامن اجتماعي
في هذه الظروف الصعبة التي يواجهها الشعب اللبناني بعد الانفجار، أظهرت الدول العربية والغربية تضامنها مع الكارثة التي حلت على لبنان. أما محلياً، فقد سارع كثيرون للمساعدة لاستضافة الأشخاص الذين فقدوا منازلهم، حيث فتحوا أبواب بيوتهم لاستقبال المتضررين وتقديم المساعدة والدعم للمنكوبين. إضافة إلى حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي قامت بها بعض الفنادق بتوفير غرف مخصصة للعائلات المتضررة.
وكان فندق شباط في بشري قد أعلن عن تخصيص 48غرفة لاستقبال الأشخاص الذين فقدوا منازلهم لتأمين المسكن والطعام لهم. وقال وجيه شباط مدير الفندق لـ DW: " في هذه الأوقات العصيبة يجب أن نساعد بعضنا.. هكذا تعلمنا". وإن الفندق قد استقبل نحو 60 شخصاً من بينهم شخصان تعرضا لإصابات بالغة، أحدهما تغطي القطب الجراحية وجهه وجسده. وعبر وجيه شباط عن حجم الألم الذي يشعر به جراء هذه الكارثة. وأضاف أن ما يثير غضبه وحزنه أكثر أنه قد ولد في عام 1976 ، وعاش الحروب في طفولته وشبابه في الثمانينيات والتسعينيات في لبنان، وعانى من أزمات البلاد المعيشية والاقتصادية والأمنية المتلاحقة جميعها، وأنه لم يكن يتمنى لأطفاله أن يعيشوا ما عاشه من ظروف الحرب. وقال :" لا يمكن التفكير في المستقبل في هذا البلد، عندما تعتقد بأن أحوالك قد أصبحت مستقرة، تفاجأ بكارثة جديدة تعيدك إلى الوراء وما دون الصفر". وقال إن الحكومة لم ولن تبادر بالمساعدة... لو أعادوا 1 بالمئة من الأموال التي قاموا بنهبها من البلد، لكان ذلك كافياً.. ولكنهم حتى لم يعرضوا استقبال أحد من المتضررين في بيوتهم".
وذكر أنه يتلقى مئات الاتصالات من الأشخاص الذين خسروا منازلهم يومياً. ومن أكثر القصص المؤثرة، حدث أن اتصلت به سيدة تدعى دارين طراف، يكاد لا يسمع صوتها من شدة البكاء فقد تضرر بيتها بشكل كبير، وسألته إن كان بإمكانه استقبالها مع أطفالها الثلاثة، وبعد أن أكد على إمكانية استقبالها أخبرته بأنها ستأخذ سيارة أجرة وتأتي إلى الفندق مباشرة. بعد اتصالها تلقى اتصالاً من شخص آخر أخبره بأنه لا يحتاج لغرفة في الفندق، وإنما يتصل ليعرض المساعدة، إذ أنه يملك سيارة وبإمكانه أن يقل الناس إلى الفندق. وجاء عرضه بالمساعدة في الوقت المناسب، إذ أن السيدة اتصلت مجدداً لتخبر وجيه عن عدم تمكنها من القدوم إلى الفندق لأن سيارة الأجرة ستكلفها 130 دولاراً، وفي هذه الظروف من غير الممكن تأمينها.
بعد وصول دارين إلى الفندق بمساعدة السائق المتطوع، قالت لـ DW إنها عاشت لحظات مرعبة جداً، فقد كانت في الحمرا عند وقوع الانفجار وأطفالها في المنزل في الأشرفية، ولم تتمكن من الاتصال بهم في البداية، وبعد ذلك اطمأنت أن الصغار لم يصابوا بأذى إلا أن زجاج المنزل قد تكسر بالكامل. وأكدت دارين أنه من غير المجدي إرسال المساعدات إلى الحكومة بل يجب إرسالها إلى الناس مباشرة لتجنب وقوعها في أيادي الفساد. وبالنسبة لها من المهم محاسبة المسؤولين عن هذه المأساة سواء كانوا "حزب الله" أو الحكومة أو إسرائيل أو جميعهم معاً.
مساعدات من الحكومة اللبنانية!
وفي حين تصل المساعدات الخارجية من دول عربية وغربية، قررت الحكومة اللبنانية دفع تعويضات لعائلات الضحايا وفرضت الإقامة الجبرية على المسؤولين عن ملف تخزين نترات "الأمونيوم" في مرفأ بيروت منذ 2014. وأمرت بتشكيل لجنة تحقيق إدارية للكشف عن أسباب الانفجار، ورفع النتائج خلال خمسة أيام. وكلفت الحكومة الجيش بإجراء مسح فوري وشامل للأماكن المتضررة، واستحداث أربعة مستشفيات ميدانية. كما أعلن المجلس الأعلى للدفاع فتح المدارس لإيواء مشردي الانفجار، وأعلن الحداد لمدة 3 أيام.
ولكن من جهته، قال حسين عواد إن هذه التعويضات التي تتحدث عنها الحكومة لم تصبح جزءاً من الواقع بعد، وأضاف أنه لم يفكر في كيفية إصلاح المنزل حتى الآن لهول الصدمة. واختتم حديثه قائلاً :" كتب علينا العذاب منذ إنشاء هذا البلد".
الكاتبة: ريم ضوا