انفجارات إيران .. حوادث عابرة أم فاعل مجهول؟
١٤ يوليو ٢٠٢٠
شهدت إيران منذ أواخر يونيو/ حزيران سلسلة انفجارات في محيط منشآت حساسة منها منشآت عسكرية ونووية وصناعية. آخرها حريق اندلع يوم أمس الأحد (12 تموز/ يوليو) بمنشأة تابعة لشركة شهيد توندجويان للمواد البتروكيماية جنوب غرب إيران وتم إخماده على الفور، حسب ما نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن مسؤول محلي.
وكان مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي قد أفادوا يوم (الجمعة 10 يوليو/ تموز) بسماع انفجارات مدوية في مدينتي قرمداره وقدس، أحدها تسبب في إنقطاع التيار الكهربائي، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية في إيران. في المقابل نفى مسؤولون إيرانيون تقارير عن حدوث انفجارات جديدة غربي العاصمة طهران، فيما أقرت متحدثة بانقطاع التيار الكهربائي في المنطقة.
منذ نهاية شهر يونيو/ حزيران، توالت تقارير تحدثت عن انفجارات مماثلة، لكن التفاصيل بشأنها بقيت غير واضحة. غير أن حجم الضرر الذي تسبب فيه الانفجار الذي وقع في منشأة ناتانز النووية الإيرانية قبل بضعة أيام، والذي يحتمل تسببه في تدمير كامل للمبنى تقريبا، بات معروفاً الآن، بحسب ما أفادت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI)التي تحدثت عن "أضرار جسيمة"، كما أكد محللون آخرون أيضاً.
"ضربة موجعة لإيران"
مبنى منشأة ناتانز الإيرانية النووية الذي وقع فيه الانفجار يعتبر أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم وتصنيع واختبار أجهزة الطرد المركزي في إيران. وبحسب تحليل معهد العلوم والأمن الدولي (ISIS ) للصور المأخوذة عبر الأقمار الإصطناعية، فإن شدة الأضرار تشير إلى أنه يجب هدمه بالكامل وإعادة بناءه من الصفر.
يعتقد المحللون أن المنشأة عبارة عن مصنع إنتاج ضخم لإنتاج وتطوير أنواع مختلفة من أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم، وهي تقنية مهمة لتحويل اليورانيوم إلى وقود نووي. ويتم تصنيع الآلاف من هذه الأجهزة كل عام هناك. ووفق المعهد، فإنه: "على الرغم من أن الانفجار والحريق لم يؤثرا على قدرة إيران في تصنيع وتطوير أجهزة الطرد المركزي الحديثة، إلا أن الدمار الذي لحق بالمنشأة يمكن أن يشكل ضربة موجعة لها خلال السنوات المقبلة".
هجوم سيبراني؟
هل كان حادث منشأة ناتانز النووية الإيرانية، حادثاً عابراً أم بفعل فاعل؟ تساؤل يثير في الوقت الحالي العديد من النظريات. من جهته كتب المحلل العسكري النمساوي، ماركوس رايزنر في تحليله لمجلة “زينيت” zenith الألمانية المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط "أن في الوقت الحالي هناك بعض المؤشرات التي تتحدث عن تغيير جذري في مستوى التشغيل يمكن أن يكون قد تسبب في انفجار المحولات الكهربائية، ما قد يشير إلى هجوم إلكتروني مستهدف".
انفجار ناتانز كان حادثاً من ضمن سلسلة حوادث غير متوقعة للبنية التحتية في إيران. تم الإبلاغ عن ما مجموعه ستة حوادث على شكل حرائق وانفجارات وحوادث كيميائية طالت منشآت مختلفة في البلاد، منها إنفجار في إحدى العيادات الطبية قرب طهران، ومحطة للطاقة في الأهواز جنوب غرب إيران ومصنع للبتروكيماويات في مهاشار. ووفق المحلل العسكري النمساوي فأنه "من المحتمل أن تكون سلسلة الانفجارات التي استهدفت المرافق المدنية، ناجمة عن هجوم إلكتروني“.
من يقف في الخلف؟
لا يزال هذا السؤال مفتوحاً لحد الآن. من جانبه قال عباس موسوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، يوم الخميس (9 يوليو/ تموز 2020) إن"التحقيقات التي يجريها الخبراء وقوات الأمن ما زالت جارية، ولهذا السبب لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن السبب الحقيقي للحادث". لكن داخل إيران، فإن الشكوك بشأن عمليات التخريب هذه، تحوم حول إسرائيل.
وخلال الأيام القليلة الماضية جاء النفي من إسرائيل، لكن في صورة غامضة، كما قال وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي اشكنازي "نحن نتخذ إجراءات، لا ينبغي علينا الإفصاح عنها“. ولم تختلف نبرة رئيس حزب أزرق - أبيض، ورئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق بيني غانتس كثيراً وقال: "ليست كل حادثة تحدث في إيران مرتبطة بنا."
لكن الأمر المؤكد هو أن الحكومة الإسرائيلية ترى في إيران، تهديداً كبيراً لها. في تل أبيب، لم يعد القلق يقتصر على إمتلاك إيران أسلحة نووية ذات يوم، لكن هناك شعور بالتهديد من الوجود الإيراني في سوريا، حيث اكتسبت إيران موطئ قدم ثابت هناك. بعض المصادر تحدثت عن أن إسرائيل قد قامت بتنفيذ عشرات الهجمات على مواقع الحرس الثوري الإيراني وقوات أخرى في سوريا.
ما علاقة الانفجارات بالعام 2002 ؟
في مقال لصحيفة "هآرتس"الإسرائيلية، ربط الصحفي يوسي ميلمان انفجارات وحرائق الأيام الأخيرة التي حدثت في إيران بسياق تاريخي أكبر، يعود حسب تصوره إلى عام 2002. ويقول ميلمان إنه في ذلك الوقت، تم الكشف عن مخطط إيران المتمثل في بناء مصنع من أجل تخصيب اليورانيوم في ناتانز. ومنذ ذلك الحين، لم يعد هناك أدنى شك لدى تل أبيب وواشنطن حول طموح طهران في أن تصبح قوة نووية.
وقال الصحفي أنه نتيجة لذلك تم تنفيذ العديد من أعمال التخريب والتدمير. كما تم استخدام فيروس الكمبيوتر المسمى Stuxnet أيضاً لهذا الغرض وهو ما أدى فيعام 2010، إلى شل أجهزة الكمبيوتر التي كانت تسيطر على أجهزة الطرد المركزي في ناتانز. ويعتقد ميلمان بأنه يمكن أن تكون لإسرئيل صلة بعمليات التخريب الأخيرة التي حدثت في إيران وطالت منشآت حساسة. كما أنه لم يستبعد أن تكون هذه العمليات قد حدثت بالتعاون مع الأقليات العرقية في إيران، المعارضين بشدة للحكومة في طهران.
التعاون مع الأقليات العرقية في إيران
وتابع ميلمان أن رئيس الموساد السابق لوح مرارا إلى أن إسرائيل ستتعاون مع هذه الجماعات خلال فترة ولايته. التصريحات التي أدلى بها اشكنازي وكذلك غانتس قد تحمل معنى جديد إذا ربطت في هذا السياق وأن أعمال التخريب الأخيرة يمكن أن يقف خلفها معارضو النظام الذين يعيشون في إيران. وخلص ميلمان إلى أن "إسرائيل" تبذل كل ما في وسعها لمنع إيران من متابعة برنامجها النووي وذلك بالتزامن مع تعرض البلاد للحوادث والهجمات الإرهابية".
لكن بغض النظر عما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن أعمال التخريب هذه أم لا، هناك شيء واحد واضح حسب ميلمان، وهو "حقيقة أن اتهام الإيرانيين لإسرائيل يرفع من شأن المخابرات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه، يضر بالروح المعنوية وصورة إيران".
قراءة تحليلية مماثلة للهجمات الأخيرة التي حدثت في إيران على صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، إذ علقت أن "الانفجارات إن كانت ناجمة عن أعمال تخريب، فهي تبعث برسالة واضحة للجمهورية الإسلامية ومفادها: أنها معرضة للخطر، وأنه يمكن الوصول إلى أكثر مرافقها الحساسة ومهاجمتها".
كرستن كنيب/ إ.م