باحث مصري في أول مركز أوروبي لأبحاث البروتين
١٣ فبراير ٢٠١٠المختبر الذي يعمل فيه الباحث المصري سمير المشتولي هو عبارة عن غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها الثمانية أمتار مربعة. على الطاولة القريبة من باب الغرفة شاشتي حاسوب كبيرتين، وعلى الطاولة الأخرى جهاز ميكروسكوب آلي، يبدو للوهلة الأولى وكأنه روبوت كبير. جدران الغرفة مكسوة بفرش صوفي سميك لعزلها عن العالم الخارجي، ولعدم التأثير على وظائف المجهر الشديد الحساسية.
جهاز معقد بلغت تكلفته عدة آلاف يورو، لكنه ضروري في مجال العمل المعقد أيضا، كما يؤكد الباحث المصري "نحن نستخدم هنا طريقة طيف الاهتزاز، ونحاول من خلال ذلك دراسة بعض الأنسجة للخلايا الحية، ونتمنى أن نحصل على بعض الأطياف المميزة لأمراض ما كمرض السرطان مثلا." هذه الأطياف المميزة قد تساعد في المستقبل على تشخيص هذه الأمراض في مراحلها الأولى وربما القدرة على الوقاية منها. لقياس طيف اهتزاز الخلايا البشرية يقوم المشتولي أولا بقياس عينات من السليكون كي يتأكد أن جهاز المجهر الآلي معد بشكل صحيح.
من القاهرة إلى اليابان ثم نيويورك فالسعودية ثم بوخوم
رحلة الباحث المصري العلمية قادته إلى عدة محطات، فبعد تخرجه من جامعة عين شمس في القاهرة، سافر إلى اليابان حيث حصل على شهادة الدكتوراه. بعدها التحق بجامعة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية لإتمام دراسة ما بعد الدكتوراه ثم عمل كأستاذ مساعد في جامعة الملك خالد في السعودية، قبل أن يلتحق بجامعة بوخوم.
سمير المشتولي وضع هدف السفر والتعلم في بلدان أخرى نصب عينيه، عقب تخرجه من جامعة القاهرة. لكن البداية لم تكن سهلة. فالصعوبات كانت كبيرة خصوصا خلال السنة الأولى التي كانت بالنسبة له "قاسية جدا" لأن "الفارق في المستوى التعليمي بين مصر واليابان شاسع جدا، لذا كنت مضطرا لبذل مجهود كبير"، كما يتذكر الآن.
مجهود أتى أكله بعد سنوات قليلة. ففي جامعة بوخوم يعمل الباحث المصري في مركز علمي يعد من الأفضل من نوعه في العالم، وهو المركز الأوروبي لأبحاث البروتين (PURE) الحديث النشأة. أستاذ سمير المشتولي، البروفيسور كلاوس غيرفيرت، بروفيسور البيولوجيا الفيزيائية وأحد مؤسسي المركز، تعرف على الباحث المصري منذ فترة من خلال أبحاثه، كما يوضح البروفيسور الألماني "لما رأيته ورأيت مستواه التعليمي الذي حصل عليه في اليابان وأمريكا، إضافة إلى جده ومثابرته، قررت ضمه إلى فريق عملي".
صدمة من نوع آخر
لكن ليست هذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها سمير المشتولي إلى ألمانيا. فقد جاء إلى مدينة دورتموند في صيف 1993 في إطار دورة تدريبية، وهو طالب البكالوريوس في جامعة عين شمس. حينها لم يصب الطالب المصري بصدمة ثقافية عادية كما يقول. لكن الصدمة جاءت بعد اطلاعه على الإمكانيات المذهلة، حسب تعبيره، والتي وجدها في مختبر المعهد الذي درس فيه في دورتموند. "أما الإمكانيات المتوفرة للطلبة في مرحلة البكالوريوس في مصر فقد كانت بدائية جدا، وفجأة وجدت نفسي في معمل أبحاث."
"إمكانيات البحث العلمي في أوروبا وفي أمريكا أعلى منها بكثير في الدول العربية": هذه هي خلاصة الباحث الشاب بعد رحلته التي قادته إلى أربع من القارات الخمس. لكنه يؤكد أن الإمكانيات التي يقصدها لا تنحصر على المادية منها فقط. فالمناخ العلمي الصحيح "يحتاج إلى مكتبة ولأساتذة أكفاء، وإلى زملاء في نفس المستوى العلمي"، حسب قوله.
نظرة متفائلة للمستقبل
لكن المشتولي يبقى متفائلا بشأن تطور البحث العلمي في الدول العربية. فمن خلال تجربته في السعودية أدرك أن وضع البحث العلمي الحالي هناك أحسن مما كان عليه قبل عشرين عاما، "فهناك حاليا دعم لميزانيات البحث العلمي وإن لم يصل بعد للمستوى المطلوب". وفي حين كان في الماضي من الصعب جدا القيام ببحث علمي على المستوى العالمي، فإن ذلك أصبح الآن ممكنا إلى حد ما. "لكني أعتقد أننا نحتاج لعشرة أو خمسة عشر عاما من أجل الوصول إلى المستوى العالمي."
سمير المشتولي، الذي تعرف على أنحاء مختلفة من العالم، يطمح للاستقرار والعمل في ألمانيا لمدة أطول. فهو يعتبر ألمانيا من الأماكن الممتازة في البحث العلمي، كما أنها دولة متقدمة في مجال تخصص الباحث المصري، حيث تتوفر الإمكانيات العلمية والمادية والبشرية والمناخ العلمي المناسب جدا للعمل على حد قوله. لكن قبل ذلك، لدى سمير المشتولي رغبة أخرى ليست لها علاقة مباشرة بمجال عمله. فهو يتمنى أن يتكلم الألمانية بطلاقة في وقت قريب.
الكاتب: خالد الكوطيط
مراجعة: طارق أنكاي