بايدن وأوروبا.. الترحيب بفوز شريك غير مريح!
١٠ نوفمبر ٢٠٢٠سعى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في السنوات الماضية من أجل إقامة علاقة جيدة مع دونالد ترامب، لكن فوز جو بايدن قد يروق له أكثر. "لدينا الكثير لنقوم به من أجل التغلب على تحديات اليوم. لنعمل معا"، قال ماكرون في تغريدة بالفرنسية والانجليزية بعد بقليل من إعلان وسائل إعلام أمريكية فوز بايدن في الانتخابات.
وبعكس انتخاب ترامب قبل أربع سنوات، يعرف المستشارون في باريس وفي العواصم الأوروبية كيفية التعامل مع جو بايدن. فليس هناك رئيس أمريكي تولى المنصب بهذا الكم من التجربة والخبرة في السياسة الخارجية.
بايدن ذو الجذرو الفرنسية والإيرلندية
ومنذ أيامه كسيناتور في مجلس الشيوخ اهتم بايدن بالسياسة الخارجية وأعد في مطلع التسعينات دراسة واسعة عن حروب البلقان. وكنائب للرئيس باراك أوباما حل بايدن ضيفا على مؤتمر الأمن في ميونيخ، أكبر منتدى للحوار عبر الأطلسي. جوزيف روبنيت بايدن الذي له جذور ايرلندية وفرنسية يعرف أوروبا ـ والأوروبيون يعرفونه.
وموضوع محوري في السياسة الخارجية ينوي الرئيس الأمريكي المقبل التعاطي معه عقب تأدية اليمين في الـ 20 من كانون الثاني/ يناير وهو الانضمام الجديد لاتفاقية باريس حول المناخ. وإعلان ترامب كان بالتحديد في اليوم التالي للانتخابات الأمريكية ساري المفعول، أي في الـ 4 من تشرين الثاني/ نوفمبر. وهذه العودة تلقى الترحيب عالميا، لكنها تكتسي بالنسبة إلى فرنسا أهمية خاصة. فالاتفاقية أُبرمت في العاصمة الفرنسية ـ مع رئيس الجمهورية.
الاتحاد الأوروبي: برنامج رغبات دولي
والعودة المعلن عنها من طرف بايدن لنظام التعددية تصب في مصلحة الشركاء الأوروبيين. فاليوم الأول لجو بايدن في البيت الأبيض قد يثير الارتياح في أوروبا. وإلى جانب العودة إلى اتفاقية المناخ، يعتزم بايدن إلغاء انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة الصحة العالمية. وحتى في سياسة ايران يريد بايدن انتهاج سياسة مختلفة عن سياسة ترامب والاقتراب من أوروبا، فالاتفاقية النووية مع نظام الملالي يرغب يرغب بايدن في إحيائها.
لكن في لندن وباريس و برلين يعرف الجميع أن بايدن سيهتم أولا بالسياسة الداخلية. وهذا التحديد في الأولويات أعلن عنه مستشارو بايدن في السياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية، كما كشف فرانسوا هايسبورغ، المدير السابق لمؤسسة البحوث الاستراتيجية في باريس. ونظرا للنتيجة غير المبهرة وحصول ترامب على صوت أكثر من 70 مليون ناخب، فإن التركيز على السياسة الداخلية الأمريكية ينطبق الآن أكثر من ذي قبل. فوباء كورونا يأتي في مقدمة أجندة بايدن على غرار الاقتصاد. وأثناء خطاب الفوز ظهرت حماية المناخ كموضوع وحيد من السياسة الخارجية.
لا عودة إلى دور شرطي العالم
وبالرغم من ذلك يمكن للأوروبيين توقع أن تنفرج العلاقات مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس القادم جو بايدن بشكل واضح. ومن ناحية المحتوى سيبقى نوع من الاستمرارية في كثير من موضوعات السياسة الخارجية كما كان عليه الحال مع إدارة ترامب: فالتحفظ العسكري للولايات المتحدة لن يتغير مع بايدن. بالعكس فمنذ عهد أوباما كان يحبذ انسحابا سريعا للقوات الأمريكية من العراق. وعلى غرار ترامب ليست أوروبا بالنسبة إلى بايدن هي منطقة العالم الحاسمة من ناحية السياسة الخارجية. فواشنطن تنظر إلى آسيا وترى في صعود الصين التهديد الأكبر للأمن والرفاهية. وهذا التطور انكشفت معالمه منذ فترة حكم أوباما.
الناتو والخلاف حول 2 بالمائة
ويشير مراقبون إلى أن بايدن قد يصبح أحيانا شريكا غير مريح مقارنة مع ترامب. فمادام دونالد ترامب يعلن بوضوح عن احتقاره للمؤسسات الأوروبية، كان بوسع حكومات الاتحاد الأوروبي تجاهل طلبات واشنطن بسهولة أكبر مما هي عليه مع رغبات الرئيس الأمريكي المقبل المقرب من أوروبا. وحتى بايدن سيضغط من أجل نفقات عسكرية أعلى من جانب الأوروبيين وتذكيرهم بوعدهم تجاه حلف الناتو بضمان 2 في المائة من الناتج القومي المحلي للجيش.
ويصعب على الأوروبيين تحمل مزيد من المسؤولية الأمنية السياسية، ويتضح هذا مثلا في شرق البحر المتوسط، كما يحلل خبير الشؤون السياسية هايسبورغ ويقول "منذ عام 2013 لم تعد الولايات المتحدة تلعب دورا قياديا في شرق البحر المتوسط. فتركيا وروسيا وقوى أخرى يمكن لها هناك التحرك بكل حرية".
الصين مقياس لقوة التحالف!
إضافة إلى ذلك سيتوقع الرجل المقبل في البيت الأبيض من أوروبا البرهنة على التبعية في اختبار القوة مع الصين. وهل سيلبي الأوروبيون الذين رأوا إلى حد الآن في الصين سوقا وشريكا تجاريا هذا المطلب؟ فهذا يبقى مفتوحا. وعلى الإطلاق في سياسة الاقتصاد قد تحصل بسرعة نزاعات مع الحكومة الأمريكية الجديدة. ففرنسا ستفرض كأول بلد في الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/ كانون الأول ضريبة خاصة على كبريات شركات الانترنيت الأمريكية. إلى ذلك يأتي الخلاف حول الدعم الحكومي غير القانوني لشركة بوينغ، حيث سمحت منظمة التجارة العالمية للاتحاد الأوروبي بفرض رسوم عقابية بالمليارات. فقوة الخلاف كبيرة في هذا المجال ـ علما أن الرئيس المقبل لم يدع مجالا للشك في أنه يعتزم اتباع سياسة حمائية في الاقتصاد. ويخطط بايدن لإلزام الدوائر الرسمية الأمريكية باستخدام البضائع والخدمات من "إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية".
لكن قبل أن يتولى جو بايدن زمام الأمور، يبقى دونالد ترامب شهرين ونصف في البيت الأبيض، وهذه الفترة الانتقالية قد تكون صعبة ليس فقط بسبب وباء كورونا المستفحل. لكن وعلى كل حال فإن أوروبا تشعر بالارتياح، لأنه في ولاية حكم ثانية لترامب، كما يحلل فرانسوا هايسبورغ كان الانسحاب أو تراجع الولايات المتحدة من الناتو سيهيمن على جدول الأعمال.
أندرياس نول/ م.أ.م