بدأ العد التنازلي للمرحلة الحاسمة في الانتخابات الألمانية
بدأ العد التنازلي للمرحلة الحاسمة في الانتخابات البرلمانية الألمانية المبكرة. ففي الثامن عشر من الشهر الجاري سيحسم الناخب الألماني المعركة لصالح أحد الأحزاب المتنافسة. الاستعدادات تجري على قدم وساق والأحزاب تخوض معاركها الانتخابية بهمة ونشاط. الدعايات والمؤتمرات والندوات الانتخابية في كل مكان والقنوات التلفزيونية تبث الدعايات الانتخابية للأحزاب وتعقد حلقات الحوار والمناظرات. وتحظى العملية الانتخابية بتغطية إعلامية ضخمة من مختلف وسائل الإعلام الألمانية. وبينما تميل نتائج استطلاعات الرأي لصالح الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ، فإن عنصر المفاجأة مازال واردا بشدة لاسيما وان نسبة كبيرة من الناخبين لم تحسم رأيها بعد لمن ستمنح ثقتها.
تنافس تقليدي بين لاعبين رئيسيين
تقليديا يتنافس حزبان رئيسيان قويان على السلطة في ألمانيا والى جانبهما أحزاب صغيرة متحالفة معهما. كلا الحزبان يتداولان السلطة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: الحزب الاشتراكي الديمقراطي برئاسة المستشار الحالي جيرهارد شرودر والى جانبه حزب الخضر، الشريك الأصغر في الإئتلاف الحكومي. والحزب المسيحي الديمقراطي برئاسة انجيلا ميركل المنافس القوي للجلوس على كرسي المستشارية، وشقيقه الحزب المسيحي الاجتماعي.
كما تشارك في اللعبة الديمقراطية بعض الأحزاب الصغيرة الأخرى مثل الحزب الديمقراطي الحر الذي يتحالف تقليديا مع الحزبين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي البافاري. ويخوض لاول مرة في اللعبة الانتخابية تنظيم "اليسار الجديد" الوليد الطارئ على الحياة السياسية الألمانية والذي تشكل مؤخرا منبثقا عن عدة أحزاب ونقابات عمالية.
مناظرة تلفزيونية مثيرة!
كجزء من الحملة الانتخابية سوف تبث يوم الأحد القادم مناظرة تلفزيونية بين كل من المستشار الألماني الحالي جيرهارد شرودر ومنافسته إنجيلا ميركل وجها لوجه. في هذه المناظرة، التي تعد جديدة نسبياً في ألادبيات السياسية والمعارك الانتخابية الألمانية، سيتم تناول موضوعات مختلفة متعلقة بالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. الغرض الأساسي من هذه المناظرة هو محاولة كل من المرشحين إقناع الناخبين الألمان بالتصويت له ولحزبه.
المراقبون يعتقدون ان تأثير هذه المناظرة على قناعان الناخب الألماني لن يكون كبيراَ، كما دلت على ذلك تجربة أول مناظرة تلفزيونية من نوعها في ألمانيا قبل حوالي أربع سنوات بين شرودر ومنافسه آنذاك ادموند شتويبر. غير ان كلا الحزبين يعولان على هذه المناظرة إقناع الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم لغاية الآن. ويحاول الحزب المسيحي الديمقراطي على الأقل الحفاظ على فارق الأصوات التي أظهرتها استطلاعات الرأي. أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي فيعول أهمية أكثر على مثل هذه المناظر في ترجيح الكفة لصالحه اعتماداَ على شخصية شرودر الإعلامية الجذابة وقدرته على الظهور الإعلامي والمحاورة، على العكس من ذلك منافسته ميركل التي لم يكن حزبها في الأساس يحبذ لها مثل هذا الموقف لكنه عاد ونصحها بالقبول بمناظرة واحدة بدلا من مناظرتين كان قد اقترحها حزب شرودر. وتخضع ميركل لبرنامج تدريب على الظهور أمام عدسات الكاميرا والتحدث بلباقة.
برامج انتخابية متشابهة
رغم ان البرنامج الانتخابي الذي يخوض بموجبة الحزب المسيحي الديمقراطي المعركة الانتخابية عليه مأَخذ من قبل الناخب الألماني، الا ان غضب المواطن الألماني من سياسة الإصلاح الاقتصادي الشامل التي شرعت فيها حكومة شرودر خلال فترة حكمها، وارتفاع نسبة البطالة إلى حدود الخمسة مليون شخص، وسياسة الإصلاح التقشفية لنظام التأمين الاجتماعي والصحي ورواتب المتقاعدين وعبئ الدين العام كلها عوامل ساهمت في تراجع شعبية حكومة شرودر التي تتمسك بمواصلة هذه السياسة في حالة فوزها في الانتخابات. وتؤكد حكومة شرودر في هذا السياق ان سياسة الإصلاح هذه سوف تأتي ثمارها في السنوات القادمة وليس بصفة فورية. أما الناخب الألماني فانه لا يريد ان ينتظر ويحكم على الأمور من خلال معاناته الحالية. وعموما تتشابه البرامج الانتخابية للأحزاب الألمانية إلى حد كبير مما يجعل منطقة الفصل بينها غير واضحة المعالم.
رهان شرودر على البقاء في السلطة
تشير نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها معاهد البحوث وقياس الرأي إلى تقدم الحزب المسيحي الديمقراطي برئاسة ميركل. ورغم تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي وفقا لنتائج هذه الاستطلاعات إلا ان شرودر يبدو واثقا من الفوز ويعتبر نتائج هذه الاستطلاعات صادرة عن" تحالف غير برئ" بين معاهد استطلاع الرأي وبعض وسائل الإعلام والمعارضة. هذا التحالف يعطي صورة وكأن السباق قد حُِسمَ، مع انه "ليس هناك شيئا حاسماً" اصلاَ. وبنفس الثقة يعبر رئيس الحزب الاشتراكي فرانس مونتفيرينج عن إصرار حزبه على كسب المعركة الانتخابية والبقاء في السلطة لاربع سنوات قادمة لمواصلة سياسة تحقيق العدالة الاجتماعية.
وكان شرودر قد أقدم على خطوة جريئة عندما طرح الثقة بحكومته للتصويت أمام البرلمان مفسحاً المجال بذلك لانتخابات مبكرة وهو ما اعتبره المراقبون مغامرة غير محسوبة العواقب وربما انتحار سياسي لحكومته. ترى هل سيستطيع جيرهارد شرودر كسب الرهان والبقاء أربع سنوات أخرى في مقعد المستشار كما حصل في المرة السابقة قبل اربع سنوات؟ الأيام القليلة القادمة سوف تجيب على هذا التساؤل.
د.عبده جميل المخلافي