"بدنا كهربا": هل هي بداية انتفاضة على سلطة حماس في غزة؟
١٣ يناير ٢٠١٧"بدنا كهربا يا قيادات"، هكذا ردد المتظاهرون في مسيرة خرجت في شوارع غزة يوم 12 يناير 2017. مسيرة شارك فيها الآلاف احتجاجا على تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء في المدينة، قبل أن تفرقهم في الأخير قوات الأمن التابعة لحركة حماس في القطاع عبر إطلاق أعيرة نارية في الهواء، بينما تعرض بعض المحتجين للضرب بالهراوات، حسب ما ذكرت وكالة فرانس برس. وهو الأمر الذي جعل مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف للتدخل داعيا إلى "احترام حرية التعبير والحق في التظاهر السلمي في غزة".
ردة فعل قوات الأمن الحازمة تجاه المتظاهرين طال حتى الصحفيين، الأمر الذي أدانته رابطة الصحافة الأجنبية في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل. من جهة أخرى امتدت هذه الانتقادات الحادة إلى مواقع التواصل الاجتماعي في الأراضي الفلسطينية ليتصدر خلال الساعات الماضية هاشتاغ "بدنا كهربا". إذ علق أحدهم على تويتر قائلا:
فيما علق آخر على فيسبوك:
غزة "بركان ثائر في طريقه للانفجار".. لكن في وجه من؟
الاحتجاجات ليست إلا القشة التي قصمت ظهر البعير حسب رأي المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أسامة عنتر في حوار له مع DW عربية "إذ لم يعد الناس في القطاع المعزول قادرين على تحمل الوضع اللاإنساني أكثر". ويعيش في غزة أكثر من مليوني شخص تحت أوضاع إنسانية صعبة حسب تقارير للأمم المتحدة، أحدها صدر في 2015، حذر من "أن غزة ستكون منطقة غير مؤهلة للعيش بحلول 2020".
فهذه الاحتجاجات التي جاءت بسبب تفاقم أزمة الكهرباء "جاءت كنتيجة مباشرة لتراكمات حصلت خلال العشر سنوات من المعاناة بسبب الحصار الإسرائيلي"، على حد تعبير الباحث الأكاديمي في العلوم السياسية عنتر.
بيد أن مشكلة الكهرباء ليست إلا واحدة من حزمة من المشاكل يعاني منها القطاع و لم تستطع السلطات هناك برئاسة حماس إيجاد حلول جذرية لها كمشكلة المعابر والطاقة والخدمات وغلاء الأسعار. أما أزمة الكهرباء، فتعود جذورها إلى 2006 عندما قصفت اسرائيل محطة لتوليد الكهرباء كرد فعل على خطف حماس لجلعاد شاليط، أحد جنودها. تعرضت المحطة آنذاك لأضرار بالغة ما أدى إلى انخفاض معدل إنتاج الكهرباء.
اليوم و بعد مرور عشر سنوات لازال الوضع على ما عليه. يحتاج القطاع إلى 500 ميغاواط، بينما لا تزيد نسبة إنتاج القطاع على 220 ميغاواطا. في الشتاء وبسبب استعمال أجهزة التدفئة الكهربائية يزيد معدل الاستهلاك الطبيعي لكل بيت. أدى كل هذا إلى انقطاع مستمر في إمدادات الكهرباء. "يستمر انقطاع الكهرباء في القطاع يوميا 12 ساعة متواصلة، ليعود بعدها التيار الكهربائي فقط لمدة 12 ساعة لكن بصفة متقطعة"، حسب الأكاديمي عنتر وهو مقيم أيضا في قطاع غزة منذ عدة سنوات.
هذه هي إذا الأسباب الرئيسية التي دفعت أكثر من عشرة آلاف شخص للخروج احتجاجا على أزمة الكهرباء. خرجت هذه الاحتجاجات "بشكل طبيعي وعفوي" حسب إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية التابعة لحماس. يؤكد المحلل السياسي أسامة عنتر هو الآخرهذا، لكنه يرى أن موقع فيسبوك ساهم في تنظيمها، إذ كانت هناك دعوات للاحتجاجات في شمال المنطقة قبل خمس أيام من اندلاعها. " الجديد هو أن أعداد المحتجين كانت أكبر من المتوقع، إنها ليست مجرد إدانة للوضع الكارثي بقدر ما هي أيضا رسالة موجهة للسلطات الحاكمة مفادها "إن لم تكوني قادرة على القيام بواجباتك كحكومة يجب أن تتخلي"، يقول عنتر محذرا في الآن ذاته من أن الوضع في القطاع أصبح بمثابة "بركان ثائر يسير نحو الانفجار في أي لحظة، الاحتجاجات هي أحد المؤشرات عن ذلك وحماس تدرك أن الخطر قادم وهي ترغب في تسييره في اتجاه الحكومة في رام الله".
حل الأزمة بيد حماس، لكنه حل قد يكلفها الكثير
تبادلت كل من الحكومة في رام الله وغزة الاتهامات بعد تفاقم أزمة الكهرباء. إذ قالت الحكومة الفلسطينية في بيان "إن إصرار حركة حماس على السيطرة على شركة توزيع الكهرباء وسلطة الطاقة والموارد الطبيعية في القطاع حال دون تهيئة المناخ لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية لزيادة كميات الطاقة لقطاع غزة". من جهته انتقد القيادي الفتحاوي محمد دحلان في تغريده له الوضع في غزة معتبرا إياه "غير أخلاقي".
أما حماس فردت باتهام الحكومة في رام الله بـ"الكذب والتضليل". عن ذلك يعلق عنتر :" إنه تراشق إعلامي، يدفعه ثمنه في النهاية المواطن العادي. الأمر المحزن هو أن كلا الطرفين يرغبان في استغلال ضغط الشارع لتجييشه ضد الآخر". على تويتر علق مغردون هم أيضا عن ذلك:
إذا من خلال الشعارات المرفوعة في الاحتجاجات و ردود الأفعال على شبكات التواصل الاجتماعي يتبين أن سكان غزة غير مكترثين بتبادل الاتهامات، ولا بمن سيحل الأزمة ولا بمن يحكمهم، بقدر ما يهمهم حل الأزمة التي تؤرقهم منذ سنوات. بيد أن ملف أزمة الكهرباء لا يمكن حله حسب عنتر إلا عبر التوافق بين حماس من جهة و إسرائيل من جهة أخرى، أو بين السلطة وإسرائيل. لذا فإن "أذكى حل لحماس سيكون عبر تسليم الملف إلى السلطة في رام الله، لكن في المقابل إذا نجحت هذه الأخيرة في حله في غضون ستة أشهر، فسيكون ذلك بمثابة ضربة إلى حماس، إذ سيطالب العديد بتسليم قطاع الخدمات إلى السلطة في رام الله"، حسب المحلل السياسي عنتر. في المقابل، وفي ظل الضغط الشعبي المتزايد عليها ستخسر حماس رصيدها أكثر فأكثر وسيستمر الغليان، سواء في الشارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي.
سميح العامري