بروتينات مسببة لجنون البقر وغيرها من الأمراض
٢٩ سبتمبر ٢٠١٣عدوى الأمراض لا تسببها الفيروسات والبكتريا فقط وإنما تنطلق أحيانا من بروتينات، فتشكل خطرا على الناس، رغم أنها لا تشكل إلا جزيئات هامدة ليس بها معلومات جينية خاصة بها.
كل إنسان يحمل في حد ذاته تلك البروتينات المسببة لمرض "جنون البقر" لدى الماشية أو لمرض "كروتزفيلد جاكوب" لدى الإنسان. وهذه البروتينات غير مؤذية في الحقيقة، لكن بإمكانها تغيير شكلها بحيث تصبح مسببة للمرض أعلاه من خلال تراكمها ككتل في الخلايا العصبية.
والخطر الداهم هو أن تلك البروتينات التي تغير شكلها، والمسماة "بريونات" تنتقل من خلية لأخرى، فتدفع ببروتينات أخرى من نفس نوعها إلى قبول الشكل المتحول الذي يسبب المرض، وبذلك تنتشر هذه البريونات، متسببة في إحداث تلف في خلايا المخ، مما يؤدي إلى وفاتها.
مسبب المرض كامن في ذات الإنسان
وقد عثر العلماء على البريونات لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي في إطار أبحاث مرض "الشكل الإسفنجي لاعتلال المخ لدى البقر" المعروف عامة بـ "جنون البقر". حيث افترض لأول مرة ستانلي بروزنير، الحائز على جائزة نوبل لاحقا- أن سبب المرض يعود إلى بروتين.
و في وقت لاحق أكد العالم السويسري تشارلز فايسمان، الذي يعمل في معهد سكريبس للأبحاث في ولاية فلوريدا أن هذه الفرضية صحيحة بشكل تطبيقي. "لقدمنا دليلا على أنه بروتين موجود عادة في مخ الإنسان"، كما صرح في مقابلة مع DW، وأضاف "إن مسبب المرض من إنتاج الجسم نفسه، وكان ذلك شيئا جديدا تماما."
من هنا فإن إمكانية الإصابة بمرض "كروتزفيلد جاكوب" موجودة لدى كل إنسان، غير أن تحول البروتينات بشكل عفوي إلى الشكل المسبب للمرض هي حالة لا تحدث إلا نادرا. و عموما فلابد من وجود مسبب "قادم من خارج الجسم لكي ينشط هذه العدوى". و من هنا يأتي المسبب من لحم أبقار كانت مصابة بجنون البقر. واكتشف أدريانو أغوزي من جامعة زيورخ أن البروتينات المتحولة في اللحم المصاب تصل إلى الجهاز العصبي للإنسان عن طريق الأمعاء والجهاز الليمفاوي.
وحسب شكل البروتين فإن أعراض المرض تظهر إما في صورة إكتئاب أو خرف أو فقدان للسيطرة على الجسم.
الحصول على جائزة من برلين
ومن أجل ذلك تم تتويج كل من تشارلز فايسمان وأدريانو أغوزي يوم الثلاثاء (24/09/2013) بجائزة هارتفيغ بيبنبروك - دي زد إن إي (DZNE). وتبلغ قيمة هذه الجائزة أكثر من مائة ألف يورو وتمنح كل عامين من قبل المركز الألماني لأمراض الأعصاب.
وقرأ يوهانس ديشغانز رئيس لجنة الاختيار قرار منحهما الجائزة، حيث جاء فيه: "من خلال بحثهما لـ"البريونات" قاما بفك شفرة آليات لم تكن معروفة من قبل، وتلعب دورا حاسما في عدد كبير من هذه الأمراض"
وترعى هذه الجائزة مؤسسة مجموعة بيبنبروك للخدمات، التي أسسها هارتفيغ بيبنبروك، الذي توفي في يوليو/ تموز هذا العام بعد صراع مع مرض الخرف.
البريونات أشد مقاومة من الفيروسات والبكتيريا
وضع البريونات في منتهى القوة. فهي تبقى عالقة بالأدوات الجراحية والمواد الطبية الأخرى مسببة العدوى حتى عندما يقوم الأطباء بمسح سطح تلك الأدوات بالمطهر شديد الأثر، الفورمالديهايد،.
ويقول فايسمان: "هناك حوالي 100 حالة انتقلت فيها عدوى البريونات للمرضى بعد تدخلات طبية، لأن الأطباء لم يعرفوا آنذاك ما هو المسبب وكيف يمكن تعطيل انتقاله."
وذكر فايسمان حالة أحد المرضى الذي كان يعاني من بريونات مرض "كروتزفيلد جاكوب" حيث قام الأطباء باستخدام قطب كهربائي في مخه. بعد إخراج القطب تم تطهيره بمادة الفورمالديهايد، وعندما استخدم القطب في عملية لمريضة أخرى، أصيبت هذه بمرض "كروتزفيلد جاكوب" في وقت لاحق وتوفيت.
وأكد تشارلز فايسمان في إطار بحثه، أن التطهير بالفورمالديهايد وحده ليس كافيا للقضاء على مسبب المرض. "فمن الصعب جدا إبطال نشاط مسبب المرض، حيث يجب وضعه لمدة 20 دقيقة، في حرارة 130 درجة مئوية لكي تحدث عملية التعقيم فعلا. ولاحظ قائلا: " التخلص من الفيروسات والبكتيريا هو عملية أسهل من ذلك بكثير".
داء ينتظر الدواء
ويعترف تشارلز فايسمان بضرورة العمل والبحث عن دواء لهذا المرض القاتل ويقول: "ما يجب القيام به هو اكتشاف دواء يمكن من خلاله وقف تطور المرض فحاليا يكون دائما الموت هو نهاية المصابين به، والأطباء عاجزون".
منذ عام 2000، انخفض عدد المصابين بهذا المرض في الاتحاد الأوروبي باستمرار. ويعود السبب في هذا التراجع إلى أن العلماء يعرفون الآن الكثيرعن مسبب المرض بشكل أكبر مقارنة بمعرفتهم قبل عقدين من الزمن. وفي ذلك ساعد الباحثان تشارلز وايسمان وأدريانو أغوزي بشكل أساسي.