بعد إغلاق طريق البلقان.. ليبيا تعود إلى الواجهة مجدداً
٧ أبريل ٢٠١٦رغم أن مأساة اللاجئين تبدأ حلقاتها في الدول الأصلية التي قدم منها هؤلاء اللاجئون، إلا أن الأوروبيين أصابهم أيضا الفجع مع انتشار صور السفن، التي تفتقر لأدنى شروط السلامة، وعلى متنها عشرات وأحيانا المئات من النساء والرجال والأطفال، الذين ركبوا البحر بين تركيا واليونان دون أن يعرفوا إذا ما كانوا سيصلون إلى اليابسة أو أن البحر سيبتلعهم ويبتلع أطفالهم.
وفي حقيقة الأمر هذه المشاهد لم تكن جديدة على البحر المتوسط، فعلى الساحل الليبي لم يكن المشهد أفضل بكثير، بدليل الحادثة المفجعة التي وقعت في ليل السبت/ الأحد (18/ 19 أبريل/ نيسان 2015)، حين غرقت سفينة محملة بنحو 728 لاجئا لم ينجو منهم سوى 28 فقط.
والآن بعد أن أغلقت دول البلقان حدودها تماما، وتمّ إبرام الاتفاقية المثيرة للجدل بين دول الإتحاد الأوروبي وتركيا والتي تسمح بإعادة اللاجئين من اليونان إلى تركيا، غيّرت شبكات التهريب أنشطتها إلى الساحل الليبي، حيث تعيش ليبيا انفلاتا أمنيا غير مسبوق.
ولم يعد أمام اللاجئين خصوصا من سوريا والعراق، ممن لا يزالون يحلمون بأوروبا، خيار آخر سوى ليبيا. وستكون التكلفة بطبيعة الحال أكثر ارتفاعا مما كانوا سيدفعونه عبر تركيا، سواء تعلق الأمر بالناحية المالية أو الحالة النفسية أو حتى بالأرواح.
موازاة لذلك، أظهر القادة الأوروبيون تخوفات من أن تتحول منطقة شمال إفريقيا إلى بديل لما يعرف بـ"طريق البلقان"، وهو ما جعل وزير الداخلية الألماني توماس ديميزيير يتحدث الأحد الماضي، عن ضرورة "التوصل مع دول الشمال الإفريقي إلى برنامج إنساني لقبول اللاجئين"،الذين يتم إعادتهم من إيطاليا.
ومن جهتها حذرت المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين، التابعة للأمم المتحدة، لجنوب أوروبا كارلوتا سامي من "خطر انفجار الوضع على الطريق بين ليبيا وإيطاليا." وتقدر المنظمة الدولية أن نحو 16 ألف شخص قد أقدموا على عبور البحر المتوسط من سواحل شمال إفريقيا باتجاه أوروبا خلال الأشهر الثلاثة الأولى هذا العام. ويمثل هذا العدد زيادة قدرها 60 بالمائة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.
الاتفاقية مع تركيا كنموذج؟
ونظرا لهذا التحدي القديم الجديد، يقترح وزير الداخلية الألمانية ديميزيير تطبيق اتفاق مماثل مع دول جنوب المتوسط على غرار الاتفاق مع تركيا. وهذا يعني بالتحديد ترحيل اللاجئين إلى تلك الدول مقابل استقبال نسبة منهم لـ"دواعي إنسانية" في دول الإتحاد الأوروبي. ويرى وزير الداخلية الألمانية أن هذه "الطريقة صحيحة ويجب تطبيقها على طريق المتوسط بين دول شمال إفريقيا وإيطاليا"، لكنه أردف أيضا أن التعقيدات التي تحيط باتفاقية كهذه ستكون "مختلفة" عن تلك التي شهدها الاتفاق مع تركيا.
وعلى موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي أعلن المهربون أن نشاطهم "سيزدهر" مع بداية شهر أبريل/ نيسان الحالي باعتبار أن الأحوال الجوية في تحسن، وذلك حسب ما أدلى به باستيان فيشبورن قبطان سفينة حربية تابعة للجيش الألماني في حوار مع DW. وتابع فيشبورن قوله بأن ما يروجه المهربون "غير صحيح" لأن "القوارب المطاطية والخشبية لا تصلح أصلا لقطع مسافات طويلة بهذا الشكل"، فالأمر يتعلق بمسافة تتراوح بين 450 وحتى 600 كيلومتر، حسب ما أفاد القبطان الألماني.
الراهب موسي زيراي من إريتريا أحد أكبر الشاهدين على ما يتعرض له اللاجؤون من معاناة في طريقهم عبر البحر. فهذا الرجل، الذي يعيش منذ سنوات في سويسرا، تحول منذ صيف 2004 إلى ملاذ أخير بالنسبة للاجئين من إريتريا والصومال وإثيوبيا. كما أن رقم هاتفه معلق على مراكز إيواء اللاجئين في ليبيا وعلى أرضية قوارب الموت.
وأفاد الراهب موسي في حوار له مع DWأنه قبل مدة أتاه اتصال هاتفي من أحد الأشخاص، كان على متن قارب مطاطي قرابة السواحل الإيطالية، وأن القارب، الذي كان يحمل ما لا يقل عن 80 شخصا "واجه رياحا شديدة وجميع الأشخاص الذين كانوا على متنه لا يعرفون السباحة". فقام الراهب بنفسه بإخبار السلطات الإيطالية. وفي العادة تحتاج السلطات "إلى ثماني ساعات حتى تتمكن من الوصول إلى موقع المأساة، وحينها يكون بعضهم قد قضى"، يقول الراهب موسى.
وأفادت صحيفة "فيلت أم زونتاغ" الألمانية، استنادا إلى مصادر استخباراتية مختلفة، أن نحو 150 إلى 200 ألف شخص، عدد كبير منهم سوريون، ينتظرون في المدن الساحلية حول العاصمة الليبية طرابلس تحسن الجو للهروب إلى أوروبا. فيما حذرت فيدريكا موغيريني مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي من أن "نحو 450 ألف شخص يريدون الوصول إلى أوروبا عبر المتوسط بسبب تدهور الأوضاع في ليبيا"
ويقول قبطان البحرية باستيان فيشبورن إن عدد السوريين، الذين وصلوا عن طريق ليبيا لا يتجاوز ستة أشخاص، معتمدا في كلامه هذا على تصريحات وزارة الداخلية الإيطالية. لكنه شدد أيضا على أنه "مهما أقيمت الحواجز، فإن الناس سيفكرون في طرق أخرى بديلة."
أما الراهب موسي زيراي فيرى أنه لا يوجد سوى حل مستدام يتمثل في أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتطوير آليات للهجرة الشرعية، وإنشاء مشاريع إنسانية ومنح حق الإقامة وحق لم الشمل. وهذه الإجراءات ستعمل على خفض أعداد اللاجئين إلى أوروبا، حسب الراهب زيراي.