بعد بيان اجتماع القاهرة: هل تعقب النوايا أفعال في ليبيا؟
١٦ مارس ٢٠٢٤بعد سنوات من النزاع والحرب، يبدو أن ليبيا تسعى نحو صحوة سياسية جديدة. وهذا ما اقترحه اجتماع كبار الساسة الليبيين في القاهرة، والذي انبثق عنه بيان نهائي مشترك. الهدف ليس فقط تشكيل حكومة وحدة وطنية، حسبما ذكرت صحيفة "ليبيان أوبزرفر". بل أيضاً إجراء انتخابات في جميع أنحاء البلاد. ودعا الساسة المجتمع الدولي وبعثة الدعم التابعة للأمم المتحدة في ليبيا إلى دعم خططهم.
حضر الاجتماع الذي استضافته الجامعة العربية في العاصمة المصرية، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد يونس المنفي، بصفته السلطة السياسية العليا في البلاد أيضاً. ومن بين المشاركين أيضاً، رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في بنغازي، والذي يُعد القطب المعاكس للحكومة المُعترف بها دولياً في طرابلس.
وبعد نشر البيان النهائي نهاية الأسبوع، انتشر التفاؤل على نطاق واسع: وتحدث المنفي عن "بداية مهمة للغاية". كما أشادت وزارة الخارجية المصرية بـ "الرغبة المشتركة" في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالبلاد.
تهديد للسياسيين؟
غير أن التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن لا يعد سوى "تعبير خالص عن الإرادة". في ضوء المحاولات السابقة، تشكك سلام سعيد، رئيسة مكتب ليبيا بمؤسسة "فريدريش إيبرت" بالبلد المجاور، تونس، في فرص النجاح. وأضافت لـDW أن "حكومة الوحدة التي تشكلت عام 2021 لم تتمكن أيضاً من تنظيم الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها فعلياً نهاية ذلك العام. ولا أرى حالياً أي اختلاف جوهري في الوضع عن ذلك الوقت". كما أكدت أن ممثلي الدولة والبرلمانين مهتمون بتشكيل حكومة وحدة من الناحية النظرية، لكن ليس لديهم مصلحة عملية في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لأن ذلك سيعرض مناصبهم للخطر.
عامل مؤثر آخر ذكرته سعيد، وهو عدم مشاركة عبد الحميد دبيبة، رئيس الوزراء الحالي، في الاجتماع ولا الجنرال خليفة حفتر، الرجل القوي من شرق البلاد المدعوم من روسيا. وبحسب سعيد، فإن هذين السياسيين على وجه الخصوص "ليس لديهما مصلحة في تشكيل حكومة جديدة من شأنها أن تجعلهما يخسران سلطهما ومناصبهما. وفي هذا الصدد، يبدو لي أنه من المشكوك فيه ما إذا كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه الآن سيكون ملزماً لجميع الأطراف الفاعلة في ليبيا".
ضغط كبير على المسؤولين
من ناحية أخرى، ترى سعيد أن المسؤولين عن ذلك يتعرضون لضغوط كبيرة. "الضغط يأتي في المقام الأول من المواطنين. الناس يشعرون بخيبة أمل عميقة بعد أن تبددت آمالهم في إجراء انتخابات وحكومة وحدة." وقالت إن النشوة السابقة تحولت إلى "إحباط عميق"، مضيفة أن "هناك انطباعا بين المواطنين بأن النخبة السياسية تخوض صراعاً مستمراً على السلطة وتتجاهل بشكل تام مصالح الموطنين".
وتشاطرها الرأي في ذلك الخبيرة في الشؤون الليبية في المعهد الألماني للدراسات الدولية والإقليمية (GIGA)، هاجر علي. وبالإضافة إلى خيبة أمل المواطنين، وخاصة بعد كارثة الفيضانات التي وقعت العام الماضي، فإن الوضع الأمني للبلاد يضع السياسيين تحت الضغط أيضاً. وذلك بعد أن " انخرط جنوب ليبيا على وجه الخصوص بشكل متزايد في الحرب في السودان المجاور. وفي الجنوب، تقوم ميليشيات الجنرال حفتر بنقل الأسلحة والمعدات إلى الدولة التي تشهد حرباً أهلية. وقد نشأت هناك أكبر أزمة نزوح في العالم مع ما يصل إلى عشرة ملايين نازح"، وفق تصريح علي لـDW.
وتتفاقم هذه الأزمة بشكل أكبر بسبب الانقلابات في النيجر ومالي وبوركينا فاسو. وبما أنه لم يعد هناك تعاون وثيق مع الاتحاد الأوروبي في أعقاب الانقلاب الأخير في النيجر، أضحت إدارة شؤون اللاجئين في المنطقة بأكملها أكثر صعوبة: "هناك أيضاً ضغوط كبيرة من الغرب على الجهات الفاعلة في ليبيا للتوصل إلى حل أكثر قابلية للدعم من الناحية السياسية".
مصالح دولية
وترى الخبيرة هاجر علي أن عدم الاستقرار مربح سياسيا لبعض الأطراف الليبية، لكنه لا يمكن أن يشكل وضعاً مستداماً. ولهذا السبب دفعت الأمم المتحدة على وجه الخصوص إلى إجراء الانتخابات باعتبارها العامل المهم من أجل وحدة البلاد. وفي هذا الصدد، يتزايد الضغط على السياسيين الليبيين أيضاً، لكن مصالح روسيا تتعارض مع ذلك، كما تقول علي. "بالنسبة لموسكو، تلعب ليبيا دورا مهما في التهرب من العقوبات التي فرضها الغرب بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا". وتخشى الخبيرة في الشأن الليبي من أن تنتقل تجارة الأسلحة في ليبيا باستمرارإلى مناطق مضطربة أخرى.
خلاف حول قانون الانتخابات
غير أن العوامل السياسية الداخلية للبلاد تعد الأكثر صعوبة، بحسب علي. وأضافت أن "العملية قد تفشل بسبب قضايا عملية للغاية مثل التشريع الانتخابي". حتى الآن، لم تتمكن الجهات السياسية الفاعلة من الاتفاق على القانون الانتخابي، حيث أولى جميع المعنيين اهتماماً خاصاً بالعواقب التي يمكن أن يخلفها وضع القانون الانتخابي وتخطيط الدوائر الانتخابية. "هذا عامل مهم للغاية في الوقت الحالي، بغض النظر عن الوضع الجيوسياسي." وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل من غير المرجح تحقيق تقدم سريع في ليبيا في الوقت الحالي، على الرغم من البيان المشترك المنبثق من اجتماع القاهرة.
أعدته للعربية: إيمان ملوك