بعد سنوات على آخر وباء.. كيف تواجه الدول العربية "كورونا"؟
٢٨ يناير ٢٠٢٠لا يبدو اسم "كورونا" غريباً على مسامع العالم العربي، إذ انتشر فيروس كورونا المتسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية عام 2012 في عدة دول عربية متسبباً بالمئات من المصابين وعشرات القتلى، أغلبها في السعودية. وهو ما جعل كورونا الصيني الجديد، ضيفاً يثير الرعب لدى مساحة كبيرة من المواطنين ووسائل الإعلام في العالم العربي، فقد حصل هذا الجيل الجديد من الفيروس على اهتمام المواطنين، بين الساخر من بعض الاجراءات الاحترازية في الدول العربية، وبين محاولات السلطات للحد من انتشاره.
هذا النقاش يطرح تساؤلاً حول إمكانية الدول العربية في مواجهة أية عدوى محتملة، أو إمكانية تقديم العلاج للمصابين، خاصة أن الحديث عن إمكانية "عولمة الفيروس" ممكنناً بسبب العلاقات السياسية والاقتصادية لدى الصين وباقي الدول.
بين الغنى والفقر
تتفاوت طبيعة الدول العربية من حيث المؤشرات الصحية، والرعاية الطبية ومعدلات الوفيات، ويعود هذا غالباً لوضع الدولة الاقتصادي. فبينما تتمتع دول الخليج العربية، والدول النفطية بمؤشرات متوسطة، فإن الدول العربية الفقيرة مثل اليمن والصومال تعاني من مؤشرات صحية سيئة، وهذا يجعل التعامل مع فيروس كورونا متفاوتاً ومختلفاً بين القطبين.
إذ على سبيل المثال، يعتبر القطاع الصحي أحد أولويات السعودية، مع نموٍ يقدر بـ 8%، وتوقعات بارتفاع متوسط العمر المتوقع خلال العقود القادمة، فيما يعاني القطاع الصحي في اليمن من تهديدات بالانهيار، وانخفاض الخدمات العامة التي تقدمها المستشفيات بـ 30%.
وتعاني مصر، والتي يمكن القول إنها تتمتع بنظام صحي متوسط الأداء من بين الدول العربية، من قلة الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، إذ أنفقت ما يقدر بـ 1.2% فقط من إجمالي الناتج المحلي، مما أدى إلى تراجع كبير في مقومات البنية التحتية لتقديم الخدمات الصحية. ويرى أمين عام نقابة الأطباء في مصر إيهاب الطاهر، وخلال حديث له مع DW عربية، أن إجراءات مكافحة العدوى تحسنت في السنوات الأخيرة في المستشفيات الحكومية المصرية، "ولكن لا يمكن القول إنها وصلت لدرجة مثلى، فالعديد من المستلزمات المطلوبة لمواجهة الفيروس غير متوفرة".
هذه الأرقام تظهر أن التعامل مع أي عدوى فيروسية في العالم العربي ستختلف بين دولة وأخرى، إذ يعتقد الطاهر أن التعامل مع حالات قليلة ممكناً، ولكن في حال انتشاره بشكل وبائي، فسيكون من الصعب تقديم العلاج، أو ضبط انتشار الفيروس.
من ناحية أخرى، يرى الخبير أن التأكد من توفر المستلزمات الطبية المطلوبة في المستشفيات الحكومية والخاصة يقع على عاتق وزارة الصحة، إذ تعمد بعض المشافي الخاصة إلى تجاوز هذه المتطلبات من أجل توفير الأموال.
هذه الإشكالية المتعلقة بتوفير المستلزمات الطبية لا تبدو عقبة أمام السعودية، والتي تتمتع بالمرتبة الأولى من حيث الإنفاق على القطاع الصحي بمبلغ يتجاوز الـ 36 مليار يورو، وفي هذا يؤكد الاستشاري السعودي للأمراض المعدية مجدي الطوخي لـ DW عربية، مؤلف أول كتاب باللغة العربية عن كورونا، أن للسعودية القدرة على تحمل الضغط في حالة الكشف عن حالات مرضية، إذ تتمتع المستشفيات بقدرة استعابية كبيرة، مضيفاً: "المملكة دولة متطورة في الرعاية الصحية".
فيروس بطبيعة جديدة، وإجراءات احترازية غير فعّالة
بينما يلعب كل من المستوى الاقتصادي والإنفاق الحكومي على القطاع الصحي دوراً في الأداء الصحي للحكومات العربية للتعامل مع الفيروس، فإن الخبرة المرتبطة بالفيروسات التاجية "كورونا" تشكل عاملاً آخراً.
فالسعودية، والتي فقدت 520 مواطناً ما بين العامين 2012-2015 بسبب فيروس كورونا الشرق الأوسط، استطاعت أن تطور من إجراءاتها الاحترازية بناء على تجربتها، إذ لدى الرياض خطة طوارئ ومركز مختص لمراقبة الوضع الصحي، ومختبرات ذات جودة، حسبما يروي الطوخي، مضيفاً أن وزارة الصحة السعودية اكتسبت خبرة من تجربتها السابقة.
وقد تشابهت الإجراءات الاحترازية بين الدول العربية، بناء على ما نشرته الصحف الخاصة بكل دولة، إذ تركزت بالأساس على مراقبة المطارات ومعاينة العلامات الحيوية للقادمين من الصين، وذلك لمنع أي حالة حاملة للمرض من نقل العدوى، إلا أن طبيعة الفيروس الجديد، والذي يسمح له بالانتقال بين الأشخاص في فترة الحضانة، أي قبل ظهور الأعراض، تجعل من هذه الخطوة غير كافية.
إذ أن الإجراء الأولي للكشف عن المرض يكمن في قياس درجة حرارة المسافرين، بيد أن هذا العرض لا يظهر فترة الحضانة الممتدة ما بين يومين إلى 12 يوماً، مما يعني أن حامل الفيروس قد ينتقل من مكان لآخر، وينشر المرض دون القدرة على حصره، وذلك حسبما صرح الطوخي لنا.
وعليه فإن هذا الإجراء قد يكون فعّالاً فقط إن ظهرت العلامات الحيوية للمرض، كما يؤكد الطاهر، معقباً أن الكشف عن هذا الفيروس يحتاج إلى تحاليل مخبرية، ولا يمكن الاكتفاء بأجهزة القياس الحراري.
هذه الطبيعة الجديدة للفيروس تجعل منه تحدياً، وعليه فإن الخطوة التالية تعتمد على إمكانية حصره وضبطه ومنع انتشاره، إن ثبت وجود أي حالة مرضية، وفي هذه الحالة فإن طبيعة النظم الصحية في الدول العربية ستتحكم بنجاح هذه الإجراءات من عدمها، كما يؤكد المركز الوطني الأمريكي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية.
بيد أن الخبيرين يتفقان حول أثر سرعة انتشار المرض، مؤكدين أن هذا قد يسبب مشكلة لأي دولة كانت، فالتعامل مع المرض بشكل وبائي يختلف تماماً عن التعامل مع حالات مرضية منفردة، وعلى الأفراد الالتزام بالإجراءات الوقائية.
ولكن هل ستتمكن الدول العربية من بناء مشفى في حالات الطوارئ بالسرعة التي تمكنت فيها الصين من ذلك؟
مرام سالم