بعد طي صفحة القذافي، من يتحكم في دفة البترول الليبي؟
٢٨ أغسطس ٢٠١١ما إن بدأت أركان نظام العقيد الليبي معمر القذافي تتهاوى بعد أكثر من 40 عاما من الحكم، حتى بدأ الحديث عن تحديات كبيرة تواجه الدولة الليبية الجديدة، لعل أهمها هاجس تسيير الثروة النفطية. ويرى خبراء في النفط العربي أن الذهب الأسود، وبمعزل عن الخلافات السياسية، سيكون الأولوية الأولى لدى الثوار الليبيين، وذلك عبر إعادة إطلاق الصناعة النفطية المتوقفة ومكافأة حلفائهم الغربيين عبر توزيع العقود على شركات بلدانهم كما وعد بذلك رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل.
ويمثل إنتاج النفط الذي تدهور إلى ما دون الـ4% من مستواه قبل النزاع، في الأوقات العادية 95% من عائدات الصادرات الليبية، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد ذكرت أنه "قبل اندلاع الثورة في شباط/فبراير، كانت ليبيا تصدّر 1.3 مليون برميلاً من النفط يوميا"، مشيرة إلى أن استئناف إنتاج ليبيا للنفط من شأنه أن يساعد على خفض أسعار النفط في أوروبا، وكذلك أسعار البنزين على الساحل الشرقي للولايات المتحدة بشكل غير مباشر.
الأسبقية لدول حلف "الناتو"
قبل أيام قليلة قال رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل إن الأسبقية في عقود النفط المستقبلية ستكون من نصيب الدول التي ساعدت الثوار في تحرير ليبيا من قبضة القذافي. ويرى رياض الأمير خبير النفط لدى منظمة الأمم المتحدة بفيينا في حديث لدويتشه فيله، "أن السبق سيكون للدول المشكلة لحلف الناتو، وبالتالي فالشركات المنتمية إلى تلك الدول ستكون لها الأفضلية للاستثمار مستقبلا في النفط الليبي". ومن المعلوم أن المجموعات السياسية التي قادت الثورة على نظام العقيد معمر القذافي لها علاقات جيدة مع الغرب يضيف رياض الأمير، وهي علاقات ستضمن لليبيا المساعدة التقنية والفنية مستقبلا.
وتأتي إعادة تأهيل صناعة النفط على رأس أولويات المجلس الانتقالي لكونه يشكل عصب الحياة الليبية. ومع عودة قطاع النفط للعمل مرة أخرى، فإن هناك بعض اللاعبين الجدد الذين قد يظهرون على الساحة، إلى جانب اللاعبين الكبار "إيني" الايطالية و"ريبسول" الاسبانية، و"توتال" الفرنسية، ولعل أبرز هؤلاء اللاعبين "بي بي" البريطانية، التي ستحاول الفوز بأكبر عدد من تعاقدات التنقيب عن النفط في ليبيا، فيما ستظهر شركات أخرى مثل "أو إم في" النمساوية، و"مارثوان" الأمريكية.
وكانت بعض التقارير قد تحدثت عن عزم المجلس الانتقالي الليبي منح فرنسا، رأس الحربة في الضربات الدولية في ليبيا، حوالي 35% من العقود النفطية الجديدة كمكافأة على التدخل العسكري الفرنسي الباهظ الكلفة. وتعليقا على هذا الأمر اعتبر البروفسور ليونيد سوكيانيد، خبير النفط الروسي، "أن القضية سيادية، وأن السلطة الجديدة لن تنطلق من المصالح المرحلية، بل ستأخذ بعين الاعتبار المصالح الإستراتيجية والتاريخية، وخاصة أن ايطاليا كانت على الدوام أكثر الدول تعاونا مع ليبيا".
روسيا والصين خارج حسابات ليبيا
تعتبر حظوظ روسيا في المحافظة على دورها في الاقتصاد الليبي ضئيلة جدا، حيث يرى المراقبون أن مشاكل كبيرة سوف تواجه شركتي "تات نفط" و"غازبروم"، وغيرهما من الشركات الروسية التي عملت سابقا في ليبيا، بعد استلام القيادة الجديدة مقاليد الأمور في البلاد. ويعتبر رياض الأمير، الخبير العراقي في شؤون النفط لدى هيأة الأمم المتحدة بفيينا، "أن روسيا والصين سوف تبعدان عن المشاريع الاستثمارية في ليبيا سواء في قطاع البترول أو في إعادة إعمار البلاد".
ومن المعلوم أن لدى القيادة الجديدة مشاكل سياسية وتحفظات مختلفة ليس فقط مع روسيا بل ومع الصين والبرازيل أيضا. وهذه المشاكل تتعلق بشكل أساسي بامتناع الدول المذكورة عن التصويت على قرارا مجلس الأمن رقم 1973 الخاص بليبيا.
لكن في المقابل يرى البروفسور ليونيد سوكيانيد أن "روسيا لم تكن متحفظة من الثورة الليبية، ولكنها كانت تود التأكد من مدى جديتها، وعلى حد قول الرئيس الروسي فإذا تم التأكد أن السلطة الجديدة قادرة على السيطرة على الأوضاع بالبلاد والحفاظ على وحدتها واستغلال ثرواتها، فان روسيا ستتعاون معها".
متى يستعيد قطاع النفط الليبي عافيته؟
تعتمد ليبيا بشكل كبير على الخبرات الأجنبية في قطاع النفط، كما أن اليد العاملة التي تشكل عصب الصناعة النفطية الليبية جلها مستوردة. ومع بداية الصراع بين الثوار وكتائب القذافي اضطر العديد من هؤلاء العمال الى الفرار بجلودهم، و قد يترددون كثيراً قبل العودة إلى ليبيا بسبب استمرار أعمال العنف والاختطاف التي قد تطالهم. وبالنسبة للبروفسور ليونيد سوكيانيد فان الصورة غير واضحة في المرحلة الحالية، وكل الاحتمالات هي سابقة لأوانها، وبالتالي يجب ترقب التطورات السياسية فيما يأتي من الأيام، حتى تتضح مواقف السلطة الجديدة من كل الاتفاقيات المبرمة مع مختلف الدول والموروثة من حقبة القذافي.
وفي المقابل هناك آراء متفائلة بخصوص مستقبل الصناعة البترولية الليبية، حيث أكدت شركة "إيني" الإيطالية التي تعد أكبر منتج للنفط في ليبيا، أنها تتوقع ارتفاع حجم الإنتاج إلى 750 ألف برميل يومياً، في وقت مبكر من العام المقبل.
عبد المولى بوخريص
مراجعة: يوسف بوفيجلين