بعد مقتل فلويد..هل هناك "فضائح مشابهة" لدى الشرطة الألمانية؟
٦ يونيو ٢٠٢٠أظهر تحقيق استقصائي لبرنامج "ويست بول" التابع للقناة الألمانية الأولى تطورات جديدة في قضية اللاجئ السوري أحمد، الذي توفي نتيجة حروق تعرض لها داخل زنزانة سجن يوم 17 سبتمبر/ أيلول 2018. ونقل التقرير المنشور يوم (24 مايو/ أيار) أن مكتب الادعاء العام في مدينة براونشفايغ أبلغ شرطة مدينة كليفه بعد ثلاثة أسابيع من الاعتقال، أنهم اعتقلوا الرجل الخطأ. ليس ذلك فحسب، بل أن مكتب الادعاء العام أكد للشرطة، عبر اتصال هاتفي خاص، أن صورة اللاجئ الذي تم اعتقاله، غير متطابقة مع الرجل المطلوب.
ووفقا لتقرير بثته القناة الألمانية الأولى حينها، بدأت قصة اللاجئ السوري في مدينة غيلدرن وتحديدا في السادس من تموز/ يوليو عام 2018. كان يوما صيفيا حارا وهو جالس على ضفاف إحدى البحيرات في المدينة، آنذاك اُتهم بالتحرش بأربعة نساء، ليصطحبه رجال الشرطة إلى المخفر في غيلدرن. عبر بصماته حصل رجال الشرطة على بياناته بعد مقارنتها مع بيانات مطلوبين آخرين. وعثر رجال الشرطة على اسم شاب آخر باسم مشابه لأحمد، بحقه مذكرة توقيف بتهمة السرقة.
هل كان القبض على أحمد أ. مجرد التباس؟
وفقا للتقرير الاستقصائي لبرنامج مونيتور التابع للقناة الألمانية الأولى، فإن الالتباس بين الشخصيتين كان مستبعدا، فالمشتبه به المطلوب هو رجل من مالي ولد في تومبوكتو. بل وحتى إن صورته لا تشبه الشاب المولود في حلب على الإطلاق "بمجرد النظر إليه وإلى الناس القادمين من مالي، من غير الممكن عدم ملاحظة الفرق في المظهر، فضلا عن أنه كان يتحدث بالعربية وهي ليست اللغة المتداولة في مالي" يقول دانييل نيرنز محامي اللاجئ السوري. ورغم ذلك تم سجنه. ليس ذلك فحسب، بل أظهرت بياناته تشابها مع بيانات سوري آخر متهم بجرائم اعتداء جنسي.
بريفان أيمز الناطقة باسم حزب الخضر في برلمان ولاية شمال الراين ويستفاليا أكدت عدم وجود أي مؤشر على الالتباس في الهوية، "هوية السوري المحتجز كانت واضحة تماما، فهو أدلى بتفاصيل بياناته في جلسة الاستماع لدى المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء". ورغم ذلك بقي أحمد مسجونا.
مزيدا من التساؤلات الغامضة!
أمر آخر أثار أسئلة غامضة حول حادث الوفاة. وهي أن الشاب، كان مسجلا بأنه يعاني من صدمات نفسية، وهذا ما تم تأكيده من قبل المسؤولين في السجن "في التحقيق الأولي الذي أجري معه، كشف رغبة شديدة بالانتحار" وفقا للتقرير الاستقصائي. لذا نقل أحمد أ. إلى ما يسمى بـ"السجن الانفرادي". وهنا تكون التجهيزات بسيطة جدا ويتم مراقبته كل 15 دقيقة. في البداية تمت مراقبته بشكل مكثف. لكن الطبيبة النفسية التابعة للسجن، أكدت فيما بعد "عدم وجود مؤشر على رغبته بالانتحار". ليتم نقله إلى سجن مشترك بدون رعاية نفسية ولا محام، ما أثار دهشة محاميه "كان من الواضح أن لديه مشاكل نفسية وكان يتلقى علاجا نفسيا بسبب ما عاشه في بلده وفي رحلة اللجوء"، وهو ما كان معروفا لدى إدارة السجن.
بحسب الراوية الرسمية لسلطات ولاية شمال الراين ويستفاليا، فإن المحتجز أشعل النار في كومة من الأغطية في 17 أيلول/ سبتمبر 2018، مما تسبب بحرق 40 في المئة من جلده وقضى على أثر ذلك في المشفى بعد الحادثة بأسبوعين. ولم يضغط اللاجئ السوري على جرس الإنذار إلا بعد ربع ساعة من إشعال الحريق ومن ثم قام بعد ذلك بفتح النافذة.
تشكيك في رواية النيابة الألمانية...
لكن خبيرا في الحرائق شكك في رواية الشرطة والنيابة الألمانية لواقعة وفاة الشاب في زنزانته. وقال كوربينيان باسيداج لبرنامج "مونيتور إن رواية الشرطة عن الحادثة "غير ممكنة الحدوث". وحسب الخبير فإن استنشاق الغاز السام الناتج عن الحريق لمدة 15 دقيقة يحول دون قدرة الشخص على الإتيان بأي فعل كفتح النافذة أو الضغط على جرس الإنذار.
ووفقا للتقرير الاستقصائي الذي نُشر على موقع القناة الألمانية الأولى، فإن هناك معلومات من بعض السجناء تفيد بأنهم سمعوا اللاجئ يستغيث طالباً النجدة. مما أثار علامات استفهام حول تأخر موظفي السجن في إنقاذه.
من جانبها أفادت وزارة العدل في ولاية شمال الراين-ويستفاليا، في بادئ الأمر أن جرس الإنذار لم يُقرع، غير أن الوزارة عادت لتقول إنه وبمراجعة ملفات الكمبيوتر في السجن تبين أن أحمد قرع الجرس بالفعل وأجابه أحد السجانين. واستمر فتح الخط ثوان معدودة، ولكن من غير المعروف حتى الآن فيما إذا كان قد دار حديث بين الاثنين في تلك الثواني أو فحوى الحديث، حسب وزارة العدل في الولاية الألمانية.
هذه التساؤلات دفعت النيابة العام لفتح تحقيق مع من لهم علاقة بالواقعة، وهم ثمانية رجال شرطة وطبيب السجن، بتهمة جريمة قتل غير متعمد ، بسبب الإهمال. كيف تم ذلك؟
"فضيحة" للشرطة الألمانية؟
الخبير القانوني في حزب الخضر، شتيفان إنغستفيلد، اعتبر آنذاك أن ما جرى فضيحة للشرطة والقضاء: "كلما أمعنا النظر في القضية أكثر نجد الكثير من التناقضات والأسئلة التي تنتظر إجابات".
إغلاق التحقيقات في حادث الوفاة كانت هي الإجابة الأخيرة على الأسئلة والتناقضات التي طرحتها القضية. في (6 نوفمبر/تشرين الثاني) الماضي أعلنت النيابة العامة وقف التحقيق وإغلاق ملف القضية المتعلقة بحبس اللاجئ. وأرجعت النيابة العامة سبب إغلاق التحقيقات إلى "عدم إثبات ارتكاب الموظفين المسؤولين في السجن، أي جرم يعاقب عليه القانون".
ووفقًا لنتائج المحققين ، قام أحمد أ. بإضرام النار في ملابسه ودوافعه غير واضحة. و من غير الممكن تحديد ما إذا كان هناك إهمال من جانب المسؤولين في السجن، فالتأكيد على أن الشاب طلب المساعدة عبر جهاز الاتصال الداخلي لم يتم إثباته!
وكانت تصريحات سابقة للادعاء العام ووزارة العدل في ولاية شمال الراين فيستفاليا، أكدت أن اللاجئ قام بتشغيل جهاز الإنذار الداخلي بعد ربع ساعة من نشوب الحريق، لكن خبراء شككوا في ذلك.
وفيما يتعلق بالتساؤلات حول إهمال موظفي السجن للشاب وتركه بدون مراقبة رغم معرفتهم بأنه مصاب باضطراب نفسي. خلصت نتائج المحققين إلى أنه: لم يكن يعاني من أي اضطراب نفسي لدى وقوع الحريق، وأن موظفي السجن لم يمكن بإمكانهم معرفة أنه قد يعرض نفسه للخطر.
كما أوقف الادعاء العام التحقيق مع عناصر الشرطة الذين ألقوا القبض على اللاجئ بتهمة حجز الحرية. والسبب هو أنهم لم يقوموا بأي تصرف مخالف للقانون. فهم وبحسب النيابة العامة حصلوا على معلومات خاطئة من بنك معلومات الولاية تفيد بأن هناك مذكرة بحث وقبض بحق الشاب السوري. كذلك الموظفة المسؤولة عن تخزين بياناته وبيانات الشاب المالي، لم يتم إثبات قيامها عمدا بخطأ يعاقب عليه القانون. وأكدت الموظفة أنها كانت ملتزمة بالتعليمات، ولكنها لا تتذكر من أعطاها التعليمات المتعلقة بالقضية.
تناقضات القضية دفع بعض متابعيها إلى إطلاق مبادرة عبر فيسبوك تحمل اسم اللاجئ السوري وتطالب بمعرفة كيفية وأسباب وفاته. وكتب أصحاب المبادرة: "لا نصدق أبدا أن التباسا بشخصية أحمد أ. يمكن أن يحصل بهذا الشكل. وإغلاق التحقيقات فضيحة كبيرة وتأكيدا على عدم رغبة في توضيح ملابسات القضية. هناك قائمة طويلة من التناقضات والأكاذيب لا يمكننا تحملها. ينبغي عدم التستر ومحاسبة المسؤولين. نطالب بالعدالة وتوضيح أسباب الوفاة ومن المسؤول عن وفاته".
لم تكن الأولى!
إن كانت التحقيقات في قضية وفاته أُغلقت. لكن ما وصفه شتيفان إنغستفيلد الخبير القانوني في حزب الخضر بـ"فضيحة الشرطة" يعيد ربما إلى الأذهان حادثة وفاة مشابهة تعرض لها اللاجئ أوري جالو عام 2005.
جاء جالو إلى ألمانيا عام 2000 هربا من الحرب في بلاده (سيراليون). ورغم رفض طلب لجوئه بقي جالو في ديساو. في 7 يناير/ كانون الثاني 2005، قُبض عليه بينما كان بطريق عودته للمنزل في أحد شوارع ديساو، واتهم بالسكر وتجارة المخدرات، بعد ساعات تمّ العثور على جالو في زنزانته محترقا وجثته كانت مربوطة على الفراش في الزانزنة. رغم مرور أكثر من 14 عاما على حادثة وفاة جالو، إلا أن المحاكم بقيت منشغلة في الكشف عن سبب وفاته.
وبعد إغلاق ملف التحقيقات في قضية وفاته عام 2017، وبحسب موقع "taz"، فإن تقريرا طبيا جديدا أظهر تعرض جالو إلى التعذيب قبل وفاته. محكمة نامبيرغ قضت بعدم فتح ملف التحقيقات في وفاة جالو ثانية. لكن عائلة اللاجئ السيراليوني طالبت، في أواخر شهر (أكتوبر/تشرين الأول) 2019، المحكمة الإدارية العليا بإعادة فتح التحقيق لمعرفة سبب وفاة ابنهم.
دالين صلاحية - مهاجر نيوز