بعد مقتل هنية وشكر.. الشرق الأوسط على فوهة بركان
٣ أغسطس ٢٠٢٤زادت المخاوف من أن يُؤدي مقتل إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس، لعواقب جيوسياسية خطيرة، وخاصة فيما يتعلق برد فعل إيران المحتمل وما يرتبط به من خطر التصعيد في الشرق الأوسط. وهنية كان شخصية رئيسية في قيادة حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل التزمت الصمت إزاء اتهامات حماس وإيران لها بقتل هنية، ولم تؤكد أو تنفي تلك الاتهامات، لكنها تبنت عملية "تصفية" فؤاد شكر ، القيادي العسكري البارز في حزب الله، الموالي لإيران.
ومن الممكن أن ترد إيران، وهي من المؤيدين المعروفين لحماس، بعدة طرق لتأمين نفوذها في المنطقة وتعزيز تحالفاتها. يرى محللون أنّ ردّ إيران وحزب الله مع حلفائهما الإقليميين لن يكون عشوائياً وشاملا، خشية الانزلاق إلى حرب إقليمية حرصوا حتى الآن على تجنّبها.
وبهذا الصدد، كتبت صحيفة "24 تشاسا" البلغارية (الأول من أغسطس / آب 2024) "إذا وقعت إيران في الفخ وبدأت صراعاً تشارك فيه أيضا الولايات المتحدة، فإن هذا (..) سيكون بمثابة انجاز استراتيجي بالنسبة لإسرائيل. لكن هل الإيرانيون أغبياء إلى هذه الدرجة؟ (..) والسؤال الآن هو متى وأين سترد إيران، خاصة وأنها تعرف ما هو هدف هذا الاستفزاز، أي توريط إيران في حرب صريحة كبرى مع الولايات المتحدة. (..) ولكن حتى الآن، لم يقدم الإيرانيون أسبابًا كثيرة للاعتقاد بأنهم أغبياء". ومنذ الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وبدء الرد العسكري الإسرائيلي ضد الحركة في غزة، تصاعد الصراع ومعه مخاطر تورط مزيد من دول المنطقة فيه. فالصراع في الشرق الأوسط متعدد الأبعاد، فخلف حماس في غزة وحزب الله في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن، تقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".
الدور الأمريكي في الميزان
لعبت الولايات المتحدة دورًا مركزيًا في الشرق الأوسط لعقود من الزمن، كحليف استراتيجي لإسرائيل وكلاعب في قضايا الأمن الإقليمي. دور لعبته من خلال مجموعة من المصالح الجيوسياسية، وحماية الحلفاء، وتأمين مصادر الطاقة، ومكافحة الإرهاب. وواشنطن على علم تام بأن الصراع بين إسرائيل وإيران عامل رئيسي في عدم الاستقرار في المنطقة. وبينما تسعى إسرائيل إلى حماية أمنها من تهديدات الجماعات الوكيلة لإيران مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان، ترى إيران أن دعمها لهذه الجماعات هو جزء من استراتيجيتها الإقليمية لتوسيع نفوذها ومحاربة إسرائيل. وأمام الضعف الأوروبي، يرى عدد من المراقبين أن الولايات المتحدة لا تمارس ضغطا كافيا على إسرائيل لدفعها للانخراط في عملية سلام شاملة تُخرج المنطقة من دوامة العنف.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "دي تجد" البلجيكية، (الأول من أغسطس) إن "إسرائيل مستمرة، وهي على حق، في المطالبة بالإفراج عن الرهائن المتبقين منذ السابع من أكتوبر، لكنها لا تبعث بأي إشارة تؤكد أنها تسعى على المدى البعيد، للتوصل لحل قابل للتطبيق بالنسبة للفلسطينيين. ويمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استغلال القضاء على إسماعيل هنية لكسب الدعم اللازم بين الإسرائيليين لتحقيق تقدم للفلسطينيين، إذا كان يريد حقاً أن يفعل ذلك. ومن الممكن أن يساهم الضغط الذي يمارسه الغرب في تحقيق ذلك. ويحاول الجانب الأوروبي أيضًا التحرك في هذا الاتجاه، ولكن في الوقت الحالي لا تبدو دول االتكتل القاري متحدة بما يكفي لإحداث تغيير حقيقي. ويمكن للولايات المتحدة على وجه الخصوص التأثير على إسرائيل نظراً لدعمها العسكري والمالي الهائل. إذا كان بوسع الرئيس الأمريكي جو بايدن إحداث فارق، فيمكنه فعل ذلك الآن بعد انسحابه من السباق الرئاسي".
"من مصلحة نتنياهو استمرار الحرب"
تتواصل جهود واشنطن لوقف إطلاق النار في غزة، حيث طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن مجددا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الثاني من أغسطس) الموافقة على وقف إطلاق النار مع حركة حماس وسط إحباط للبيت الأبيض بسبب استمرار الحرب في غزة. ورغم تعهد بايدن بدعم إسرائيل ضد تهديدات إيران ووكلائها في المنطقة، فقال إنه كان "مباشرا للغاية" مع نتنياهو، وقال بايدن للصحفيين "لدينا الأساس لوقف إطلاق النار (..) يجب عليه (نتنياهو) أن يتحرك بشأن هذا الأمر ويجب عليهم أن يتحركوا بشأن هذا الأمر"، مشيرا إلى أن اغتيال إسماعيل هنية، "لم يساعد" في هذا الصدد. وتابع "لقد وضعنا الأساس لوقف إطلاق النار. يتعين أن يشارك فيه ويتعين أن يشاركوا فيه الآن" طبقا لما ذكرته تقارير.
ولكن هل من مصلحة نتنياهو أن ينهي الحرب في هذا الوقت بالذات، الذي حققت فيه المخابرات الإسرائيلية اختراقا كبيرا؟ موقع "شبيغل أونلاين" الألماني (الثاني من أغسطس) كتب معلقا "إن نهاية الحرب ربما تعني النهاية السياسية لنتنياهو، وستعني عمليا انتخابات جديدة، وإذا ما جرت اليوم، فإنه سيخسرها. وكلما طال أمد الحرب وكلما زادت الإنجازات (العسكرية)، كلما زاد أمله في البقاء في السلطة. ليست لديه شخصياً، مصلحة في إنهاء الحرب. ويمكنه أن يأمل في أن يتولى دونالد ترامب، رئاسة الولايات المتحدة، في كانون الثاني (يناير) المقبل، وهو ما سيطلق له حرية فعل ما يشاء".
محورية القضية الفلسطينية في صراعات المنطقة
تبدو أطراف النزاع كمن يقامر في لعبة بوكر خطيرة، وعلى الرغم من أن سيناريو حرب شاملة تحرق الأخضر واليابس في الشرق الأوسط كثيرا ما حذر منها محللون في عدة مناسبات، إلا أن المنطقة تبدو على حافة الفوضى الشاملة أكثر من أي وقت مضى. ويعتمد تطور الوضع إلى حد بعيد على القادة السياسيين في إسرائيل وإيران. والواقع أن دواعي التفاؤل قليلة للغاية، ففي إسرائيل انزلق المشهد السياسي بشكل حاد نحو اليمين في السنوات الأخيرة. وأصبح المجتمع الإسرائيلي مختلفاً بعد الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، حيث باتت الثقة بالفلسطينيين شبه معدومة.
أما الجمهورية الإسلامية فتعيش أزمة نظام منذ عشرين عاماً، حيث يسيطر آية الله خامنئي (85 عاما) على الحياة السياسية منذ ثلاثة عقود ، كما أن خطة خلافة "الزعيم الروحي" غير واضحة المعالم، إذ تنظر جماعات السلطة المختلفة إلى بعضها البعض بعين الشك. فيما سئم الشعب الإيراني النظام الديني للملالي. غير أن التطورات الحالية في المنطقة، وإن كانت تحمل عناوين مختلفة، تؤكد كل يوم أن القضية الفلسطينية تظل جوهر الصراعات في الشرق الأوسط. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية معلقة (الثاني من أغسطس) "من الواضح من خلال السيناريو الحالي لحرب غزة، أنه (..) بدون حل سياسي عادل للمشكلة الفلسطينية، لن يكون هناك سلام لإسرائيل، مع حماس أو بدونها. إن الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه هذا الحل يشكل تحدياً كبيراً لكل أولئك في الجانب الإسرائيلي، الذين لا يؤيدون أوهام الطرد التي يتبناها شركاء نتنياهو اليمينيون في الائتلاف أو الذين يأملون، كعرب، في تحرير دموي لفلسطين "من النهر إلى البحر". من المؤسف أن الحديث عن حل الدولتين لم يعد يعني الكثير في واقع الأمر: فقد ابتعد الإسرائيليون منذ فترة طويلة عن هذا التصور".
حسن زنيند