بيئة عمل لا إنسانية داخل بعض المنظمات الحقوقية والإنسانية!
٣ يونيو ٢٠١٩منظمة، تكرس جهودها من أجل العمل الإنساني في العالم، تتصدر عناوين وسائل الإعلام مجددا. فقد أعلن يوم الأربعاء الماضي عن تغيير أعضاء الإدارة في منظمة العفو الدولية. وأعلن الأمين العام، كومي نايدو، أن خمسة من الأعضاء السبعة في الإدارة العامة سيغادرون مناصبهم حتى شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
هذه الخطوة جاءت بعد صدور تقرير مستقل أعد بطلب من المنظمة الحقوقية نفسها، على إثر انتحار أحد موظفيها، وإحدى المتدربات العام الماضي.
الموظف المنتحر كان قد تحدث في رسالة كتبها قبيل انتحاره، عن ضغط عمل لا يطاق. وقبل نشر التقرير في فبراير/ شباط، كان قد أعلن الأمين العام للمنظمة عن إجراءات ردعية. وتحدث التقرير عن مناخ عمل "مسمومة"، مليء بالإجهاد، و"التنمر والإذلال العلني كأداة للسيطرة"، وعن غياب الثقة، وتدني مستوى التقدير بين الموظفين والقادة. كما أبلغ الموظفون عن إساءة استخدام السلطة والتمييز. وقال ما يقرب من 40 في المائة من المستجوبين البالغ عددهم 475 إنهم عانوا من مشاكل عقلية وجسدية بسبب عملهم في منظمة العفو الدولية.
انعكاس بيئة العمل على العاملين
المشكلات الداخلية لمنظمة العفو الدولية قد تكون كبيرة، لكن منظمات غير حكومية أخرى تتعرض للنقد أيضاً. فقد تحدث تقرير مؤقت مستقل، نُشر في يناير/ كانون الثاني، عن ظروف العمل في المنظمة البريطانية غير الحكومية "أوكسفام" ، ووصفها بـ "المسمومة". وبحسب التقرير اشتكى الموظفون من عدة أمور منها العنصرية والنخبوية والتنمر والتسلسل الهرمي الجامد للوظائف. وفي أكتوبر/ تشرين الأول ، نشرت منظمة الإغاثة البريطانية "أنقذوا الطفولة" تقريراً مستقلاً عن ظروف العمل فيها. وتحدث 28 في المائة من المستجوبين عن تعرضهم للمضايقة والتمييز خلال السنوات الثلاث الماضية.
وكتبت الصحفية البريطانية، شايستا عزيز، في صحيفة الغارديان الصيف الماضي: "ما يربكني كثيراً هو التناقض بين صورة المنظمات، التي عملت لديها والأجواء المسمومة هناك". وقالت عزيز أنه خلال فترة عملها في تقديم المساعدة الإنسانية، تعرضت " لأسوأ أشكال العنصرية والتمييز الجنسي والتحرش الجنسي". وأضافت أنه ولفترة طويلة، كانت منظمات الإغاثة تركز على صورتها الخيرية في العالم، من دون الرغبة في الخوض في سلبياتها ونواقصها.
يمكن أن تقف الكثير من الأسباب وراء ظروف العمل السيئة داخل منظمات الإغاثة، وقد يكمن البعض منها في طبيعة العمل الإنساني في حد ذاته. فمن يعمل باستمرار على مواجهة الفظائع والكوارث، يكون معرضا لخطر ما يعرف بـ "الصدمة الثانوية"، وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية. ونقل التقرير عن شخص ما قوله: " أسوأ ما قد تراه يومياً هو ما يمكن للناس فعله تجاه بعضهم البعض، والذي يكون له ثمن باهظ". وأضاف: "بدأت أواجه كوابيس، أشعر من خلالها بعدم الأمان أو بالتعرض إلى التعذيب أو القتل".
حتى لو كان هذا النوع من الضغط جزءًا من العمل المهني، فمن يعملون باستمرار في ظروف عمل قاسية، يحتاجون إلى دعم اجتماعي، كما تقول ماغي شاور، رئيسة المركز المختص في علاج الصدمات النفسية في جامعة كونستانتس الألمانية. لذلك من المهم العمل داخل "بيئة تعمل بشكل جماعي وجيد، ومع زملاء يدعمون بعضهم البعض، كما يجب أن تحظى بيئة العمل أيضاً بتقدير كبير"، كما قالت الباحثة في مجال الصدمات النفسية. ولا يبدو أن هذا هو الحال بالنسبة لظروف العمل داخل منظمة العفو الدولية ومنظمات الإغاثة الأخرى.
وتقول مديرة جمعية التنمية والمساعدات الإنسانية (VENRO)، هايكه شبيلمانس أنه في حين أن العروض للعاملين في مجال المساعدات الإنسانية، الذين يعانون من صدمة فورية "متطورة للغاية" ، فإن الوعي بالصدمات غير المباشرة قد لا يكون "واسع الانتشار بما فيه الكفاية".
"عبادة العمل" و الالتزام المفرط
تعتقد مديرة جمعية التنمية والمساعدات الإنسانية (VENRO)، هايكه شبيلمانس أن الإرهاق الشديد، الذي يعاني منه العاملون في هذه المنظمات، قد يكون نتيجة للمثالية، التي على العديد من العاملين في المجال الإنساني التحلي بها. فعلى سبيل المثال، نقل تقرير منظمة العفو الدولية عن أحد أعضاء الفريق، وصفه العمل بـ"العبادة" في المنظمة. وتقول شبيلمانس إن الأشخاص الذين يمارسون مهنتهم عن تعلق شديد يجب "حمايتهم من أنفسهم أحياناً". "هذه مهمة المديرين التنفيذيين أيضاً. خاصة بين الشباب، الذين قد لا يولون اهتماماً كافياً بأنفسهم".
يرى عالم النفس، فلادسلاو ريفكين، من جامعة أستون في برمنغهام الأمر بطريقة مماثلة ويشير إلى ظاهرة "الإفراط في الالتزام"، والذي يعني "الارتباط المفرط بالمنظمة التي يفني الأفراد أنفسهم بداخلها". لذلك ينصح بأنه "عند ظهور هذه الأعراض، علينا توقع تأثيرات سلبية على الصحة العقلية ".
استغلال السلطة
السلطة هو المصطلح البارز دائماً في أبحاث منظمة العفو الدولية و أوكسفام ومنظمة "أنقذوا الطفولة": "إساءة استخدام السلطة"، "تباينات القوى" ومظاهر سلبية أخرى، قد نراها داخل الكنيسة ، في السياسة، في الاقتصاد، وداخل الجمعيات منذ زمن طويل. يقول شبيلمانس: "على المرء أن يقول إن الموظفين في منظمات الإغاثة ، بما في ذلك المسؤولون التنفيذيون ، ليسوا أشخاصاً أفضل في حد ذاتهم من الآخرين". "أعتقد أن هناك العديد من القضايا التي يتعين على المنظمات غير الحكومية أن تنظر فيها فيما يخص عملها الخاص، وفيما إذ كان ما يتم طلبه من الآخرين، قابلا للتنفيذ من قبلهم أيضاً." المسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق القادة. "ثقافة الوعي داخل المنظمة لا تأتي من تلقاء نفسها، ولا حتى من الأشخاص العاملين في المنظمات غير الحكومية ". لكن المشكلة تكمن في أن العديد من منظمات الإغاثة، وبسبب اعتمادها بشكل أساسي على التبرعات، تكون تحت ضغوط الحفاظ على انخفاض التكاليف ولذلك لا يوجد مجال مالي كبير لتقديم مثل هذا التدريب للموظفين.
خطوة نحو الأمام
بحسب تحقيقات مستقلة فقد اتخذت منظمات الإغاثة خطوة أولى نحو مزيد من الشفافية. أصدرت جمعية التنمية والمساعدات الإنسانية (VENRO)، مدونة قواعد سلوك لأعضائها في عام 2018. ومن بين الأمور التي توصي بها، استخدام محقق شكاوى محايد، يمكن للموظفين اللجوء إليه. وبشكل إجمالي، تلتزم المنظمات غير الحكومية "بتهيئة بيئة يتم فيها منع إساءة استخدام السلطة ومعارضتها بشكل فعال". كما اقترحت الشركة الاستشارية المكلفة بتقرير منظمة العفو الدولية العديد من التدابير لتحسين الوضع. وكتب الأمين العام لمنظمة العفو الدولية نايدو في يناير/ كانون الثاني "إن راحة القوى العاملة لدينا أصبح الآن على رأس أولوياتنا، وسيكون محور عملنا في المستقبل". وفي حالة تحقق هذا بالفعل، يمكن للقطاعات الأخرى تعلم الكثير من منظمات الإغاثة.
هيلينا كاشيل/ إ.م