هكذا تحدث مواطنون ألمان حول انسحاب القوات الأمريكية!
١٢ أغسطس ٢٠٢٠في خلفية المشهد، حيث الإصطبل المفتوح، تقف عشرات الأبقار في صفين وهي تركز على العلف الموضوع أمامها. وفي الصورة يظهر ميشائيل بيلن أيضا. "الأمريكيون سينسحبون بمقاتلاتهم ـ ثم سيعودون أدراجهم". وهو يتحدث باقتناع وكأنه يريد القول: ليس من الصعب فهم هذا الأمر. الضيعة هي في ملكية ميشائيل بيلن في قرية كاشينباخ الجميلة في جنوب سهل الآيفل بولاية راينلاند بفالس (رينانيا البلاتينات) على بعد 30 كلم عن القاعدة الجوية الأمريكية شبنغداليم.
وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب وحدات من قرية شبنغداليم التي تضم 800 من السكان نزل كالصاعقة في منطقة الآيفل. فمقاتلات إف 16 المتمركزة هنا يُتوقع نقلها إلى إيطاليا وسحب نحو نصف الجنود الـ 4000. "انسحاب دائم للمقاتلات غير معقول من الناحية العسكرية الاستراتيجية. فهذا سيعني أن الولايات المتحدة تتخلى عن استحقاقها في أن تكون قوة عالمية"، يؤكد ميشاييل بيلن الذي لا يتفهم كيف تتخذ واشنطن هذه الخطوة. وفي الخلف يُسمع صوت أحد الحيوانات، ويبدو أن بقرة عندها صعوبات في الولادة.
والفلاح يقاطع المحادثة ويُمسك بالعجل من رجليه الخلفيتين ويسحبه من بطن البقرة. هذا يدوم دقيقتين، ويغسل يديه ثم يسأل أين توقفنا في حديثنا.
القاعدة الجوية الأمريكية عامل اقتصادي
المزارع بيلن يتحدث عن العلاقات الألمانية الأمريكية في الآيفل. فهناك مثلا نادٍ يهتم بعلاقات الصداقة مع الجنود الأمريكيين في الولاية. وبيلن الذي ينشط منذ عقود لصالح الحزب المسيحي الديمقراطي في السياسة المحلية هو نائب رئيس النادي. فالأمريكيون "منفتحون أكثر من السابق"، كما يصف مدير الدائرة يواخيم شترايت العلاقة. قبل 20 عاما لم يبثوا شيئا عن تحركات الوحدات أو إجراءات البناء. والآن هم يدعون رؤساء البلديات من المنطقة ويطلعونهم على مخططاتهم.
وإلى جانب العلاقة الانسانية هناك الجانب الاقتصادي. فحوالي 800 موظف مدني ألماني يعملون في القاعدة الجوية الأمريكية. وهناك علاقات إيجار مع الأمريكيين وفي حال انسحابهم سيكون لذلك أثر سلبي على الحياة الاقتصادية حيث ستتقلص القوة الشرائية. وانسحاب الطاقم الذي يعتني بمقاتلات إف 16 لن يعاني منه فقط أصحاب الإيجار، بل أيضا التجارة المحلية والحرف. ويعتبر ساسة محليون أن تكاليف الرحيل ستصل إلى نحو مليار دولار.
بهذا الحجم يقدر جنود أمريكيون متقاعدون استقروا بصفة دائمة في الآيفل تلك التكاليف. فهم الوحيدون الذين يتحدثون بصراحة عن الانسحاب المرتقب. والجنرالات في القاعدة العسكرية أُجبروا من وزارة الدفاع الأمريكية على ما يبدو على التزام الصمت. فطلبات إجراء مقابلات مع وسائل الاعلام تبقى بدون جواب.
الكثير من الأمريكيين يحبون الإقامة في الأيفل
واحد لا يريد العودة إلى وطنه في كاليفورنيا هو ريتشارد لانت الذي يقيم مع زوجته في بيت يبعد 15 دقيقة بالسيارة عن قرية شبنغداليم. وهو يشير إلى التفكير في أن القاعدة العسكرية في السنوات الماضية خضعت لإجراءات التحديث، وتم تمديد طول مدرج الإقلاع والهبوط وبناء مستودعات جديدة للطائرات. "ملايين الدولارات استُثمرت لتشييد مستشفى جديد وعيادة أسنان جديدة ومدرسة جديدة". فالرجل البالغ من العمر 53 عاما لا يمكن له أن يتصور أن لا يتم استغلال هذه البنايات بعد قرار ترامب. وفي حال سحبت واشنطن بالفعل سرب إف 16، فإن طائرات أخرى ستأتي إلى شبنغداليم، كما يعتقد الجندي المتقاعد.
"البعض يقول بأن ترامب قرر الانسحاب، لأنه لا يحب المستشارة أنغيلا ميركل"، كما يقول لانت الذي يؤكد أن غالبية الجنود الأمريكيين تحب الإقامة في ألمانيا. وتوماس فان ديك، الرائد المتقاعد البالغ من العمر 82 عاما يؤكد هو الآخر أن الأمريكيين يحبون العيش في ألمانيا. وفي نهاية الأسبوع تكون القاعدة الجوية خالية. وقد ألف دليل سفر لمواطنيه الذين يحبون القيام بأنشطة. وهو لم يعد يرغب مع زوجته في مغادرة ألمانيا.
المنطقة سبق وأن تحملت انسحاب وحدات
وهذا ما يأمله يواخيم شترايت، رئيس الدائرة في بيتبورغ حيث توجد القاعدة الجوية الأمريكية. والأمريكيون يصرفون في المنطقة نحو 100 مليون يورو على الخدمات والكراء وفي المطاعم واستثمارات أخرى. "شركات البناء وشركات أخرى في المنطقة تعيش مع ومن الأمريكيين". لكن حتى ولو انسحب الجنود وعائلاتهم "وهذا ما عايشناه في التسعينات"، كما يقول شترايت. والمنطقة تجاوزت تلك التجربة. ففي 1994 قررت واشنطن إغلاق القاعدة العسكرية في بيتبورغ. وشركات إقليمية وأخرى للخدمات استقرت في المنطقة، وذلك بنجاح "وفي النهاية كانت لدينا فرص عمل أكثر من السابق مع الأمريكيين".
ضجيج مسبب للمرض ومياه الفضلات السامة
وهناك أيضا سكان في الآيفل يرحبون بإعلان واشنطن، واحد منهم هو غونتر شنايدر الذي يأمل منذ سنوات في أن ينسحب الأمريكيون. وصودرت منه ملكيته قبل 20 عاما ليتم توسيع القاعدة العسكرية. وعائلته تعيش منذ 400 عام في المنطقة. لكن قريته تبعد بحوالي 600 متر عن مدرج الإقلاع والهبوط في شبنغداليم وضجيج المقاتلات تسبب له بالمرض. إلى ذلك ينضاف تسمم المياه الجوفية في محيط القاعدة الجوية حيث تُستخدم مادة لإطفاء الحرائق مسببة حسب دراسات للسرطان. ويتدرب الأمريكيون طوال سنوات على كيفية إطفاء طائرات محترقة، والسلطات الألمانية تغض على ما يبدو النظر ولا تفعل شيئا. وفي حال بقاء الوحدات الأمريكية في شبنغداليم، فإن غونتر شنايدر والكثير من جيرانه سيتأسفون لذلك.
ميودراغ زوريتش/ م.أ.م