تأثير أزمات بلدان المهاجرين على التعايش بينهم.. عفرين مثالاً
٧ أبريل ٢٠١٨منذ حوالي شهر واللاجئ السوري أحمد زينال يقضي أيامه في البيت، بعد أن تلقّى إشعاراً بفصله من العمل في الشركة التي كان يعمل لديها، والسبب أنه تشاجر مع زملائه في العمل بعد احتدام النقاش وتبادل الاتهامات حول العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين السورية التي ينحدر منها، كما يقول لمهاجر نيوز.
كان اللاجئ الكردي، الذي قدم إلى ألمانيا قبل حوالي سنتين ونصف، يعمل في شركة لتصنيع قطع غيار السيارات، لكنه فُصل من العمل مع أحد رفاقه الأكراد، بسبب "انتقادهما لقتل المدنيين في عفرين من قبل الجيش التركي وفصائل المعارضة التابعة لها"، على حد تعبيره.
ويقول أحمد "كنت أنا ورفيقي الكردي أصلان نتحدث عن الأوضاع في عفرين، حيث أن عوائلنا هناك، فتقدم نحونا أحد الأتراك العاملين في الشركة وسألنا عن رأينا في العملية العسكرية هناك، فانتقدنا العملية العسكرية التركية وسياسة أردوغان معبرين عن رأينا بحرية. فتجمع حولنا عدة أشخاص من الذين كانوا يعملون هناك، واتهمونا بأننا إرهابيون، ولنتفاجأ بعد عدة أيام بتلقي إشعار بالفصل من العمل".
تأثير على التعايش المشترك
يعيش أحمد في شارع "كويب شتراسه Keupstraße" بمدينة كولونيا الألمانية، والذي يطلق عليه البعض "شارع اسطنبول" لأن الكثير من قاطنيه هم من الأتراك، وبينهم أكراد أيضاً، ويعتقد اللاجئ الذي يبلغ الحادية والعشرين من العمر أن العملية العسكرية التركية في عفرين أثرت على التناغم الموجود في الشارع أيضاً. ويرى صاحب أحد المتاجر في هذا الشارع أن العاملين لا يرغبون في الحديث عن تلك العملية، من أجل المحافظة على مصدر رزقهم، وعدم تعكير الجو العام، حسبما قاله لمهاجر نيوز، مشترطاً ألا يتم ذكر اسمه.
ولم يقتصر تأثير العملية العسكرية في عفرين على هذا الشارع فقط بل امتد ليصل العديد من المدن الألمانية، التي شهدت ومنذ بداية الهجوم التركي على عفرين في العشرين من كانون الثاني/ يناير 2018، احتجاجات واشتباكات وأعمال عنف بين أكراد وأتراك كما حدث في مطار هانوفر مثلا حيث اشتيك مسافرون أتراك مع محتجين أكراد. كما كانت هناك هجمات على مساجد تديرها جمعية "ديتيب" الإسلامية المقربة من أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الحاكم وتتلقى أموالا من وزارة ديانات (الأوقاف) التركية، والتي تدير أكثر من 900 مسجد في ألمانيا، ناصر بعضها العملية العسكرية التركية في عفرين علناً في خطب الجمعة، ما أدى لتزايد المخاوف من تصعيد أكبر.
وفي هذا السياق قالت متحدثة في وزارة الداخلية الألمانية إن "الأحداث في المنطقة (عفرين) تلهب مشاعر الأكراد الذين يعيشون هنا في ألمانيا"، مشيرة إلى أن الصراعات بين الأتراك والأكراد تحدث أيضا في ألمانيا التي يعيش فيها نحو ثلاثة ملايين لهم علاقات بتركيا، عدد مهم منهم من أصل كردي.
وخوفا من زيادة التوتر بين المهاجرين الأتراك والأكراد نددت الجالية الكردية في ألمانيا بجميع الرسائل الداعية إلى العنف، وحسب رئيسها أرتان طوبراك فإن "أيّا كان وراء هذه الهجمات ويدعو للعنف سواء من دوائر قريبة من حزب العمال الكردستاني أو جهاز المخابرات التركي، فليس هناك ما يبرر هذا الشكل من العنف غير الإنساني"، داعيا في الوقت ذاته إلى التحلي بالأساليب الديمقراطية للدفاع عن أي مواقف سياسية.
"لا للتعميم"
وبالعودة إلى شارع "كويب شتراسه" في مدينة كولونيا والعلاقة بين السكان، يقول اللاجئ السوري فواز محمد، إن العملية العسكرية في عفرين تسببت بحالة من البرود في العلاقات بين الجيران أيضاً، ويقول لمهاجر نيوز "أرى أن بعض الجيران توقفوا عن إلقاء التحية أيضاً، وأنا أيضاً لا أريد أن ألقي التحية على أي شخص يؤيد تلك العملية التي يُقتل فيها الأطفال والنساء".
لكن يوجيل، الألماني ذو الأصول التركية ، والذي يعيش في الشارع منذ حوالي 40 سنة، يقول إنه لم يلاحظ أي تغيير في تعامل الناس فيما بينهم، حتى بعد العملية العسكرية في عفرين، ويقول "قد تكون هناك حساسية لدى البعض، لكنني أستطيع أن أقول إن ذلك لم يؤثر على التعايش المشترك بين الأتراك والأكراد هنا بشكل عام".
واللاجئ السوري أحمد زينال يقول لمهاجر نيوز، إن حديثه عن تأثير العملية العسكرية في عفرين على العلاقات بين الأكراد والأتراك، لا يعني أن هذه حالة عامة في الشارع، ويضيف "التعميم خاطئ دائماً، فجارتنا التركية طيبة جداً، كالعديد من الأتراك هنا، والذين يتعاطفون مع أهلنا في عفرين". لكن وبالرغم من ذلك، لا يخفي أحمد أنه لا يرغب في العمل لدى تركي، خوفاً من أن يكون "مؤيداً لأردوغان"، حسب تعبيره، ويقول "المعاناة التي عشناها ونعيشها تكفينا. نريد أن نعيش هنا بسلام". وتجدر الإشارة إلى أنه يعيش في ألمانيا أكثر من مليون كردي ينحدرون من تركيا وإيران والعراق وسوريا.
الأتراك أيضا خائفون
ليس الأكراد فقط هم من يشعرون بتأثير أزمة عفرين على العلاقات بين قاطني الشارع، بل الآخرون أيضاً. يقول الألماني ذو الأصول التركية أورهان لمهاجر نيوز، إنه يشعر بفتور العلاقات بين الناس بعد العملية العسكرية في عفرين، ويضيف "العديد من الأتراك أيضاً ضد هذه العملية، لكنهم لا يتجرأون على ذكر ذلك، خاصة على وسائل الإعلام، خوفاً من انتقام السلطات التركية منهم أو من عوائلهم، عند ذهابهم إلى تركيا". فمنذ بداية الهجوم التركي على عفرين اعتقلت السلطات التركية مئات الأشخاص بينهم أطباء وصحفيون وطلاب جامعيون بسبب كتابات على مواقع التواصل الاجتماعي واحتجاجات تنتقد العملية. وتعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنزع وصف "تركية" من اسم نقابة الأطباء المؤلفة من 83 ألف عضو بعد أن عارضت النقابة علناً الحملة العسكرية.
محي الدين حسين - مهاجر نيوز