تاريخ مثير للجدل: فلسطين والنازيون
١٥ يناير ٢٠٠٨حين يدور الحديث في ألمانيا عن علاقة الفلسطينيين بالنازية، فإنه لابد من التطرق لشخصية مفتي القدس الحاج أمين الحسيني. كان الحسيني من المعادين للسامية ومن أشد المتحمسين للنازية، لذلك قام في ثلاثينيات القرن الماضي أثناء فترة وجوده في القدس بالتعاون مع نظام هتلر، ومن ثم أنتقل إلى الإقامة في ألمانيا عام 1941.
نشر المؤرخ البرليني رينيه فيلدانغل دراسة عن فلسطين وعن النازية بعنوان "بين المحور ودولة الانتداب". ويطرح المؤرخ في دراسته تساؤلات عن دور الحسيني. ويقول فيلدانغل في معرض كلامه عن شخصية الحسيني "لم تكن شخصية تمثل مجمل الشعب الفلسطيني، يجب التركيز على قضيا حصلت في فلسطين آنذاك وليس على هذا الشخص الذي قدم إلى ألمانيا للتعاون مع النازيين".
صورة غير واضحة المعالم
يهتم فيلدانغل في دراسته بشكل خاص يتناول الأحداث من وجهة النظر الفلسطينية، التي يرى الباحث أنها أهملت بشكل كبير في الكثير من الدراسات التاريخية المتعلقة بهذا الشأن، لأنها تعتمد على مصادر إسرائيلية وبريطانية وألمانية. كما يرى الباحث أنها غالباً ما تتوصل إلى نتيجة مفادها أن نظام هتلر كان يلقى تأييداً غير محدوداً في فلسطين، وتطرح قضية أن الحسيني لم يكن في معاداته للسامية منفصلاً عن الشعب الفلسطيني الذي كان له الموقف ذاته. من الأمور التي تزيد من أهمية دراسة فيلدانغل هو بحثه لوجه النظر هذه بشكل دقيق. في هذا السياق يقول المؤرخ الألماني: "لو اعتمدنا على تقارير الاستخبارات الألمانية وتقارير فرقة الوحدات النازية الخاصة (أس أس)، فإننا سنحصل على صورة غير واضحة المعالم".
ويحاول فيلدانغل تحديد هذه المعالم من خلال دراسته التي تمتد على أكثر من 400 صفحة. فهو يقوم بتحليل كيف كانت الصحف والدوريات الفلسطينية تصور ألمانيا النازية في ذلك الوقت. فقد كان لشخصية أدولف هتلر والحماس القومي الذي كان يروج له وما له من فعل على الجماهير، مؤثراً على الشعب الفلسطيني بشكل كبير، بل أن الأمر يتعدى ذلك إلى درجة أن بعض شعارات النازية نالت صدى ايجابياً في أوساط الفلسطينيين، غير أن دوافعها لم تكن منبثقة، كما يُقال، عن معاداة السامية بشكل تام، بل كانت ترتبط بمعارضة الاستعمار البريطاني، عملاً بمبدأ: "عدو عدوي صديقي!".
الماضي في خضم أحداث الحاضر
أما تناول الطاغية النازي وبرنامجه السياسي في الصحافة الفلسطينية آنذاك فقد كان متبايناً بشكل كبير ومشوبا بالتناقضات. وينسحب التباين في التعاطي مع الإيديولوجية النازية إلى الصحيفة الواحدة أحيانا. ففي بعض الصحف كان الصحفيون يخوضون في سجالات متناقضة وطويلة حول النازية. ورغم هذا، كان يمكن للقارئ أن يطلع على طبيعة النازية والأهداف التي تتبعها، وكذلك معرفة أن نظرية التمييز على أساس العرق لم تستثن العرب. ففلسطين لم تكن تثير اهتمام ألمانيا في ذلك الوقت بشكل خاص، إلا لكونها مكاناً لترحيل اليهود الألمان، وليس لرغبتها في المشاركة في القتال ضد بريطانيا الاستعمارية.
إن تصوير الفلسطينيين عموماً على أنهم تابعين للنظام النازي ينبع –كما يرى معد الدراسة- من التطورات السياسية التي أعقبت عام 1945، وعن هذا يقول فيلدانغل: "كلما ازدادت الكراهية في قضية الصراع في الشرق الأوسط، كلما ازداد الاستعداد لنقل مثل هذه الصور التاريخية المغلوطة. فالكتاب الإسرائيليون يشيرون دائماً إلى شخصية المفتي، وفي المقابل يمتنع العرب عن الخوض في قضايا معاداة السامية والهولوكوست بشكل تام".
ضرورة النقاش
يرى فيلدانغل أنه من المؤسف أن تتحول الحقائق التاريخية غير المكتملة في الزمن الحاضر إلى حجج مشكوك فيها سياسيا، وعن هذا يعلق قائلاً: "أعتقد أن مجمل الصراع في منطقة الشرق الأوسط هو صراع من أجل المصداقية غالباً، فهناك تقاذف للاتهامات ونقص في التطرق إلى تاريخ الآخر. ويؤدي هذا كله إلى زيادة حدة الصراع ويحول دون الخروج من دوامة الصراع".
تعد دراسة فيلدانغل محاولة لكسر أحادية التعاطي مع موضوع الفلسطينيين والنازية، على الرغم من أنها لا تغني عن حوار مفتوح وموسع. ولكن قد يحالفه الحظ في أن تثير دراسته نقاشاً واسعاً على الأقل.