تجارة المعابر.. الجيش السوري يستغل مأساة العائدين من لبنان
٩ أكتوبر ٢٠٢٤لم تكن رحلة فرار السوري خالد مسعود من القتال والمعارك في لبنان، طويلة وشاقة فحسب، بل بذل الغالي والنفيس في سبيل عودته وأسرته إلى سوريا.
استغرقت الرحلة من لبنان إلى سوريا قرابة أسبوع واضطر إلى دفع 1300 دولار في سبيل الوصول إلى شمال سوريا ليستقر به الحال وأسرته المؤلفة من ستة أفراد فضلا عن أسرة ابنته، داخل مخيم للاجئين في معرة مصرين شمالي إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.
وكانت عائلة خالد واحدة من العائلات السورية التي اضطرت إلى الفرار من لبنان والعودة إلى سوريا. فبحسب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، فقد عبر 220 ألف شخص الحدود بين لبنان وسوريا بينهم 80 بالمئة من السوريين. وتشير السلطات اللبنانية إلى فرار 400 ألف شخص إلى سوريا.
ولم تكن رحلة العودة إلى سوريا وعبور الحدود مع لبنان، سهلة على السوريين في ضوء المشاكل الأمنية المترتبة على العودة. فقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان باعتقال العشرات من السوريين بعد عبورهم الحدود اللبنانية.
وفي محاولة لتفادي ذلك، يضطر الكثير من السوريين العائدين إلى التوجه صوب مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، لكن هذا الخيار يعد محفوفا بالخطر؛ إذ يلزم عليهم اجتياز ثلاثة مناطق خاضعة لسيطرة ثلاث قوات أمنية مختلفة هي القوات السورية والقوات الموالية لتركيا والقوات الكردية قبل الوصول إلى مناطق المعارضة.
ورغم أن العائدين يقصدون طرقا غير رسمية، إلا أنه يتعين عليهم اجتياز معابر أمنية حيث يُجبرون على دفع أموال مقابل العبور. وقال خالد إنه دفع 1300 دولار مقابل عبور أسرته.
التربح من البؤس
ومع استمرار التصعيد في لبنان، باتت هذه التجارة مربحة للحكومة السورية.
وفي مقابلة مع DW، قال هادي عثمان، سوري في عامه العشرين عائد للتو من لبنان إلى إدلب، إن "المبلغ الذي ندفعه عند كل نقطة تفتيش يحدده القائمون على هذه المعابر. الأمر أشبه بالتجارة فالمبلغ الذي يطلبونه يعتمد على مزاجهم".
وفي حديثهم إلى DW، أفاد عثمان وغيره من العائدين بأنهم اضطروا إلى دفع ما بين 300 دولار و 600 دولار مقابل العودة إلى مناطق المعارضة.
وأفاد مصدر محلي على دراية بما يقوم به النظام السوري، في مقابلة مع DW، بأن فروعا مختلفة من الجيش السوري تتعاون مع ميليشيات سواء موالية للحكومة أو للأكراد في المنطقة لتسهيل دفع هذه الأموال.
وقال المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته، إنه يعتقد أن الفرقة الرابعة المدرعة التي تعد من كيانات النخبة داخل الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد، متورطة في تجارة المعابر.
وأضاف المصدر أن السوريين العائدين يتم نقلهم إلى ساحات قرب نقاط التفتيش حتى اكتمال أعداد كبيرة منهم ثم يدفعون مئات الدولارات مقابل استكمال رحلتهم وهذا يعد السبب وراء ان رحلة خالد استغرقت أسبوعا.
وأشار المصدر إلى أن الأموال يتم تقاسمها بين مجموعات مختلفة تشرف على الطرق المؤدية إلى مناطق المعارضة.
ولم تتمكن DW من التحقق من ذلك بشكل مستقل.
السوريون العائدون.. شبح التخويف
وأضاف المصدر أن النازحين السوريين غالبا ما يتعرضون للإهانة أو الاعتداء أو حتى الاعتقال، مؤكدا أن السبيل الوحيد إلى استكمال رحلتهم يكمن في دفع أموال.
وقال المصدر إن "العائدين في حالة خوف وإرهاق شديد ويبحثون عن مكان آمن للإقامة. لو لم تكن الحرب في لبنان أسوأ من الوضع في سوريا، لكانوا بقوا في لبنان رغم تعرض البعض منهم إلى العنصرية هناك. يُنظر إلى العائدين باعتبارهم دولارات متحركة فضلا عن اتهامهم من قبل العناصر التي تقف عند المعابر، بالخيانة وبأنهم أغنياء".
وذكر المجلس المحلي لمدينة جرابلس بأن قرابة 470 أسرة تتألف من أكثر من ألفين وخمسمئة شخص بالإضافة إلى مائتي أعزب، قد وصلوا بالفعل إلى مناطق المعارضة.
ويقول مراقبون إنه في حالة صحة التقارير التي تشير إلى الأموال التي دفعها العائدون، فإن قوات الأمن المختلفة قد حققت مكاسب مالية بلغت أكثر من مليون دولار من النازحين السوريين القادمين من لبنان.
لكن رسوم عبور نقاط التفتيش تمثل عبئا يثقل كاهل العائدين الذين نزحوا إلى لبنان مع تفجر الأزمة في سوريا؛ إذ تشير التقديرات إلى أن 90٪ من السوريين الذين لجأوا إلى لبنان يعيشون في كنف الفقر فيما يحصل من تمكن من العمل المؤقت، على حوالي 95 دولارا شهريا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى هادي عثمان، فقال إن حياته في لبنان كانت "صعبة"، مضيفا أنه فر من قريته بنش الواقعة في شمال غرب سوريا، إلى لبنان عام 2012.
وفي حديثه إلى DW، قال إن "الظروف الاقتصادية (في لبنان) كانت مزرية. كنا نعمل مقابل الحد الأدنى من الأجور وكنا ننفق كل ما نكسبه"، مشيرا إلى أنه من أجل اجتياز معبر "عون الدادات" بين المناطق الكردية والمعارضة يتعين دفع عشرة دولارات.
وأضاف "تظاهرنا هناك ولم ندفع ثم اخترقت الحشود الغاضبة الحدود دون دفع أي رسوم. نشكر الله على عودتنا. نحن متعبون، لكن المهم هو أننا وصلنا إلى قريتنا وسنبقى في ديارنا".
أعده للعربية: محمد فرحان