ترامب وبن سلمان.. أمام اختبار غزة والتطبيع
١٤ نوفمبر ٢٠٢٤صعد المسؤولون السعوديون مؤخرا من لهجتهم حيال إدانة استمرار الحرب في قطاع غزة. فمخاطبا زعماء القمة العربية-الإسلامية في الرياض الاثنين، 11 نوفمبر/تشرين الثاني، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: "نؤكد في هذا الصدد إدانتنا ورفضنا القاطع لهذه الحرب الشعواء التي يتعرض لها الاشقاء في فلسطين".
وتلى ذلك تعليقات أدلى بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود عقب القمة قال فيها إن "إسرائيل تريد تغيير الواقع على الأرض وتدمير حل الدولتين، مشيرا الى إن العالم العربي والإسلامي غاضب تجاه ما يحدث في غزة". وسبقت القمة استضافة استضافة الرياض أولى جلسات التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، الذي يرمي إلى إنشاء دولة فلسطينية "تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل" حسب ما قاله الأمير فرحان.
ويرى سلمان الأنصاري، الباحث السعودي في العلاقات الدولية، إن جهود الرياض قد "تساعد في تحقيق وقف لإطلاق النار في غزة عبر استثمار علاقاتها الدبلوماسية القوية وتنسيق الجهود مع الشركاء الإقليميين والدوليين". وفي مقابلة مع DW عربية، أضاف أن السعودية "تعمل على تجميع العالم حول حل الدولتين من خلال التحالف الدولي للضغط على إسرائيل. كما ستستخدم السعودية علاقتها المميزة مع الإدارة الأمريكية المقبلة لدفع هذا المسار قدما".
مساعي بن سلمان.. "ترحيب أمريكي"
واشترطت السعودية إقامة دولة فلسطينية للمضي قدما في ملف التطبيع مع إسرائيل؛ إذ أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في سبتمبر/أيلول الماضي "أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية مستقلة". ويعتقد بعض المحللين أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قد يدفع قطار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية خلال ولايته الثانية في إطار ما يُسمى بـ "صفقة القرن".
ويُعتبر ترامب مهندس "اتفاقيات ابراهام" التي مهدت الطريق أمام إقامة علاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان. وفيما يتعلق بالرد الأمريكي حيال أي جهود سعودية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، تعتقد آنا جاكوبس، كبيرة محللي شؤون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية، بأن "قيادة السعودية لجهود الهدنة سيكون موضع ترحيب على الأقل من قبل الإدارتين الأمريكية الحالية والمقبلة".
ومتحدثة إلى DW عربية، أضافت بأن ذلك "قد يكون بمثابة إشارة إلى الانفتاح على التطبيع في المستقبل، جنبا إلى جنب مع المطالب السعودية المتبادلة للولايات المتحدة بخصوص التعاون في مجالات الأمن والتكنولوجيا والطاقة النووية". وخلال حملته الانتخابية، لم يصدر عن ترامب تصريحات واضحة حيال خططه لما يُعرف بـ "اليوم التالي" للحرب، لكنه أكد على ضرورة انتصار إسرائيل مع مطالبته بوقف الحرب.
نفوذ سعودي "محدود"
ورغم تصاعد الحديث عن جهود سعودية حثيثة لوقف الحرب في غزة، إلا أن كارين يونغ، الخبيرة في شؤون الخليج، تعتقد أن نفوذ الرياض في هذا السياق "سيكون محدودا".
وفي حديثها إلى DW عربية، أوضحت كارين، الباحثة البارزة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، ذلك بقولها إن "الرياض ليست منخرطة بشكل مباشر في جهود الوساطة في غزة التي قادتها في المقام الأول إلى قطر ومصر".
وأضافت أن الرياض "تعلم أن الولايات المتحدة هي التي تتمتع بأكبر قدر من النفوذ على إسرائيل، لذلك فهي تركز جهودها على الضغط على البيت الأبيض والمجتمع الدولي للدفع نحو وقف إطلاق النار وحل الدولتين". ولم تسفر مفاوضات وقف إطلاق النار بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، عن أي نجاح صوب التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف الحرب على غزة.
وفي السياق ذاته، أشار الباحث السعودي في العلاقات الدولية، سلمان الأنصاري، إلى أن تحقيق وقف إطلاق النار "بجهود سعودية قد يسهم في تمهيد الطريق نحو مناقشة حل الدولتين، ومن ثم تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية." وأضاف في مقابلته مع DW عربية، "سيساعد ذلك على بناء الثقة بين البلدين ويظهر رغبة السعودية الجادة في تحقيق السلام الإقليمي، لكن لا يمكن الحديث عن كل ذلك قبل إنهاء الصراع، وتحقيق حل الدولتين."
واتسمت العلاقات السعودية-الأمريكية بالتوتر في ظل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، لكن مؤخرا، عاد بعض الدفء إلى العلاقات، بينما يتوقع خبراء تحسن العلاقات الثنائية مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في ضوء العلاقات الجيدة بين الأخير ومحمد بن سلمان خلال فترة رئاسته الأولى. وتعتقد كارين يونغ أنه "من المؤكد أن العلاقة القوية بين ترامب ومحمد بن سلمان ستساعدهما على العمل معا، لكنها لن تكون كافية لإنهاء حروب إسرائيل في المنطقة وتحقيق حل الدولتين".
ماذا عن دور الاتحاد الأوروبي؟
ويبدو أن الموقف السعودي يأتي متناغما مع تأكيد الاتحاد الأوروبي على ضرورة التمسك بحل الدولتين. فقد قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أواخر الشهر الماضي، إن التحالف الدولي الذي استضافت الرياض أولى جلساته، يعد بمثابة "مظلة لمساهمة الشركاء الدوليين العملية في تنفيذ حل الدولتين."
وفي ذلك، قالت كارين يونغ إن السعودية "تضغط على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لتبني سياسات أكثر صرامة للضغط على إسرائيل، لكن اللاعب الدولي الأكثر أهمية الذي يمكنه الضغط على إسرائيل هو الولايات المتحدة، وليس الاتحاد الأوروبي."
بيد أنها أضافت بأن تبني "دول الاتحاد الأوروبي لمواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل، مثل قرار فرنسا بتنفيذ حظر الأسلحة على إسرائيل سوف يساعد في زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل، ولكن بدون دعم الولايات المتحدة، فإن الضغوط الأوروبية لن تكون كافية."
بن سلمان وترامب.. نقاط خلافية
ويقول مراقبون إن رؤية محمد بن سلمان بشأن حل الصراع في الشرق الأوسط تقف على تناقض ضمني مع "صفقة القرن". وتأتي الجهود السعودية في إطار لعب دور الوسيط والمحرك للسلام في المنطقة لتعزيز نفوذها الإقليمي وإبراز قدرتها على إحداث تغيرات جذرية في الشرق الأوسط بما يتوافق مع "رؤية 2030".
ولا يتوقف الخلاف بين مواقف ترامب ومحمد بن سلمان حيال شكل حل صراع الشرق الأوسط، بل يشمل أيضا الملف الإيراني. فمؤخرا، حدث تقارب بين الرياض وطهران عقب إبرام البلدين اتفاق قبل عام برعاية صينية وضع حدا لقطيعة استمرت 7 أعوام بين الدولتين.
أما ترامب، فيُعرف عنه مواقفه المتشددة من إيران؛ إذ انسحب خلال فترة ولايته السابقة عام 2018 بشكل أحادي من الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران عام 2015 مع القوى العالمية وأعاد فرض العقوبات التي أثرت بشدة على الاقتصاد الإيراني.
وتعتقد كارين أن الملف الإيراني "سوف يشكل في الواقع تحديا دبلوماسيا ضخما للسعودية؛ إذ يعود السبب وراء ذلك إلى أن اتفاقية الأمن (المحتملة) مع الولايات المتحدة ضرورية للغاية، بحيث أنه في حال ما فرضت واشنطن عقوبات أو شنت حملة عسكرية ضد إيران، فسوف تشعر (الرياض) بالحماية."
وأضافت "فيما يتعلق بسياسة النفط، ستحتاج السعودية إلى توضيح من الإدارة الأمريكية حول كيفية اعتزامها الحد من الصادرات الإيرانية، حيث إن هذا التوقيت يتواكب مع ضعف الطلب من الصين، وقد يكون أضعف إذا كان هناك تحرك متزامن لتطبيق إدارة ترامب التعريفات الجمركية على السلع الصينية المستوردة في الولايات المتحدة."