1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: إنجازات وتحديات القطاع غير النفطي السعودي

١٤ يناير ٢٠٢٥

حقق القطاع غير النفطي في السعودية نموا جيدا في السنوات القليلة الماضية لأسباب متعددة، أين تكمن هذه الأسباب وما التحديات التي ينبغي عليه تجاوزها كي يستمر في النمو ويحقق أحد أهم أهداف "رؤية 2030" التنموية؟

https://p.dw.com/p/4p5C7
المرأة السعودية تقبل على العمل في مختلف القطاعات بما فيها قيادة القطارات، سبتمبر/ أيلول 2018
تحديث البنية التحتية في مجال النقل كأساس لدفع عملية تنويع الاقتصاد السعوديصورة من: GIUSEPPE CACACE/AFP via Getty Images

تفيد آخر المعطيات المتوفرة عن نمو الاقتصاد السعودي بأن القطاع غير النفطي حقق خلال العام الماضي 2024 نموا جيدا زاد على نسبة 4 بالمائة حسب نتائج مسح نشرته وكالة رويترز للأنباء أوائل الشهر الجاري يناير/ كانون الثاني 2024. ويعزي المسح هذه النتائج إلى الطلب المحلي القوي على منتجات هذا القطاع وإلى زيادة الصادرات السعودية من الأغذية وبعض منتجات الصناعات التحويلية. ويقف وراء الطلب المذكور بشكل كبير المشاريع التنموية التي يتم تنفيذها في ظل " رؤية 2030 " بهدف تنويع الاقتصاد السعودي وإزالة هيمنة النفط عليه. وتشير  توقعات الأعمال إلى تفاؤل الشركات العاملة في السعودية باستمرار النمو في عام 2025 بمعدلات لا تقل عن مثيلتها خلال العام الماضي نظرا لاستمرار تنفيذ مشاريع الرؤية وتخصيص عشرات المليارات من الدولارات لتوفير مستلزمات بنائها وتجهيزها وتشغيلها. يُضاف إلى ذلك أن فوز المملكة باستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034 سيعطي حقنة إضافية لنمو القطاعات غير النفطية من خلال عشرات المنشآت الرياضية والسياحية التي سيتم تخطيطها وتنفيذها خلال السنوات العشر القادمة.

مخطط عام لمدينة "نيوم" على البحر الأحمر والتي ستكون على شكل خط مستقيم
مخطط مدينة نيوم السعودية للعلوم والتكنولوجيا، هل يرى المشروع النور كما هو مخطط له؟صورة من: NEOM/Cover Images/picture alliance

لمن يعود الفضل في تعزيز تنويع الاقتصاد؟

حتى عام 2016 كان القطاع النفطي يشكل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في السعودية الذي تُقدر قيمته بنحو 1.1 تريليون دولار خلال العام الماضي 2024 . غير أن التنويع الذي شهده الاقتصاد السعودي خلال السنوات السبع الماضية ساهم في رفع مساهمة القطاعات غير النفطية في النتائج المذكور إلى نحو 50 بالمائة في الوقت الحالي مقابل 41 بالمائة عام 2019. وجاء هذا التنويع بشلك خاص نتيجة الأموال التي ضخها صندوق الاستثمارات السعودي لتعزيز  المشاريع غير النفطية.

وعلى سبيل المثال ضخ الصندوق في عام 2023 ما يزيد على 31 مليار دولار في هذه المشاريع حسب منصة "غلوبال إس دبليو اف". ويشكل هذا المبلغ نحو ربع المبالغ التي انفقتها صناديق الثروة السيادية في العالم لنفس الغرض. أما أبرز القطاعات التي تم ضخ الأموال بها فيه مشاريع منطقة "نيوم" للعلوم والتكنولوجيا والمشاريع الترفيهية ومشاريع التعدين ومشاريع الصناعات التحويلية.

تحديات تواجه الاستثمارات غير النفطية

رغم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد السعودي ومصادر الدخل فإن مساهمة القطاع غير النفطي في الاستثمارات ما تزال ضعيفة مقارنة بمساهمته في الناتج الاجمالي حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية/ GTAI. ويدل على ذلك أن الحكومة السعودية ما تزال تعتمد بشكل أساسي على إيرادات النفط لتمويل الانفاق على المشاريع التنموية والبنية التحتية التي يدخل فيها القطاع الخاص كمقاول أكثر منه كممول. ووفقا للمؤسسة الألمانية المذكورة شكلت إيرادات النفط 62 بالمائة ، أي أكثر من 200 مليار دولار من مجمل إيرادات الدولة عام 2023، في حين لم  تشكل الإيرادات من الضرائب والخدمات العامة سوى 70 مليار دولار في نفس العام. ومن هنا فإن تراجع أسعار النفط ينعكس سلبا على نمو معظم القطاعات غير النفطية التي تعتمد على التعاقد مع مؤسسات الدولة لتنفيذ مشاريع تنموية وخدمية. وفي حال كان التراجع في الأسعار كبيرا فإن ذلك يضطر الحكومة إما إلى إلغاء مشاريع أو اللجوء إلى الاقتراض لتمويلها. وحسب مصادر متعددة بينها وكالة رويترز تم مؤخرا إعادة النظر في عدد من مشاريع "رؤية 2030" من خلال تأجيل تنفيذها أو تقليص حجمها. ويشمل ذلك مشاريع تم التخطيط لها في إطار إقامة مدينة "نيوم" على البحر الأحمر.

أسبوع الموضة الأول في السعودية

مشاركة ضعيفة للقطاع الخاص في الاستثمار

رغم التقدم الحاصل في وزن القطاع غير النفطي السعودي سيبقى القطاع النفطي الأهم لفترة طويلة لأسباب عديدة من أبرزها أن تمويل المشاريع التنموية ومشاريع البنى التحتية الضخمة ستبقى معتمدة عليه نظرا لعزوف القطاع غير النفطي الخاص عن الاستثمار في مثل هذه المشاريع. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا هذا العزوف؟

بداية لا بد من القول أن ضخامة الأموال اللازمة لتمويل معظم مشاريع البنية التحتية السعودية أكبر من أن يتمكن القطاع الخاص السعودي من تمويلها، لأن الضمانات المتوفرة لديه للحصول على القروض اللازمة غير كافية. أما بالنسبة  للمشاريع الأخرى المطروحة للاستثمار وعلى الرغم من التحسن الحاصل على صعيد عدد من التشريعات، فإن من أبرز الأسباب عدم توفر نظام واضح لتنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الاستثمار حتى عهد قريب. كما اشتكى المستثمرون من التداخل في صلاحيات الجهات ذات العلاقة بشكل أربك المستثمرين.

إصلاحات تشريعية وإدارية لتشجع الاستثمار الخاص

في خطوة أخرى لتشجيع الاستثمار الخاص أصدرت المملكة في 19 يوليو/ 2023 أول قانون مدني لتنظيم العقود بين المستثمرين والتي كانت تخضع لنظام الشريعة الإسلامية. وينص القانون المدني الجديد على الاعتراف بمبدأ "العقد شريعة المتعاقدين"، ما يعني أن على الأطراف المتعاقدة الوفاء بما اتفقت عليه تعاقديا. وفي خطوة لاحقة وبهدف تلافي المزيد من الثغرات التي عانى منها مناخ الاستثمار سابقا وافق مجلس الوزراء السعودي في يوليو/ تموز على اعتماد نظام استثمار جديد بعد ربع قرن على أول نظام اعتمدته المملكة. ولعل من أبرز ميزاته مبدأ المساواة بين المستثمرين المحليين والأجانب بدلا من التمييز بينهم كما كان الوضع من قبل. ويتيح  النظام الجديد للمستثمرين بمن فيهم الأجانب الاستثمار في مختلف القطاعات بدلا من الخدمية واللوجستية فقط. كما أكد على تقديم الحوافز التي من شأنها تحفيز الاستثمار. ومن بينها على سبيل المثال القروض الميسرة وحرية نقل الأموال والتأكيد على تطبيق نظام النافذة الواحدة لخدمة المستثمرين. غير أن السؤال المطروح حاليا يتمثل في كيفية تطبيق بنود النظام المذكور على أرض الواقع، لاسيما وأن اللوائح التنفيذية المتعلقة به لم تصدر بعد.

ابراهيم محمد، خبير في الشؤون الاقتصادية والسياسية بمؤسسة دويتشه فيله
ابراهيم محمد: هل يفلح تحسين بيئة الاستثمار في المجالين التشريعي والإداري بجذب الاستثمارات الأجنبية إلى السعودية؟صورة من: Boris Geilert/DW

خطط واعدة، لكن العبرة في التنفيذ

تبدو التحسينات القانونية والإدارية الجديدة مهمة جدا على صعيد تحسين مناخ الاستثمار وجذب الاستثمارات الخاصة. وتأتي هذه الأهمية من اعتبار تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط على رأس أهداف "رؤية 2030" التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان كخطة للتنمية حتى نهاية العقد الجاري. ومن المؤشرات على أهمية ذلك قيام  عشرات الشركات الأجنبية مؤخرا بتأسيس مقرات وفروع لها في السعودية ومباشرة العمل في الأنشطة الترفيهية واللوجستية والاستعداد للعمل في الصناعات التحويلية حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية. ويرى تقرير للمؤسسة أن إعلان المملكة عن خطة للتحول إلى الحياد المناخي الكامل بحلول عام 2060 سيفسح المجال أمام فرص كبيرة للاستثمار في الطاقات المتجددة والمستدامة. ويعتبر إنتاج الهيدروجين أحد أهم الصناعات المستقبلية في السعودية. وتبدو ألمانيا من الدول السباقة للتعاون في هذا المجال إذ يتم حاليا إنشاء مشروع هو الأول من نوعه لإنتاج الهيدروجين الأخضر بمشاركة ألمانية.

تغيير قيادة نيوم: ما مستقبل المشروع وجدواه الاقتصادية؟