تحليل: شبكة قطارات مصر بين خطة طموحة وإدارة فاسدة
٧ ديسمبر ٢٠٢٠تشير نظرة أولية أن قطاع السكك الحديدية ومحطات القطارات في مصر مُقبلة على ما يشبه ثورة تحديث وتطوير في حال إنجاز ما تم التخطيط لها خلال السنوات الأربع القادمة. وتتضمن الخطط الموضوعة بناء خطوط مترو جديدة في القاهرة والإسكندرية بتكلفة تزيد على 8 مليارات دولار. وقال وزير النقل المصري قبل بضعة أيام إن بلاده على وشك إبرام عقد من شركة بكتل الأمريكية لتنفيذ خط الأنفاق السادس في القاهرة بتمويل من كندا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان. ووقعت شركة أوراسكوم المصرية للإنشاءات عقداً لتنفيذ المرحلة الأولى من خط الانفاق الرابع بتمويل ياباني.
أما على صعيد البلاد ككل فإن المشاريع الطموحة التي تم البدء بتنفيذ بعضها فتشمل توسيع شبكات السكك الحديدية في طول البلاد وعرضها بطول يزيد على 5000 كلم وتكاليف تزيد أيضاً على 8 مليارات دولار. وهنا يبرز مشروع إنشاء خط قطار سريع يربط القاهرة والإسكندرية في المرحلة الأولى ثم القاهرة مع أسوان في مرحلة لاحقة. وهناك خط آخر ينبغي أن يربط العلمين غرب على ساحل البحر المتوسط مع عين السخنة على البحر الأحمر. ويشمل التحديث أيضاً محطات القطارات وشبكة السكك الحديدية حول القاهرة وربطها بالعاصمة الجديدة. كما يشمل شراء عربات وقاطرات حديثة ونظم الرقابة والأمان وقطع التبديل وغيرها بالتعاون مع دول مثل هنغاريا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم التعاقد على شراء 1300 عربة من هنغاريا و 40 قاطرة من الولايات المتحدة. وقد بدأت روسيا أيضاً بتزويد مصر بعربات للركاب تم التعاقد عليها في إطار صفقة تضم 1300 عربة بقيمة تزيد على 1.2 مليار دولار.
أخيرا وبعد سنوات كارثية
تأتي برامج التوسع الطموحة هذه بعد سنوات قاسية وصعبة يمكن وصفها بالكارثية على شبكة السكك الحديدية المصرية لأسبابٍ من أبرزها الفساد والإهمال وضعف التحديث والصيانة وقلة الموارد المالية. وقد تخلل هذه السنوات حوادث خطيرة ومؤلمة ودامية خلفت عشرات القتلى والجرحى والأضرار المادية الجسيمة. ومن أكثر الحوادث إيلاماً خلال العامين الماضين ما حصل في محطة القطارات الرئيسية في القاهرة عندما تحطم قطار واندلعت النيران فيها بشكل أدى إلى سقوط 25 قتيلاً وإصابة خمسين بجروح. وفي عام 2017 لوحده سجلت الإحصاءات الرسمية المصرية نحو 1800 حادث على الشبكة. وتعكس هذه الحوادث الحالة الكارثية للقاطرات والعربات التي لا تتم صيانتها بشكل دوري، إضافة إلى ضعف أو غياب إجراءات وأجهزة الأمان والسلامة.
السكك الحديدية المصرية وأهميتها
ومن المفارقة أن ذلك يحصل رغم أن قطاع السكك الحديدية يتسم بكونه قطاعا تقليديا وعريقا في مصر، إذ يعود تاريخ إنشاء أول سكة ربطت القاهرة بالإسكندرية إلى أواسط القرن التاسع عشر. بعد ذلك تطورت شبكة السكك وتوسعت لتربط أهم المدن وتصبح قطاعا حيويا لمصر واقتصادها قبل أن ينالها من الإهمال وسوء الإدارة ما قل مثيله. فهي تخدم سنويا أكثر من 500 مليون راكب وتنقل نحو 6 ملايين طن من البضائع. أما قطاع النقل المصري ككل فيستوعب ما يزيد على 6 بالمائة العاملين ويشكل مصدرا لحوالي 4.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد. من هنا ولأن تقدم الدول وخاصة الكبيرة المساحة والمترامية الأطراف مثل مصر يُقاس أيضا بمدى حداثة شبكة سككها الحديدية، تأتي أهمية التحديث وخطط التوسع الحالية. ومن شأن ذلك أن يعطي لهذا القطاع المزيد من الأهمية للاقتصاد ويخفف من الازدحام والتلوث الذي يكلف الاقتصاد والمجتمع مليارات الدولارات سنويا. لكن السؤال هل تنجح الحكومة المصرية في تنفيذ هذه الخطط والنجاح في تشغيل الشبكة الجديدة بكفاءة عالية؟
أموال تثير شهية الفاسدين
على صعيد التمويل يبدو أن الحكومة المصرية حشدت أموالا ضخمة بحجم يزيد على 16 مليار دولار لتمويل مشاريع المترو والسكك الحديدية وربطها ببعضها البعض. ويأتي قسم من هذه الأموال عن طريق عائدات وقروض محلية، أما القسم الآخر فسيكون على شكل قروض وتسهيلات من دول ومؤسسات مالية أجنبية على رأسها بنك الاستثمار الأوروبي الذي وافق حتى الآن على برامج تمويل في قطاع النقل بقيمة 1.1 مليار يورو حسب وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا الشماط. ويثير إنفاق الأموال التي تم حشدها في مثل كبيرة كمشاريع السكك الحديدية شهية الفاسدين وما أكثرهم في الكثير من الإدارات الحكومية ومن بينها إدارات شبكة السكك الحديدية. وما إقالة مسؤولين كثر والتحقيقات التي شملت العشرات منهم خلال السنوات القليلة الماضية سوى بعض الأدلة على ذلك. وإضافة إلى الفساد تعاني هذه الإدارات من الفلتان والتسيب وغياب ثقافة الانضباط في العمل. ومن هنا فإن السؤال المطروح هل يتم إصلاح الإدارات بشكل يسمح بإنفاق الأموال على المشاريع بكفاءة عالية؟ وفيما عدا ذلك فإن قسما كبيرا من الأموال سيجد طريقه إلى جيوب الفاسدين وأعوانهم عن طريق صفقات شراء مستلزمات المشاريع بنوعية رديئة وتنفيذ العقود بشروط لا تلبي المواصفات المطلوبة.
أين تكمن أولويات الإصلاح؟
تفيد خبرات السنوات القليلة الماضية أن التركيز يحصل على إقالة هذا الشخص أو ذلك من المسؤولية عقب الحوادث المؤلمة. أما عملية إصلاح أليات العمل الإدارية التي تشكل أرضا خصبة للفساد فيتم تناسيها أو تسير بشكل بطئ لا يتناسب وحجم التحديات القائمة. ومن هنا فإن تسريع وتيرة الإصلاح هذه بمساعدة دول لديها خبرات رائدة في إدارة السكك الحديدية مثل اليابان والصين وألمانيا ينبغي ان يكون من الأولويات في المرحلة القادمة. ومن ضرورات هذا الإصلاح أيضا أن قسما من المشاريع مطروح للتنفيذ والتشغيل من قبل القطاع الخاص حسب نظام بي او ت/ BOT. ومما يعنيه ذلك أن مستثمري القطاع الخاص سيمولون هذه المشاريع وينفذونها مقابل منحهم حق تشغيلها واستغلالها تجاريا لمدة معينة عادة ما تكون عشرين سنة على صعيد مشاريع البنية التحتية الكبيرة. وبعد انقضاء فترة التشغيل هذه تعود ملكية المشاريع للدولة.
ومن المعروف أن مثل هذه المشاريع التي ينبغي أن تعمل بكفاءة وربحية عالية لاسترجاع رأس المال الخاص المستثمر فيها مع أعلى نسبة ممكنة من الأرباح، يمكن أن تكون مثالا يُحتذي في حال تمكنت الإدارات المعنية من توقيع عقود تشمل البناء بالمواصفات المطلوبة والقيام بالتحديث والتطوير والصيانة الدورية خلال فترة التشغيل. وفيما عدا ذلك فإن الدولة ستستلمها بعد انتهاء العقود وهي في حالة مزرية كما حدث في دول عديدة بينها بريطانيا ونيوزيلاندا وألمانيا من خلال تجارب خصخصة العديد من مؤسسات القطاع العام.
ابراهيم محمد