على منوال ترامب ـ جدار فاصل بين إسبانيا والمغرب!
٥ يونيو ٢٠١٩"نريد أن نبني جدارا بين إسبانيا والمغرب..وسيدفع المغرب تكلفة بنائه" تصريحات أطلقها زعيم حزب فوكس الاسباني سنتياغو اباسكال، في حملة حزبه اليميني الشعبوي في الانتخابات الأوروبية الأخيرة وزاد تثبيتها في كتاب صدر قبل أيام في مدريد بعنوان "سانتياغو اباسكال..اسبانيا المسنودة" عن دار النشر بلانيت.
يتضمن الكتاب حوارا مطولا أجراه الكتاب الاسباني فرناندو سانشيز دراغو مع السياسي اليميني الشعبوي الذي بدأ نجمه يصعد في الآونة الأخيرة بإسبانيا، ويقدم ملامح زعيم شعبوي أوروبي، يستلهم توجهاته من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ما يزال يعاند التيار في بلاده، من أجل إقامة جدار فاصل مع المكسيك بهدف منع الهجرة غير الشرعية.
دعوة اباسكال قد تبدو سريالية عندما يلاحظ المرء الفارق الكبير على الأقل في الجغرافيا بين حدود برية تفصل المكسيك مع الولايات المتحدة، ومضيق جبل طارق الذي يفصل إسبانيا عن المغرب.. بيد أن السياسي اليميني الإسباني يريد إقامة الجدار ليفصل مدينتي سبتة ومليلية عن محيطهما البري المغربي. وبذلك لن يكون فقط قد عمّق الحواجز ومعها الخلافات بين الجارين الأوروبي والشمال أفريقي، حول ملف الهجرة، بل أيقظ بينهما مخزون قرون من النزاعات والتراكمات.
مخاطر مشروع "فوكس" الإسباني
حصل حزب فوكس الاسباني مؤخرا في انتخابات البرلمان الأوروبي وأقاليم اسبانيا على ثلاثة 3 في المائة، وذلك أسابيع قليلة بعد تحقيقه اختراقا تاريخيا بنسبة تفوق 10 في المائة من مقاعد البرلمان الإسباني..
يعتبر فوكس أحدث حزب شعبوي أوروبي يصعد إلى حلبة الصراع المحتدم حول وحدة أوروبا ومستقبلها، ويكتسي صعوده مخاطر ثقافية وتاريخية تفوق بكثير نظرائه الأوروبيين. ذلك أن هذا الحزب لا يتوقف عند العزف على قضايا الهجرة وأسلمة أوروبا، بل يسعى لإيقاظ جراح غائرة من التوترات الدينية والتاريخية بين إسبانيا وجوارها المغربي. وهي قضية حساسة لطالما حاولت إسبانيا الحديثة تفاديها.
بدأ اباسكال مسيرة حزبه من إقليم الأندلس، وهو يريد الآن أن يحول الإقليم من جسر ثقافي وحضاري وبشري بين إسبانيا ومحيطها المغاربي، إلى بؤرة للصراع والمواجهة. وهنا تكمن خطورة مشروعه في نظر المغاربة. فهو لا يريد فقط "وقف زحف الهجرة" المغربية، بل يسعى إلى تعبئة الإسبان ضد "المورو" وهي عبارة تستمد جذورها من التاريخ الموريسكي بإسبانيا، ولا تخلو من إيحاءات عنصرية ضد سكان شمال أفريقيا.
وبذلك لن تكون تداعيات صعود الحزب اليميني الشعبوي وحسب على أوضاع المهاجرين المغاربة في إسبانيا الذين يناهز عددهم مليون شخص، حوالي 20 في المائة منهم في وضعية غير قانونية، بل أيضا على العلاقات المتشابكة بين البلدين. علاقات وصفها جوزيف بوريل وزير الخارجية الاسباني في زيارته بداية هذا الأسبوع إلى الرباط، بعلاقة "شراكة استراتيجية"، وهي علاقات مرشحة إلى أن تشهد تحسنا مع عودة الاشتراكيين للحكم في إسبانيا، ما لم يحدث ما يكدِّرها، خصوصا في ملف الهجرة المتحرك، اذ تشكل اسبانيا بوابة رئيسية للوافدين إلى أوروبا بطرق غير شرعية (حوالي 57 ألف مهاجر غير شرعي في عام 2018) ومعظمهم يتسللون من المغرب عبر الحدود البرية مع جيبي سبتة ومليلية ومضيق جبل طارق.
وبرأي خبراء فان مشروع حزب فوكس الاسباني لا يضاهيه أوروبيا سوى اليمين الشعبوي والمتطرف في ألمانيا، الذي يحاول إيقاظ المشاعر القومية العنصرية والنازية التي طالما كافحت ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية من أجل محوها. وقد ذهبت الكاتبة الصحفية ايلكه بوديراس في تعليق لها بصحيفة "دي فيلت" الألمانية (18 مارس / آذار 2019) للقول بأن "فوكس" الاسباني شبيه بـ "حزب البديل من أجل ألمانيا".
وقد حقق الحزبان اليمينيان اختراقات تاريخية مستخدما شعارات عاطفية لاستمالة الناخبين الأوروبيين المتذمرين من أزمات الهجرة والاقتصاد، مستفيدين من تراجع الحزبين "المسيحي الديمقراطي" بألمانيا و"الشعبي" بإسبانيا، ويشترك الحزبان الشعبويان في سعيهما إلى طرد المهاجرين ومناهضة الإسلام ودعوتهما إلى "هوية قومية أوروبية".
وفي إسبانيا تتزايد مخاوف المهاجرين المغاربة والمسلمين بشكل عام من حزب "فوكس"، كما هي مخاوف المهاجرين والمسلمين وقلق اليهود من حزب "البديل" في ألمانيا.
لاعب أمريكي في الحديقة الخلفية لأوروبا
وثمة بُعد آخر، يضفي مزيدا من القلق من مشاريع حزب فوكس الإسباني ونظرائه الأوروبيين. دخول لاعب من الوزن الثقيل، من العيار الأمريكي الرسمي عبر الرئيس دونالد ترامب أو عبر واجهات غير رسمية على غرار ما يقوم به كبير مستشاري الأمن القومي السابق ستيفان بانون، يكشف إلى أي حد تبدو معركة الشعبويين ضد دعاة الوحدة الأوروبية من ليبراليين ويساريين، بأنها ليست مجرد صراع ديَكة، بل معركة مصيرية بالنسبة للوحدة الأوروبية. فها هي إحدى جدران الكيان الأوروبي تهتز بالبريكسيت، ومعها تتوالى تغريدات ترامب المليئة بالبهجة والشماتة في زعماء أوروبا، وخصوصا المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا بل إنه (ترامب) يشترط على المملكة المتحدة الآن إتمام طلاقها مع الاتحاد الأوروبي، كي يبرم معها "اتفاقا تجاريا عظيما".
ومع كل موعد انتخابي جديد تتواتر اختراقات اليمين الشعبوي، حتى بات قوة سياسية رئيسية في البرلمان الأوروبي. ومن وراء تلك الاختراقات تدور آلة انتخابية ودعائية بدون هوادة، ويعدُّ ستيفان بانون أحد أبرز عازفيها.
فمنذ إقالته من إدارة الرئيس ترامب، إختار بانون، منظِّر تيار المحافظين الأمريكيين الجدد، أن يستقر في إيطاليا، ويقدم مشورته وخدماته من أجل دعم شعبويي حزب استقلال المملكة المتحدة بزعامة نايغل فاراج، و"الرابطة" الإيطالية بزعامة نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، و"التجمع الوطني"الفرنسي بزعامة مارين لوبان، و"البديل" الألماني، وحزب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وآخرين.
ويضع بانون حزب "فوكس" بزعامة سانتياغو اباسكال، في صلب أجندته الأوروبية. ويعتبر الحزب الإسباني من أكثر الأحزاب الشعبوية الأوروبية تأثرا بالتيار المحافظ الأمريكي، ومثابرة في تنفيذ الاستراتيجية السياسية والدعائية التي يرسمها بانون من أكاديميته التي أسسها حديثا ويعتزم أن يكون مقرها قصر يقع قرب روما بديرة كنسية تعود إلى القرن الثالث عشر ميلادي، وخصص لها ميزانية بملايين اليوروهات. وتهدف الأكاديمية إلى إرساء مشروع غربي قائم على الثقافة المسيحية-اليهودية، اعتمادا على تكوين جيل جديد مناهض للنخب السياسية التي تتداول على حكم أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وما يلفت نظر المراقبين هو أن سرعة وكثافة تحرك الشعبويين الأوروبيين وداعميهم من خارج أوروبا، تبدو أكثر فعالية من رد فعل النخب والأحزاب السياسية الأوروبية، ناهيك عن بلدان الجوار الأوروبي التي ستتأثر دون شك بأي تداعيات يخلفها صعود اليمين الشعبوي. فهل ينتظرون أن تقع الفأس في الرأس وأن يُشيَّدَ الجدار؟