تداعيات اقتصادية محتملة لازمة الرسوم الكاريكاتورية
من الصعب التنبؤ بحجم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن ردود الأفعال الغاضبة على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد. غير أن نظرة على هذه الردود التي فاقت التصورات في بعض المدن والعواصم العربية والإسلامية تظهر مدى العداء للغرب في العالم العربي والإسلامي. ومما لا شك فيه إن الكثيرين هناك يترجمون هذا العداء في رفض كل ما هو غربي. ومن هنا تأتي خطورة الأمر على العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا وأوروبا من جهة وبين العالم العربي والإسلامي من جهة أخرى.
ترافق الاحتجاجات العارمة التي يشهدها العالم العربي والإسلامي على نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد دعوات إلى مقاطعة البضائع الغربية. وتبدو الدانمرك الدولة الوحيدة التي تأثرت بهذه المقاطعة حتى الآن. فقد أعلنت العديد من شركات الأغذية هناك أنها تخسر يوميا ملايين الدولارات بسبب رفع منتجاتها من أسواق بلدان الخليج العربية ودول أخرى. وقدر بعض الخبراء احتمال وصول خسائرها السنوية إلى نحو 1.6 مليار دولار جراء ذلك.
الخسائر قد لا تقتصر على الدانمرك
غير أن الخسائر قد لا تقتصر على الدانمرك مع استمرار الاحتجاجات وتكرار الدعوات إلى مقاطعة بضائع الدول التي قامت صحفها بنشر الرسوم الكاريكاتورية ومن بينها ألمانيا. ومما يعنيه ذلك أن العديد من السلع الاستهلاكية اليومية الألمانية التي تُباع في أسواق الدول العربية والإسلامية قد لا تجد شاريا في المدى القريب. غير أن الجيد بالنسبة إلى ألمانيا أن مثل هذه السلع لا تشكل سوى نسبة متواضعة من منتجاتها في هذه الأسواق. أما الغالبية الساحقة منها فهي الآلات وتجهيزات ووسائل اتصال ومواصلات وأدوية لا يمكن الاستغناء عنها بسهولة. كما أن إيجاد بدائل عنها يتطلب وقتا طويلا لاسيما ما يتعلق منها بتجهيزات مشاريع الطاقة والمياه والطرق والمطارات وغيرها في مجالات البنية التحتية.
ألمانيا قد تكون أول الخاسرين
تكمن خطورة الوضع على تجارة ألمانيا مع العالم العربي والإسلامي من احتمال إيجاد بدائل لمنتجاتها ولو جزئيا على المدى الطويل. لكن هذا الأمر مرتبط بعدة عوامل مثل استمرار النزاع بشأن الرسوم الكاريكاتورية وتراجع سمعة ألمانيا الطيبة حتى الآن هناك. وعلى الرغم من عدم ظهور مخاطر مقاطعة على منتجاتها حتى الآن، فإن أجواء التوتر عرقلت حركة رجال الأعمال ورؤوس الأموال خلال الأيام الماضية بين أوروبا والعالم الإسلامي.
وهناك أيضا خطر آخر أصبح أقرب إلى الواقع وهو خطر احتمال فرض عقوبات اقتصادية على إيران. ففي هذه الحالة ستكون الشركات الألمانية أكبر الخاسرين كون السوق الإيرانية أهم أسواقها في منطقة الشرق الأوسط. فقد بلغت قيمة مبيعاتها هناك 4.5 مليار يورو خلال العام الماضي. أما مبيعات الشركات الألمانية في الأسواق العربية فبلغت أكثر من 16 مليار يورو خلال عام 2004. وإضافة إلى أضرار المقاطعة فإن أجواء التوتر القائمة بين الشرق والغرب تؤثر على أسعار النفط التي ترتفع وتؤثر سلبيا على الاقتصاد الألماني والأوروبي بشكل سلبي للغاية.
أضرار على الجانب العربي كذلك
غير أن أضرار المقاطعة ستلحق أضرارا كبيرة بالعالم العربي والإسلامي كذلك. فالعديد من بلدانه مثلا تعتمد على السياحة الأوروبية كأحد أهم مصادر الدخل فيها. وتُعتبر السياحة الألمانية الأهم بين السياحات الأوروبية بالنسبة إلى بلدان مثل تونس ومصر والمغرب. وبالنسبة للدول العربية ككل فإن نحو من نصف تبادلها التجاري الذي بلغ نحو 640 مليار دولار عام 2004 يتم مع الاتحاد الأوروبي. ويزداد هذا الأمر أهمية بالنسبة لدول شمال أفريقيا التي يقارب حجم هذا التبادل معه حدود الثلثين.
التوجه شرقا على حساب الغرب
إنطلاقا من المصالح المشتركة بين الطرفين فإن كل منهما سيكون حريصا على عودة العلاقات الاقتصادية إلى مجراها الطبيعي حالما بردت أجواء التوتر القائمة حاليا. غير أن الفشل في ذلك سيدفع البلدان العربية والإسلامية إلى التوجه بشكل أكبر نحو بلدان شرق آسيا وفي مقدمتها الصين بحثا عن بدائل لعلاقاتها الاقتصادية مع أوروبا. وتشير المعطيات إلى أن هذا التوجه موجود أصلا دون توتر مع الغرب فكيف في حال وجوده واستمراره. ويدل على ذلك تطور حجم التبادل التجاري بين بكين والعالم العربي. فقد ارتفعت قيمته إلى عشرة أمثالها منذ عام 1994 لتصل إلى نحو 37 مليار دولار خلال عام 2004. ويتوقع المراقبون وصوله إلى 100 مليار دور خلال السنوات الخمس القادمة. ومما لاشك فيه أن هذا التوجه نحو الشرق لن يكون دون المساس بمصالح ألمانيا وأوربا الاقتصادية في العالم العربي.