--
٨ نوفمبر ٢٠٠٩شارك 17 كاتباً من 15 دولة في المشروع الذي نظمه معهد غوته تحت شعار "بعد سقوط الجدار"، ووقع الاختيار على 7 مسرحيات لعرضها في ألمانيا. إحدى تلك المسرحيات هي مسرحية "أنتيدوت" أو "المادة المضادة" للمخرجة الملدافية نيكوليتا إيسينينسكو. مسرحية نيكوليتا كانت مليئة بالعبارات والمواقف التي تحاول من خلالها أن تعطي صورة عن التناقض الكبير بين الآمال التي كانت مبنية على زوال الجدار وانهيار الأنظمة الشمولية في بلدان الاتحاد السوفيتي سابقاً وبين الواقع السائد اليوم في تلك البلدان: من مشاهد المسرحية مثلاً شخصية تقول:
"أنت في العاشرة من عمرك، والمعلمة تضرب أصابعك بالمسطرة، وتجبرين على كتابة رسالة سلام كل أسبوع، أنت في العاشرة من عمرك ويمكنك أن تفكي بندقية كالاشنيكوف وتركبيها في ثلاث دقائق ، وأنت تعرفين كيف يوضع قناع واق من الغاز السام في لمح البصر".
الكاتبة الملدافية نيكوليتا إيسينينسكو تضمن مسرحيتها " المادة المضادة" صوراً تريد أن تبرز من خلالها أن الوضع في بلادها لم يطرأ عليه أي تغير منذ سقوط الجدار، وأن الشعب ما يزال يعيش في دولة شمولية .
.
الفهم الخاطئ للديمقراطية
ومن النواحي الهامة، التي تعالجها الكاتبة إيسينينسكو في مسرحيتها هو الفهم الخاطئ لمعنى الديمقراطية. وهي تشن هجوماً على سلطات الدولة وعلى الأوضاع بعد سقوط الجدار وعلى الخطر الذري والإرهاب، الذي تولده مكافحة الإرهاب وتقول: "في بلادنا ما يزال كل شيء على عهده القديم وليس لدينا ديمقراطية فعلية "، وتضيف: "لا بل إن بعض الأمور ازداد سوءاً ".
وتشرح نيكوليتا إيسينينسكو كيف أنها تجد أن الأوضاع ازدادت سوءاً قائلة: "قبل ذلك كان كل شيء ممنوعاً. أما الآن، فالناس يظنون أن الديمقراطية هي أنه بإمكانهم أن يفعلوا ما يشاءون، و حتى أن يقتلوا شخصاً ما. وهذا تفسير عجيب للديمقراطية". ولا يقتصر هذا التفسير على وطن الكاتبة الملدافية على حد قولها، بل هي تجده منتشراً أيضاً في العديد من بلدان الاتحاد السوفيتي سابقاً.
التلوث الفكري
وتصور الكاتبة الشابة نيكوليتا إيسينينسكو المولودة عام 1978 في مسرحيتها أوضاعاً تعكس فيها وجوه الأوضاع الكارثية بدءاً بالقتل الجماعي بالغاز في المحرقة النازية أوشفيتس، ومروراً بكارثة تشرنوبيل الذرية، ووصولاً إلى الانتحار عن طريق موقد الغاز الخاص في المطبخ. وهي تستخدم عبارة "السم غير المرئي " كتورية للتلوث الفكري، الذي تتحدث عنه لتصور أوضاعاً خانقة لا مخرج منها.
ولكي تنقل المشاهدين إلى تلك الأجواء المظلمة القاتمة، يقوم الممثلون لدى ظهورهم فوق خشبة المسرح برش الجدران بألوان عشوائية نافذة الرائحة، وتتسرب هذه الرائحة إلى أنوف الحاضرين، فيتخيلون أنهم في جو خانق يتعذر عليهم التنفس فيه.
"المكان لا يتسع للجميع"
أما المسرحية التي قدمها الكاتب الألماني الشرقي ديرك لاوكه من مواليد عام 1982، فهي تحمل عنوان"المكان لا يتسع للجميع". و ينهال فيها بوابل من النقد للأوضاع في بلاده.
أبطال المسرحية أشخاص فاشلون، من بينهم جو وأنًا، اللذان يكسبان عيشهما من تهريب السجائر، وهناك أيضاً هاينر، الذي يمثل دور شخصية ألمانية شرقية، باتت تعرف بعد إعادة الوحدة الألمانية بتعبير الأوسي "Ossi" الذي يستهدف التمييز بين الألمان من شطري البلاد.
هاينر قام بعد سقوط الجدار وإعادة الوحدة بتصليح دبابة قديمة، يجلس إلى جانبها في منطقة قفراء على مقربة من الحدود التشيكية، ويحلم بأيام الحياة العسكرية، ثم تظهر سيارة شاحنة على متنها مجموعة من اللاجئين الآسيويين المهربين، عندئذ ينشب خلاف يستخدم فيه هاينر شتائم بعبارات منتشرة في أوساط النازيين الجدد. لكن جو، الذي ينحدر من الغرب الألماني يظهر شيئاً من التعاطف مع اللاجئين، الذين يتركون في النهاية لمصيرهم ويموتون داخل الشاحنة.
في هذه المسرحية يكتشف الفاشلون في عملية إعادة الوحدة، الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا أن هناك من هم أضعف منهم، ويحتدم الجدل ليقول أحدهم في النهاية إن سقوط الجدار لم ينتج سوى الهراء الوطني، لأن انتعاش الاعتزاز الوطني والإرادة لحمل الهوية الألمانية هي قبل كل شيء مسألة وفاق وطني.
خوف جديد من الغرباء
عندما تم الإعلان عن فكرة المشروع حاول بعض الكتاب الأوروبيين المشاركين في المشروع معالجة مشاكل الهجرة والحدود والعولمة بعد سقوط الجدار، ومن بينهم الكاتب الدانماركي كريستيان لوليكه، الذي يقول عندما سقط الجدار تفاءل الناس في بلاده "بنشوء عالم واحد"، لكن التطورات التي تلت هذا الحدث أثارت لديهم مشاعر الخوف، إذ سقطت كل أنواع الحدود الممكنة"، وشعرنا فجأة بالخوف واكتشفنا أننا مجتمع ضيق الأفق يرفض الحصول على نبضات من الخارج".
لقد ألقى هذا المشروع المسرحي الضوء على العديد من النواحي والنقاط، التي لم تلاق الاهتمام الكافي حتى الآن، وقد أظهر منظم المهرجان من معهد جوته مارتن بيرغ التفاؤل في نجاح الفكرة ومقدرتها على الاستمرار قائلا: "أعتقد أن المخرجين المسرحيين الأوروبيين لاحظوا وجود إرادة لديهم لتعزيز التعاون على نطاق أوسع".
وقد دعيت المخرجة الملدافية من قبل بولندا والدانمارك لتقديم مسرحيتها هناك. لكنها غير متفائلة بما إذا كان هذا سيغير الأوضاع في بلادها لأن أصواتاً ناقدة كصوتها، كما تقول، لا تسمع برغبة وتضيف: "لدي اتصالات بمسارح في أوروبا لكن ليس لدي اتصالات في الوطن".
الكاتب: أيا باخ/ منى صالح
مراجعة: سمر كرم