تراجع داعش عسكريا وماليا.. هل يفقده جاذبيته للشباب؟
١٠ يونيو ٢٠١٦منذ أشهر وتنظيم ما يسمى "بالدولة الإسلامية" يعاني من تراجع عسكري وإعلامي ومالي كبير نتيجة للضربات التي يتلقاه التنظيم من جانب التحالف الدولي في العراق وسوريا إلى جانب تحرك قوى عسكرية أعدت وجهزت لمواجهة هذا التنظيم الشرس ليس في فكره فحسب، بل أيضا في ممارسته للعنف والذي أظهر أن لا حدود له في هذا التنظيم الذي ولد في رحم تنظيم القاعدة. داعش فقد أكثر من 40% من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، كما فقد التنظيم الكثير من مصادره المالية بعد خسارته الأراضي التي كانت تتواجد فيها أبار النفط أو مصانع تكريره.
إلى ذلك تم بنجاح ملحوظ مراقبة تجارة النفط التي يمارسها وكلاء داعش في دول المنطقة ما ساهم في تراجع واردات تنظيم "الدولة". ومؤخرا ذكرت مصادر ليبية أن قوات لبيبة دخلت مركز مدينة سرت، أبرز معاقل داعش في ليبيا، وبذلك يتواجد التنظيم المتشدد في حالة ترادج أيضا في منطقة شمال أفريقيا، حيث كانت التوقعات كبيرة بانتشار سريع وواسع للتنظيم في تلك المنطقة، نظرا لظروف بعض دولها مثل ليبيا.
وعلى ضوء هذا التراجع يطرح السؤال نفسه هل سيفقد داعش سحره وجاذبيته بالنسبة للشباب في المنطقة العربية وفي اوروبا؟
الضربات العسكرية تأتي أوكُلُها
يعتقد الدكتور عبداللطيف الحناشي، أستاذ تاريخ الفكر السياسي المعاصر بجامعة تونس "بطبيعة الحال أن ما حصل من تراجع، على الأقل على الأرض أولا، وثانيا فقدان هذا التنظيم لموارد مالية هامة جدا، كما تعلمون فإن داعش وفي كل مناطق سيطرته كان يسيطر أولا على المعابر الحدودية في مناطق توسعه و ثم يسيطر على مراكز إنتاج الطاقة، لكنها فقدت هذه المناطق والتي كانت تشكل مصدرا ماليا مهما، خاصة لاستقطاب الشباب ونشر الخلايا في كل مكان تقريبا".
ويتابع الخبير السياسي التونسي قائلا "وطبعا كان الوضع المالي للتنظيم يسمح بجذب الشباب إليه". ويشير المتحدث إلى أن غلق الحدود التركية السورية قد لعب دورا كبيرا في التأثير على داعش، حيث كانت هذه الحدود إلى جانب الحدود السورية الأردنية والحدود السورية العراقية مناطق تسرب من وإلى داعش. يضيف الدكتور الحناشي "ولكن على المستوى السيكولوجي والثقافي فإن هذه الخسائر المتنوعة والمتشعبة والممتدة والمكثفة تؤثر على رؤية الشباب نحو هذه المجموعات، لأنها داعش لم تكن هذا "السوبرمان" الذي كانت تعتقده والذي كان "لا يقهر"، حسب تعبيره.
ويعتقد الدكتور الحناشي أن الشباب سيكتشف أن هذا التنظيم قد تمكن في "لحظات غامضة وفي ظروف غير معروفة وبمساعدة لوجستية ومادية وتسليح ومن خلال تحالفات غريبة، من التوسع على مساحات شاسعة في عدة دول، ما جذب إليه عدد هام جدا من الشباب، ليس فقط الشباب العربي أو الإسلامي، وإنما من بلدان أوروبا أيضا"، حيث انخرط عدد كبير جدا من شباب الدول الأوروبية في صفوف هذه المجموعات باعتبارها تمثل نوعا من "الثورية المتميزة" والتي تعد "بالجنة الموعدة" سواء على الأرض حاليا أو بعد الحياة على الأرض.
أسباب تراجع داعش متشعبة ومتنوعة
ولذلك يعتقد الدكتور الحناشي أن العوامل المذكورة، أي أسباب تراجع داعش المتنوعة والمتشعبة، قد ساهمت في تراجع نسبة الشباب المنخرطين في صفوف هذه المجموعات المتشددة.
ويشير الدكتور عبداللطيف الحناشي إلى قضية مهمة بهذا الصدد والتي تتعلق بالإجراءات الوقائية التي اتخذتها دول أوربية عديدة لمنع انزلاق شبابها إلى التطرف ومن ثم الوقوع في أحضان التنظيم المتشدد " الدولة الإسلامية" أو تنظيمات متشددة أخرى.
ويقول الحناشي إن هذه الإجراءات قد منعت الكثيرين من الشباب من السفر إلى مناطق داعش. كما لعبت الأنباء الواردة من تلك المناطق والتي تتحدث عن معاناة سكان المناطق الداعشية دورا كبيرا في خلق وعي جديد نقدي لدعاية هذه التنظيمات المتشددة.
في هذا السياق يقول الحناشي " لقد أصبحنا ألان نسمع عن هروب أعداد كبيرة من هؤلاء، حتى من ساحات المعارك إلى جانب إعدام عدد غير قليل من الشباب من قبل قيادات داعش، لأن هؤلاء الشباب شعروا، خاصة بعد هذه الخسائر التي مني بها التنظيم، بعدم جدوى العمل معه وبدأت عملية مراجعة لمواقفهم، وفي نهاية المطاف يرغب الكثير من الشباب من ترك صفوف داعش والعودة إلى حياة المدنية.
داعش يتأثر بالضربات لكن فكره سيبقى
بيد أن الضربات العسكرية الجوية منها والأرضية لم تقضي على فكر داعش، بل قد تساهم في دحر هذا التنظيم أجلا او عاجلا، إلا ان فكره المتطرف سيولد تنظيما أكثر تطرفا وأكثر تشددا، كما يقول الأستاذ مروان أبو طعام الخبير الأمني لدى مكتب مكافحة الإجرام بولاية راينلاند فالتس ويضيف "حسب ما أرى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش يجد نفسه في محنة كبيرة ولها أسباب عديدة، أهمها الضربات العسكرية التي يتلقاه، ولكن هناك ضربات إعلامية كبيرة تعرض له التنظيم إلى جانب ضربا مالية".
ويعتقد الخبير الأمني أنه على المدى القصير يمكن أن تكون تلك الضربات موجعة لداعش. ولكن على المدى الطويل يرى الأمور بشكل مغاير. فطالما بقيت الأسباب التي ولدت داعش قائمة، فأن هذا التنظيم سيفرخ تنظيما أكثر عنفا وبشاعة من داعش نفسه، حسب تعبير أبو طعام.
يذكر أن داعش شكل نقلة نوعية كبيرة فيما يخص ممارسة العنف بالنسبة للمنظمات الإرهابية على خلفية دينية، مثل القاعدة. فتنظيم القاعدة يعتبر رحيما مقارنة ببشاعة وعنف داعش. على هذا الأساس يمكن "لفيروس داعش الشيطاني" أن يفرز فيروسا أكثر شيطانية، أي أكثر راديكالية وأكثر عنفا.
ويشير أبو طعام إلى أن أسباب ظهور الراديكالية الإسلامية في الشرق الأوسط مازالت موجودة، فالشرق الأوسط يشهد صراعا طائفيا عنيفا يتمثل في الصراع بين دولتين أساسيتين في المنطقة هما إيران والمملكة العربية السعودية. وهذا الصراع يدفع بالشباب في المنطقة إلى أحضان الفكر الراديكالي الديني. وهذا الصراع لن ينتهي بضرب داعش عسكريا.
التطرف يبقى مرض الشباب في أوروبا
بيد أن الخبير أبو طعام يفسر جاذبية تنظيم داعش لشباب من دول أوروبية بالقول "إن أسباب هذه الجاذبية موجودة داخل الدول الأوروبية. وإذا أخذنا الشباب المتورط في الفكر المتطرف الديني في ألمانيا كنموذج نلاحظ أن الشباب الذين ينخرطون في صفوف هذا التنظيم المتشدد كانوا من قبل في دوامة بشأن هويته الدينية أو الفكر الديني عموما وذلك لكون المسلمين يشكلون أقلية في ألمانيا".
وهذا يعني بعبارة أخرى، أنه حتى إذا انقرض تنظيم داعش، إلا أن أسباب الراديكالية الدينية أو الإسلامية مازالت موجودة وقائمة في الدول الأوروبية، حسب رأي المتحدث مروان أبو طعام.
ولهذا يعتقد الأستاذ مروان أن ميول التطرف بين الشباب تبقى قائمة، طالما بقيت الأسباب التي تؤدي إلى التطرف قائمة أيضا. ويسوق المتحدث نموذجا آخر من التطرف وهو التطرف القومي، حيث يميل الشباب التركي مثلا إلى التطرف القومي، مقابل ذلك يميل الشباب الكردي في ألمانيا أيضا إلى التطرف القومي الكردي.