ما سبب استمرار تراجع سيادة القانون حول العالم؟
٢٨ أكتوبر ٢٠٢٢فيما كانت العائلة جالسة تشاهد التلفاز مساء، فجأة ظهر رجال مسلحون أمام الباب، وداهموا البيت وفتشوه. كانوا رجال شرطة وجنودا بلباس مدني، اعنقلوا اخيها وابن عمه، ثم غادروا في حافلة صغيرة بدون لوحة مرور.
هكذا تروي الصحافية الأوغندية التي تعيش في الولايات المتحدة ريمي باهاتي، ما حصل لعائلتها بمدينة فورت بورتال في غربي أوغندا بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول. وتقول في حوار مع DW: "في البداية كان علينا الانتظار 48 ساعة (لنرى التهمة)، فحسب القانون يجب الادعاء أمام المحكمة على شخص متهم بارتكاب جرم خلال 48 ساعة من اعتقاله. لكن هذا لم يحصل" ضد الشخصين الذي تم اعتقالهما بشكل تعسفي ودون ادلة على ارتكاب جرم ما.
تعتقد باهاتي، أن الحكومة الأوغندية تريد أن تنتقم منها من خلال اعتقال شقيقها، وتوضح ذلك بالقول "قمت بالبحث في بعض القضايا التي لم تعجب الحكومة" مشيرة إلى مشروع خط أنابيب النفط المثير للجدل والذي ينبغي أن يعبر الأراضي الأغندية لينتهي في تنزانيا.
هل هناك التزام بالقوانين؟
ما روته الصحافية الأوغندية لـ DW هو نموذج لإساءة استعمال السلطة وانتهاك الحقوق الأساسية وغياب محاكمة قانونية. باختصار: إنه غياب لدولة القانون في أوغندا، وما يؤكد ذلك هو مؤشر سيادة القانون لعام 2022. حيث احتلت المرتبة 128 من أصل 140 دولة. وخاصة غياب ضمان الحقوق الأساسية والانتشار الواسع للفساد، دفع بالبلاد إلى المراتب المتدنية على المؤشر العالمي.
منذ عام 2009 تضع المنظمة غير الربحية "مشروع العدالة العالمية" مؤشرا لتطور سيادة القانون حول العالم بناء على ثمانية عوامل. وخلال وضع مؤشر هذا العام 2022، تم استطلاع رأي 154 ألف عائلة و3600 خبير قانوني. ويتفق الخبراء على أن دولة القانون هي تلك الدولة التي تختلف عن أوغندا دولة الصحافية ريمي باهاتي، إنها دولة تلتزم بالقوانين وتحترمها.
ألمانيا تحتل المرتبة السادسة عالميا
يمكن، وعلى التوالي، اعتبار الدول التالية نموذجا يحتذى، وهي: الدنمارك، النرويج، فنلندا، السويد وهولندا. إذ احتلت هذه الدول المراتب الخمس الأولى على المؤشر العالمي لسيادة القانون لعام 2022. فيما احتلت ألمانيا المرتبة السادسة، إذ لم تحقق نقاطا جيدة فيما يتعلق بانفتاح الحكومة والإدارات الرسمية وخاصة على الصحافيين.
وعلى نطاق الاتحاد الأوروبي، حصلت هنغاريا على أسوأ النقاط واحتلت المرتبة الأخيرة بين دول الاتحاد. أما نهاية المؤشر فكانت من نصيب هايتي وجمهورية الدومينيكان وكونغو وأفغانستان وكمبوديا، والمرتبة 140 الأخيرة كانت من نصيب فنزويلا. ففي هذه الدول لا يتم ضمان وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين بما يكفي ولا تتم مراقبة أعمال وتصرفات الحكومة.
ومثال الصين، يظهر أن دولا تحتل المراتب المتأخرة من وسط المؤشر، تعاني من ضعف سيادة القانون. فالصين صحيح أنها حصلت على نقاط جيدة فيما يتعلق بمكافحة الفساد وتحقيق الأمن والنظام، لكنها احتلت مرتبة متأخرةفيما يتعلق بحماية الحقوق الأساسية وتوزيع السلطات.
ضعف دولة القانون
حسب تحليل مؤسسة "مشروع العدالة العالمية" فإن سيادة القانون تراجعت في 60 بالمائة من الدول خلال العام الماضي، وبذلك تكون هذه السيادة تراجعت للعام الخامس على التوالي حول العالم.
وتوضح ذلك مديرة المؤسسة، أليزابيث أندرسن بالقول: "التوجهات الاستبدادية التي سبقت وباء كورونا، تستمر في تقويض سيادة القانون" وتضيف: "مراقبة سلطة الحكومة تصبح أضعف وتزداد انتهاكات حقوق الإنسان".
العدالة والديمقراطية
إن إجراءات مكافحة وباء كورونا مثل الحد من حرية الحركة والصلاحيات الطارئة الممنوحة للحكومات منذ عام 2020، قوضت سيادة القانون في الكثير من البلدان حول العالم. صحيح أن تراجع سيادة القانون قد تباطئ الآن، ولكنه لا يزال مستمرا.
"نحن نتجاوز الأزمة الصحية، ولكننا لا نتجاوز أزمة دولة القانون"، تقول أندرسن، وتضيف: "يعيش اليوم 4,4 مليار شخص حول العالم في بلدان أصبحت فيها سيادة القانون أضعف من العام الماضي. وجوهر دولة القانون حسب أندرسن، هو العدالة، أي المساواة وتمتع الجميع بنفس الحقوق. وإن "عالما أقل عدلا، سيكون عالما أقل استقرار"بشكل حتمي حسب أندرسن.
بقاء الخوف
وبالنسبة للصحافية ريمي باهاتي، كان لغياب سيادة القانون في أوغندا، عواقب شخصية، من خلال اعتقال شقيقها وقريبها، صحيح أنه في الأثناء تم إطلاق سراحهما، ولكن الخوف مستمر، وتوضح لـ DW: "أطلقوا سراح شقيقي بعد تسعة أيام دون أي محاكمة، وحملوه رسالة موجهة إلي مفادها أن علي التوقف عن الحديث في موضوعي انتهاكات حقوق الإنسانومشروع خط أنابيب النفط في شرقي أفريقيا". في السابق كانت باهاتي تتمتع بثقة كبيرة بالنفس، ولكنها الآن تخاف التعبير عن رأيها بحرية.
بيتر هيله/ ع.ج