تزايد الضغوط على سوريا مع اقتراب انتهاء تحقيقات ميلس
نجحت لجنة التحقيق الدولية المكلفة بالكشف عن ملابسات اغتيال الرئيس اللبناني السابق رفيق الحريري في إنجاز تقدم ملحوظ. فقد كللت زيارة رئيس اللجنة ديتليف ميليس إلى دمشق يوم الاثنين بالنجاح، واستطاع الحصول على موافقة من الإدارة السورية على استجواب بعض المسئولين الأمنيين. في الوقت نفسه تم التحفظ على أربع ضباط ومسئولين أمنيين سابقين في بيروت: اللواءان جميل السيد وعلي الحاج والعميدان ريمون عازار ومصطفى حمدان للتحقيق معهم، والذين يعدون رموز النظام الأمني في حقبة الوجود السوري، وهي خطوة أثارت دهشة الكثير من اللبنانيين.
في غضون ذلك تتعرض سوريا لضغوط دولية متزايدة على خلفية الحملة العسكرية التي تشنها القوات الأمريكية بالاشتراك مع القوات العراقية على مسلحين في منطقة تلعفر القريبة من الحدود السورية. واتهم مسئولون أمريكيون وعراقيون سوريا بأنها لا تقوم بجهود كافية لوقف تسلل المسلحين عبر حدودها. كما صرح السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد بأن الولايات المتحدة "نفذ صبرها" مع سوريا، مشيراً إلى أن "جميع الخيارات مطروحة الآن" بما في ذلك الخيار العسكري لحل هذا الأمر. ويرى بعض المراقبين أن هذه الضغوط دفعت الإدارة السورية إلى تعزيز تعاونها مع لجنة التحقيق، بعد أن كانت الأخيرة تتهمها بالمماطلة. غير أن دمشق اعتبرت التهديدات الأمريكية مخططا مغرضا على سوريا رغم التزامها بقرارات الشرعية الدولية.
تعاون سوري مع المحققين
وقد اتضح هذا التعاون واضحاً في زيارة ديتليف ميليس الأولى إلى دمشق، حيث وصل إلى اتفاق مع الجانب السوري حول الإجراءات القانونية للاستماع إلى إفادات مسئولين سوريين أمنيين وسياسيين حاليين وسابقين بينهم ضباط خدموا في لبنان في إطار التحقيقات في جريمة قتل رفيق الحريري. وكان لافتاً أن المفاوضات أديرت سورياً من الداوودي، وهو مستشار في الخارجية وليس مسئولاً سورياً، لحصر الموضوع في الجانب القانوني. وشكل الاتفاق بين الطرفين على جدول أعمال لجنة التحقيقات تأكيداً على الاستعداد السوري للتعاون الكامل مع ميليس تحت سقف السيادة ووفق القوانين السورية "لجلاء الحقيقة". ويقول ميليس عن هذه الاتفاقات: "إن لدنيا تخيل واضح الآن. فيجب أن تقوم التحقيقات بدون تأثير خارجي، ولذلك فنحن نتمنى أن تقوم التحقيقات خارج سوريا، وبالطبع خارج لبنان."
أصابع الاتهام تشير إلى سوريا
وبالرغم من هذا التعاون الواضح من الحكومة السورية، إلا أن موقف حكومة بشار الأسد يعاني من الضعف في رأي الكثير من المراقبين. فتسديد الاتهامات إلى رؤساء المخابرات اللبنانية الأربعة والذين كانوا يمثلون أيدي سوريا الأمنية في لبنان قريباً ما سوف يطال مسئولين سوريين رفيعي المستوى. حيث أن تحقيقات ميليس تشير إلى بعض الأسماء في سوريا، لذلك فهو ينوي التحقيق معهم. وأحيطت زيارة ميليس التي استغرقت بضع ساعات بالسرية التامة وعلق دبلوماسي غربي على ذلك بالقول إن "هذا الأمر قد يفتح الباب أمام كل أنواع التكهنات في وقت يعيش فيه البلد على وقع الشائعات". وبالفعل تكثر الأقاويل حول هذه الأسماء التي يبغي ميليس استجوابها، وهي تدور في نطاق كبار المسئولين الذين كانوا يخدمون في لبنان وقت اغتيال الحريري وشخصيات أخرى رفيعة المستوى.
وكانت مجلة دير شبيجل الألمانية قد أكدت أن توقيف المسئولين الأمنيين الموالين للحود في لبنان يعني إمكانية محاسبة سوريا، ولفتت إلى أن التحقيق كشف عن أدلة في بيروت تشير إلى ضلوع مسئولين رفيعي المستوى في التآمر لقتل الحريري. وذكرت المجلة التي تتابع مجريات التحقيق أن هناك أدلة منها بصمات عثر عليها في شقة فارغة في بيروت يعتقد أنها استخدمت للتخطيط للجريمة وسيارة تابعة لمدير الاستخبارات العسكرية اللبنانية السابق ريمون عازار شوهدت تتبع موكب الحريري قبل تفجيره في 14 شباط/فبراير. كما كشف ميليس عن مكالمات هاتفية "تقود بشكل مباشر إلى أعلى مستويات الأجهزة الأمنية" وفق المجلة.
سوريا تنتقد الاتهامات الأمريكية
ولكن سوريا تعتبر الأمر كله مخططاً أمريكياً، وهو ما ظهر في مقال في صحيفة "تشرين" الحكومية حيث اتهمت الصحيفة الولايات المتحدة بـ"فبركة الاتهامات" ضد دمشق وبالسعي إلى تحويل الضغوط الأمريكية على سوريا إلى بند رئيسي في جدول أعمال الجمعية العامة المقبلة للأمم المتحدة. وقالت الصحيفة: "إن سوريا تحولت الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية التي تعد الملفات وتفبرك الاتهامات والأكاذيب وتوظف جيشاً من السياسيين والإعلاميين في الداخل والخارج لمواصلة الهجوم على دمشق وسياستها ومواقفها." واستغربت الصحيفة التحامل الأمريكي على سوريا رغم التزامها بقرارات الشرعية الدولية وتعاونها من دون أي تحفظات مع مبعوثي الأمم المتحدة حول عملية السلام. وقد سبق أن أكد الرئيس السوري بشار الأسد مؤخراً لمجلة "دير شبيجل" الألمانية أن دمشق ستتعاون بشكل وثيق مع لجنة التحقيق الدولية. وأوضح الأسد أنه بإمكان ميليس "الاستماع لأي سوري يريد" وأضاف "هذا التحقيق في مصلحتنا لأننا واثقون من أنه سيبرئنا من الشكوك إذا لم يتم تزوير النتائج لأسباب سياسية". وفي النهاية، ينتظر الكثيرون بأمل وتخوف نتائج التحقيقات التي يقودها ميليس، والذي اتفق على زيارة مجددة لدمشق الأسبوع القادم.