تعنيف الطلاب في المدارس يفقدها الدور التربوي
١٧ أغسطس ٢٠١٣يلجأ (المختار علي) التلميذ في الصف السادس الابتدائي إلى التمارض، حين يتضمن جدول الدروس مادة الجغرافيا محاولاً الغياب، خوفاً من أن تقوم المعلمة- التي يصفها بالمرعبة-بضربه.
يقول بشيء من الخجل "لقد اعتادت معلمتي على ضربي كلما وجدتني في درسها"، ويضيف بلهجة حزينة "إنها تضرب بقوة، دون حتى أن تسأل عن الأسباب".
التلميذ ذو الـ 12 عاما أصبح يكره مادة الجغرافيا لأن المعلمة تضربه وتسبه بدون سبب.
حسين علي التلميذ في الصف الرابع الإبتدائي (9 سنوات) يشكو هو الآخر، ولكن من معلم مادة الرياضيات، ويقول "إنه يضربني بشدة من دون سبب".
ويبدو والده محتاراً بقوله "حين نذهب إلى المدرسة ينكر المعلم ذلك، ويلقي باللوم على ابننا، ولا ندري أيهما المحق"، مردفا "لكنني شاهدت أكثر من مرة أثر أصابع يد على خده، كأنه متعرض إلى صفعات".
ويذكر أنه طلب من المرشد التربوي ومدير المدرسة متابعة الحالة، وإقناع المعلم بأن لا يعاود ضربه، "غير أن ذلك لم يجد نفعا" ويعبر الأب عن خشيته في حال شكا المعلم إلى مديرية التربية أو الوزارة، "لاحتمال أن يشن المعلم حرباً نفسية ضد ولدي ".
التربية: واحد بالمائة من المعلمين والمدرسين يمارسونه برغم المنع
وبرغم التوجيهات التي أصدرتها وزارة التربية العراقية، والتي تفيد بمنع ضرب التلاميذ والطلاب أو إسماعهم كلمات نابية أو تعنيفهم، إلا أن المتحدث الإعلامي باسم وزارة التربية وليد حسين يقر أن "ما نسبته واحد بالمائة من المعلمين يقومون بالاعتداء على التلاميذ".
وطبقا لمشرف تربوي اسمه (علي) يعمل في إحدى مديريات تربية الرصافة، رفض ذكر اسمه كاملا، فإن هناك شكاوى ترد إلى مديريته من الأهالي "بسبب تعرض أبنائهم في المدارس الابتدائية للضرب".
ويذكر المشرف أن بعض الأهالي "يصحبون أطفالهم لمعاينة حجم الضرر الذي تعرضوا له جراء الضرب، ما يدعونا إلى استدعاء المعلم أو المعلمة ممن قام بالضرب وإحالته إلى التحقيق، ومن ثم توجه له عقوبة، منها إنذار أو توبيخ، أو حجب علاوة سنوية". لكنه يضيف: "حين نقوم بتوجيه سؤال للطلبة عما إذا كانوا يتعرضون للضرب، ينفون ذلك"، معللا الأمر بقوله "ربما ذلك بدافع الخوف، من أن يتوعده المعلم، أو يتحكم بدرجاته".
وفيما تقول (زهراء.ح) وهي مرشدة تربوية إن "حالات الضرب موجودة فعلا، لكنها لاترقى إلى درجة الظاهرة"، تقر (ن.السوداني) وهي مديرة مدرسة ابتدائية (فضلت عدم ذكر اسمها كاملا) أن "بعض المعلمات يلجأن لضرب الطالبات، لأسباب تافهة أحيانا، لا تستحق الضرب، منها أن يكون مستوى الطالبة دون الطموح". وترى أنه "لا جدوى من التوبيخ والتهديد"، مشيرة إلى أن "عملية الضرب إن وجدت فإنها تتم بعيدا عن أنظار الإدارة".
وتذكر أنها وجدت ذات مرة عصا تحملها إحدى المعلمات، "فمنعتها من استخدامها، لكن المعلمة قدمت تبريرات، وقالت إنها تتعامل مع الطالبات كتعاملها مع بناتها، التي تضطر أحيانا إلى ضربهن ".
أنواع من العنف
لحالات ضرب طلاب المدارس جذور قديمة، وقد بدأت في العصر الحديث في المدارس الدينية خلال العهد العثماني أو ما يعرف بمدارس (الملا)، ثم بالمدارس الحديثة التي كانت تعرف بالمدارس الرشدية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، واستمرت حتى الآن.
ويعزو الباحث الاجتماعي عدنان العامري استمرار ضرب الطلاب في المدارس إلى "ثقافة مكتسبة من النظام السابق" معتبرا أنها "أساليب بالية ما زالت راسخة في الأذهان رغم تطور وسائل الإيضاح، ووجود إرشاد تربوي في كل مدرسة".
ويرجع العامري أسباب لجوء المعلمين والمدرسين إلى ضرب التلاميذ إلى عدة عوامل منها أن "بعض المعلمين يعتقدون أنها وسيلة لفرض الهيبة أو يلجأون للضرف بسبب المزاجية، وكلها عوامل ضعف الشخصية لدى المعلم، بالإضافة إلى مشاكله الشخصية وضغوط الحياة الاجتماعية والاقتصادية".
أما أستاذ علم النفس في جامعة صلاح الدين في أربيل، الدكتور قاسم حسين صالح، فيشير إلى أن هناك عنفا من نوع آخر (مسكوت عنه) يشمل اكتظاظ المدارس وتلوثها، ما يكون له تأثير سلبي على الطالب"
ويحذر د.صالح من "العنف التواصلي الناتج عن غياب الحوار بين عناصر المنظومة التعليمية، بمعني أن التلميذ لا يستطيع التعبير عن أفكاره وتصوراته، ما يجعل من الصعب عليه تقبل الآخر".
ويوسع د.صالح دائرة العنف في المدارس بقوله إن "المعلمين والمدرسين يمارسون عنفا نفسيا من أنواع آخرى، مثل إحباط وقمع الطلبة وفرض واجبات مدرسية تفوق قدراتهم، فيما يكون التقدير للمتفوقين فقط"، معتبرا أن هذا "يثير مشاعر الغيرة والكراهية وعدم الرضا"، ويضيف "كحقيقة نفسية فإن الطالب غير الراضي يستخدم العنف في سلوكه اليومي".
لجنة التربية النيابية تؤكد الانتهاكات بحق الطلبة
تؤكد لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب تعرض الكثير من طلبة المرحلة الابتدائية للضرب والإهانة على يد بعض المعلمين والمعلمات في المدارس، غير أنها لاتمتلك إحصائية عن أعداد الطلبة المعنفين.
وتقول عضو اللجنة انتصار الغرباوي إن "ظاهرة ضرب الأطفال في المدارس أمر مرفوض، ولدى لجنة التربية البرلمانية تحرك جاد من خلال التنسيق مع مفتش عام وزارة التربية بهذا الشأن، خاصة أن العنف الجسدي والنفسي يؤثر بشكل مباشر على حياة الطلبة وسلوكهم، وبالتالي يؤدي الى العزوف عن الدراسة، ما يؤدي إلى ازدياد نسبة الأمية".
ودعت الغرباوي أولياء أمور الطلبة المعنفين إلى تقديم شكاواهم إلى مديريات التربية "لإحالة المعلم إلى التحقيق لينال عقوبة صارمة إذا ثبت تعنيفه للطالب". واعترفت الغرباوي بوجود إدارات مدارس "تقوم بالتغطية على الكثير من حالات العنف".
إجراءات صارمة
المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية وليد حسين أكد أن تعليمات الوزارة واضحة في هذا الخصوص، مبينا أنها "أرسلت تعميما لجميع المدارس، بما فيها مدارس مرحلتي المتوسطة والإعدادية، تتضمن منع الضرب ومنع إطلاق الكلمات النابية لأي سبب كان، وبخلاف ذلك فإن المعلم أو المعلمة سيتعرض لعقوبات شديدة".
غير أن الوزارة لا تمتلك، بحسب المتحدث، إحصائية للمعلمين الذين تمت معاقبتهم بسبب ضربهم لطلاب في المدارس. ويذكر أن الوزارة تؤكد تعليماتها هذه في كل مناسبة، ومع كل عام دراسي جديد.
وسجلت الوزارة، بحسب المتحدث باسمها، حالة واحدة العام الماضي في مديرية تربية الرصافة الثانية، حيث قام ولي أمر طالب بالشكوى لدى الشرطة، غير أن الكادر التربوي شهد لصالح المعلم، ولم يحل المعلم للتحقيق بعدما تم التراضي بين الطرفين، وأسقطت الشكوى وعاد الطالب والمعلم لممارسة عملهما بشكل طبيعي جدا".
لكن النائبة الغرباوي تحث أولياء الأمور على أن "لا يكتفوا باعتذار المعلم أو تسوية الأمر، لأنهم بذلك يشجعون المعلم على التمادي أكثر، وأن لا يسلكوا طرق المقاضاة عشائريا، طالما هناك عقوبات صارمة من قبل الوزارة ازاء هذه الاعتداءات".
معلمون يتحدثون
من جهته يبرر المعلم حسن غالي- الذي يعمل في إحدى مدارس بغداد تعنيف الطلاب وضربهم قائلاً: "المعلم يضطر إلى ضرب الطالب المسيئ، والذي تفشل كل محاولات إصلاحه أو دمجه في الصف ليكون متفوقا أسوة بزملائه الطلاب". ويشير إلى سوء سلوك الطلبة أحياناً مبرراً العنف بأنه "بسبب تجاوزه على المعلم أو تماديه بالشتائم".
ويقر غالي بأن المعلم "يدرك تماما أن الضرب ليس وسيلة للإصلاح، لكن في بعض الأحيان يضطر إلى ذلك، مثلما يتعامل مع أحد أبنائه" معتبرا أن هذا "لا يعني أن المعلم يحمل كراهية أو ضغينة للطالب، بل هي محاولة لإصلاحه".
لكن (هـ .نديم) وهي مدرسة في متوسطة للبنين ببغداد، ترى أن "الطلاب المشاكسين" بحاجة إلى رعاية خاصة، كونهم ما زالوا قاصرين"، معتبرة أن ضربهم "ليس حلا ولابد من التعرف على مشاكلهم ومعاناتهم، ومساعدتهم قدر المستطاع".
وتقول إن "الكثير من إدارات المدارس، تلتزم بتعليمات الوزارة فيما يخص حالات الضرب أو إسماع الطلاب كلمات نابية، وتسعى لإصلاح حال الطالب غير المجتهد بالتعاون مع ذويه".
أهمية الإرشاد التربوي ودورالآباء
وتعود المرشدة التربوية (زهراء.ح) لتقول إن "معظم الطلبة يعانون من مشاكل اجتماعية بسبب الأوضاع عموما في البلاد، وهناك نسبة كبيرة من الأيتام بحاجة إلى رعاية وعناية واهتمام".
متفقا مع هذه الطروحات يطالب سالم (والد الطالب علي) المعلمين بأن يراعوا ظروف الطلبة "في ظل الأوضاع غير المستقرة في البلد، والأخذ بنظر الاعتبار عناء الأهالي.
تم نشر هذا التحقيق الاستقصائي ضمن مشروع الرابط الإعلامي العراقي، الذي تنفذه الوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) بالتعاون مع جمعية الأمل العراقية وبمشاركة منظمة انترنيوز الأوربية، وتمول المشروع المفوضية الأوربية.