تفاصيل التوتر بين المغرب وأمنستي بسبب تكنولوجيا إسرائيلية
٤ يوليو ٢٠٢٠توتر جديد بين المغرب بمنظمة العفو الدولية (أمنستي)، بعد اتهام هذه الأخيرة للرباط باستخدام تكنولوجيا إسرائيلية للتجسس على صحافي استقصائي هو عمر الراضي. الحكومة المغربية، وفي واحدة من المرات النادرة، لم ترّد فقط عبر الناطق باسمها، بل كذلك عبر بلاغ صادر عن المجلس الحكومي (اجتماع أسبوعي)، متهمة أمنستي بـ"التحامل المنهجي"، و"باستغلال وضعية صحفي".
وتظهر أمنستي متشبثة بما جاء في تقريرها المنشور يوم 22 يونيو/حزيران، وتؤكد أن ذلك التقرير "تضمن أدلة"، و"أنها متأكدة تماما من النتائج التي خلصت إليها" يقول كلاوديو غوارنييري، رئيس المختبر الأمني بأمنستي، لـDW عربية. ويضيف أن منظمته واثقة من "كون السلطات المغربية مسؤولة"، وأن "التحليل الذي قام به المختبر بيّن أن هاتف عمر الراضي استُهدف أكثر من مرة باستخدام برنامج بيغاسوس الخاص بشركة 'إن إس أو'، وهو برنامج تبيعه الشركة حصراً للحكومات والجهات الخاصة بإنفاذ القانون."
ويتحدث غوارنييري عن "أدلة" أخرى، إذ يقول إن "سيتزين لاب"، وهو مختبر تابع لجامعة تورنتو الكندية، كشف عام 2018 زبونًا للشركة الإسرائيلية تحت اسم "أطلس" يشتبه أن للمغرب علاقة به، وأن عمر الراضي ليس المستهدف الوحيد، إذ "وثقت المنظمة حالتين مشابهتين في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تعودان للناشطين المعطي منجب وعبد الصادق البوشتاوي".
ويقول المتحدث إن طبيعة الهجوم على الراضي ومنجب تتطلب مراقبة حركية الإنترنت في هواتفهما، وهو أمر غير ممكن إلّا "مع دخول تفضيلي على البنية التحتية المحلية للاتصالات"، كما يشير غوارنييري إلى حالات مغاربة أشعرتهم شركة "واتساب" بوجود استهداف لحساباتهم عبر أدوات إن إس أو، وهم ثمانية اشخاص بينهم صحفيون ونشطاء ومعارضون.
ويقول التقرير الأوّل لأمنستي إن الهجوم على هاتف الراضي تمّ بطريقة "حقن الاتصالات"، وهي طريقة تتيح للمهاجمين "رصد واعتراض والتحكم في حركة الهدف على الإنترنت، وبعد ذلك يتم توجيه متصفح الويب في الهاتف إلى موقع ضار، يقوم بتثبيت برنامج التجسس بيغاسوس"، وهو البرنامج "الذي يتيح للمهاجم الوصول الكامل إلى الرسائل والبريد الإلكتروني والكاميرا والميكروفون وغير ذلك".
رفض مغربي
وفي الوقت الذي أكدت فيها أمنستي لـDW عربية أنها أشعرت الحكومة المغربية يوم 9 من يونيو/ حزيران بما اكتشفته، أيّ قبل أسبوعين من نشر التقرير، وراسلت خمسة مسؤولين من وزارة حقوق الإنسان دون أن تتوّصل بأيّ رد، فإن مصطفى الرميد، الوزير المكلّف بحقوق الإنسان، ينفي أن تكون وزارته قد توصلت قبل نشر التقرير بأيّ مراسلة من أمنستي.
لكن الرميد يعود للاستدراك أن الوزارة توصلت فقط يوم أمس الجمعة (الثالث من يوليو/تموز) برّد من المنظمة ذاتها على الرسالة التي وجهها إليها رئيس الحكومة حول تقريرها الأخير، بيدَ أن حتى هذا الرد "لا يتضمن أيّ أدلة أو حجج مادية ملموسة على الادعاءات المذكورة، وسيكون محلّ جواب علني" وفق حديث الرميد لـDW عربية.
ويشّدد الرميد على أن الحكومة المغربية "تحترم أمنستي، ومراسلتنا لها من خلال رئيس الحكومة دليل على ذلك، فلهذه المنظمة أدوار هامة في الدفاع عن حقوق الإنسان عالميًا، وهو ما جعل المغرب يحتضن فرعا لها منذ سنة 1997". بيد أنه أكد في المقابل على أن العلاقة بين الطرفين تعيش حاليا "أزمة جديدة لا تخصّ تقييمًا للوضع الحقوقي، أو بتقييم للتدخلات الأمنية، مما يمكن أن تختلف حوله الآراء والتقديرات، يل بواقعة مادية يمكن إثباتها تكنولوجيًا".
ويتابع الوزير أن السلطات المغربية نفت واقعة التجسس، وطالبت أمنستي بتقديم حججها، وهو ما يجعل هذه الأخيرة "معنية إما بتقديم دلائل وحجج على صحة ادعاءاتها، أو الاعتراف بأن هذه الادعاءات مجافية للحقيقة وبالتالي تصحيح ما نشرته".
هجوم مضاد
لم يكتف المغرب بالرّد على أمنستي، بل بدأت السلطات القضائية تحقيقاً قضائيًا حول الاشتباه في تورط عمر الراضي في "الحصول على تمويلات من الخارج لها علاقة بجهات استخباراتية"، حسب بلاغ للنيابة العامة، فيما قالت الحكومة في بلاغها إن الصحافي المذكور محلّ "بحث قضائي حول شبهة المس بسلامة الدولة، لارتباطه بضابط اتصال لدولة أجنبية".
ولم تنجح محاولات DW عربية في التواصل مع الراضي الذي سبق له أن وصف هذه التهم بـ"السخيفة"، متحدًثا عن "تعرّضه لحملة تشهير لا أخلاقية من طرف صحافة التشهير"، وهي في الغالب مواقع إلكترونية "وجهت له تهمًا لا أساس لها من الصحة كالخيانة والتجسس والاغتصاب"، وذلك قبل بدء التحقيق الأمني معه.
"لدينا مخاوف خطيرة تجاه هذه التطوّرات. عمر الراضي صحفي شجاع كان عرضة للتضييق وتمت محاكمته" يقول غوارنييري لـDW عربي في إشارة إلى الحكم على الصحفي المغربي قبل مدة بأربعة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة بعد اتهامه بإهانة قاض. ويضيف مسؤول أمنستي أن الاتهامات الأخيرة الموجهة إلى الراضي محاولة واضحة لـ "تخويفه وتشويه سمعته وإسكاته".
أوضاع صحفية مقلقة
تحدث كل هذه التطوّرات في وقت توجد فيه مجموعة من الصحفيين المغاربة في السجن، آخرهم سليمان الريسوني، المعتقل احتياطيا منذ 23 ماي/أيار، بسبب شكاية بـ"الاعتداء الجنسي" تعود لعام 2018، وهو أحد أشهر كتاب الافتتاحيات النقدية، بعد توفيق بوعشرين، المحكوم بدوره بـ15 سنة في قضية "اتجار بالبشر" وتخللت المحاكمات خروقات حقوقية واسعة حسب منظمات حقوقية، كما لا يزال آخرون في السجن كحميد المهدوي بالإضافة إلى صحافيين محليين من منطقة الريف.
غير أن الحكومة المغربية ترى أن هناك "تبخيسًا" لجهودها في مجال حقوق الإنسان، وقد تصل العلاقة بينها وبين أمنستي إلى درجات أكثر توترًا، إذ تدور أخبار عن تفكير الرباط في إغلاق مكتب المنظمة، ولم يؤكد هذا الكلام وزير الخارجية ناصر بوريطة الذي اكتفى بالقول في مؤتمر صحفي إن الرباط "ستتخذ ما يلزم".
من جهتها، اعتبرت أمنستي في بلاغ جديد، أن الطريقة التي ردت بها السلطات المغربية على تقريرها كانت "تشهيرية"، و"تبين مدى عدم التسامح الذي تبرزه هذه السلطات مع انتقاد سجلها في حقوق الإنسان". وقالت هبة مرايف، المسؤولة في أمنستي: "بدلاً من التجاوب بشكل بناء مع النتائج الواردة في تقريرنا، اختارت الحكومة شن الهجوم على المنظمة".
بيدَ أن مصطفى الرميد، يرى أن المغرب سيبقى منفتحًا على المنظمات الحقوقية، ومنها أمنستي التي "واكبت التطور الحقوقي الوطني بكثير من الإيجابية في عدة محطات، وأحيانا كانت لها تقييمات سلبية لم تحظ بموافقة ورضا السلطات المغربية". ويظهر الرميد واثقًا أن الأزمة الحالية بين الطرفين قد تكون "منطلقًا لتصحيح العلاقة وتعزيز التعاون لما فيه مصلحة حقوق الانسان" وفق حديثه لـDW عربية.
إسماعيل عزام