تقلص التجارة في أنفاق غزة ورواج في مواد البناء
٢ مايو ٢٠١٢انتقلتDW /عربية إلى الشريط الحدودي الجنوبي لقطاع غزة مع مصر، حيث تنتشر أنفاق التهريب. بعضها ظاهر للعيان أخرى غير مرئية. وقد ساهمت هذه الأنفاق منذ تشديد الحصار الإسرائيلي عام 2007 في تهريب كافة أصناف البضائع التي يحتاجها أهالي قطاع غزة، بتنسيق وتعاون مُشترك مع تجار في الجانب المصري.
بعد ارتفاع ثروات مئات التجار و مالكي الأنفاق بشكل هائل، بدأت أرباحهم تتقلص الآن بشكل ملحوظ . وقد يشير ذلك إلى نهاية العصر الذهبي للكثير منهم. فبعضهم أغلق أنفاقه وآخرون قاموا بتأجيرها لعدم تمكنهم من تسديد نفقاتها. ومن خلال المتابعة داخل وخارج بعض الأنفاق رصدنا حركة نشطةجدالمواد البناء "كالاسمنت والحديد والحصى "، وبعض هذه الأنفاق تنشط ليلا في تهريب الوقود. وإذا أردت أن تذهب إلى الجانب المصري، فما عليك سوى التنسيق مع لجنة الأنفاق التابعة لحكومة حماس في المنطقة، حيث يمكنك عبر النفق المغادرة على الفور بعد دفعك 50 دولارا.
استمرار حركة التهريب
بعد رفض مُسبق وافق أبو فؤاد الشاعر الذي يملك نفقا للتهريب على الحديث مع DW/عربية، حيث أطلعنا على مراحل عمليات التهريب من خارج النفق وداخله. وأشار أبو فؤاد أن فريق العمال لديه يعمل على مدار الساعة لتهريب الحصى التي تدخل في عمليه البناء. وعزا ذلك إلى " استمرار إسرائيل في منع دخولها". واستطرد القول:" أنا فقط مختص بتهريب الحصى الآن. والوضع في تراجع". بعد التردد دخلنا النفق ورأينا الألواح الخشبية الواقية على جانبي النفق و سقفه. وكانت الإنارة على الجوانب. ويتم التواصل عبر مكبرات صوتية داخلية بين العاملين داخل النفق وبين زملائهم في طرفي النفق على الجانب الفلسطيني والمصري. وسألنا بعض العمال عن أجرهم اليومي ؟ فأجابوا: " كنا نأخذ 150 دولار في اليوم، لكن اليوم نتقاضى 20 دولارا فقط". وانتقلنا إلى نفق آخر مجاور مختص بتهريب الاسمنت. وذكر مالكه أبو احمد انه كان في السابق يُهرب الأدوات الكهربائية والملابس المختلفة والمواد الغذائية مضيفا قائلا: " اليوم أهرب الاسمنت والحديد فقط لان كل شيء تقريبا يدخل عن طريق معابر إسرائيل مع غزة". كما رصدنا حركة نشطة لعشرات الأنفاق المجاورة، وعلمنا أنها تركز على:" تهريب مواد البناء فقط". وبعد حوالي خمسمائة متر باتجاه أنفاق المنطقة الغربية للشريط الحدودي كشفنا عن أنفاق تختص بتهريب بعض المواد الغذائية والمياه الغازية والسجائر، وبالقرب منها هناك أنفاق خاصة بتهريب الأفراد.
أزمة في تهريب الوقود
في السنوات الماضية كانت الأولوية في التهريب للوقود. غير أن أزمة الوقود المصرية منذ نحو ثلاثة أشهر ألقت أيضا بظلالها على السلع المهربة عبر الأنفاق." فتهريب الوقود يتم الآن بكميات صغيرة جدا بعد منتصف الليل و بصعوبة بالغة عبر الأنفاق وتحت إشراف خاص وضوابط صارمة من عناصر حكومة غزة" كما أكد ذلك ل DW / عربية عشرات العاملين ومالكو الأنفاق الذين اشتكوا من تراجع حركة العمل ونقل البضائع عبر الشاحنات "بسبب النقص الحاد في الوقود". وقالوا: "نبذل مجهودا كبيرا لتوفير الوقود لضمان عمل مولداتنا الكهربائية الكبيرة وتشغيل ماكينات سحب البضائع". وقد ساهم النقص الحاد في الوقود في التأثير سلبيا على حركة المواصلات بشكل مباشر. فالطالب ياسر اليازجى مثلا يجد صعوبة بالغة للوصول إلى جامعته ويضيف" كثيرا ما أتصل بمكاتب تاكسيات خاصة تنقلني إلى الجامعة غير أن هذا يرهقني ماديا". في حين منعت حكومة غزة المواطنين والسائقين من الحديث عن أزمتي الوقود وانقطاع التيار الكهربائي وهددت المخالفين" بالسجن والغرامة".
تقلص الأرباح بسبب التسهيلات والضرائب
ولفت انتباهنا أحد العاملين الى رجل يعتبر من كبار مالكي الأنفاق. وبعد أخذ و رد سمح لنا بالحديث معه بشرط عدم الكشف عن اسمه. وقال الرجل الذي بدا في بداية عقده الثالث: " كنت أربح من النفق نحو 50 ألف دولار كل يوم على الأقل". إنه كلام قد يُدهش من لا يعِرف طبيعة تجارة الأنفاق. وسألناه كيف يتم ذلك فأجاب:" في السنوات الأربع الأولى من الحصار كنا نُهرب كافة البضائع والسيارات على مدار الساعة، لكن منذ سنتين بدأ العد التنازلي بسبب التسهيلات التي طبقتها إسرائيل في المعابر التجارية وبسبب ضرائب ورسوم حكومة حماس على كل صغيرة و كبيرة". وذكر أنه انتقل إلى قطاع تجاري آخر خارج الأنفاق. ولم يفصح عن حجم ثروته إلا بعد إلحاح شديد، حيث همس في أُذننا قبل مغادرته للمكان قائلا: "ملايين الدولارات وفي مِثلي كثير!". وعقب أبو فؤاد الشاعر وقال إن ملاكي الأنفاق يدفعون لعناصر حكومة حماس المتواجدين في منطقه الأنفاق مقابلا لكل طن من الحصى قبل توصيلها إلى المستهلك. ويجمع أصحاب الأنفاق أن"زمن الأرباح الخيالية قد انتهي".
انفاق الموت والعاهات
على مدى خمس سنوات من الحصار الإسرائيلي تهافت العاملون على الشريط الحدودي للعمل داخل الأنفاق، أكثرهم دون العشرين من العمر أو أكبر بقليل. وواجهت هذه الفئة من الشباب المخاطر والموت بشكل مباشر، بينما راقب التجار ومالكو الأنفاق سير العمل عن بُعد. وقد لقي عشرات العاملين مصرعهم وأصيب آخرون بجروح بالغة وبعاهات دائمة. كما لقي بعضهم حتفه نتيجة " القصف الإسرائيلي للأنفاق وانهيارات في التربة الداخلية وصعق بالكهرباء أو بسبب استنشاق غازات سامة". ويتذكرعبد النجار أحد العاملين السابقين في الأنفاق تجربته قائلا"انهار علينا منزل مُقام فوق النفق، ودُفنت فيه أنا وأحد أقربائي. وبعد ساعات تم انتشالنا. وقد نجوت بمعجزه إلاهية، أما قريبي فقد لقي مصرعه".
شوقي الفرا- غزة
مراجعة: عبدالحي العلمي