تكهنات بتنصيب الكاردينال الألماني راتسينجر خليفة للبابا
بدأ الكرادلة بعد ظهر اليوم الاثنين الانتقال إلى الخلوة السرية بغرض انتخاب خليفة للبابا يوحنا بولس الثاني الذي توفي في الثاني من أبريل / نيسان الجاري. وفي حين تعهد مجلس الكرادلة بعدم التحدث إلى وسائل الإعلام وعدم الاتصال بالعالم الخارجي، ناشد المتحدث باسم الفاتيكان الجهات الإعلامية بعدم مضايقة الكرادلة المجتمعين. وقال جواكين نافارو فالس إن هذا التكتم "يهدف إلى مساعدة الكرادلة على اختيار البابا الجديد في أجواء هادئة يخلون فيها إلى الصمت والصلوات المكثفة." تجدر الإشارة إلى أن مراسم اليوم الانتخابي تبدأ بتركيب مدخنة على سقف كنيسة "سكيستينا" تبشر، حسب تقاليد الكنيسة الكاثوليكية، باتفاق 115 كاردينالا يحق لهم التصويت على خليفة الحبر الأعظم. ووفقا لهذه التقاليد فإن لون الدخان الذي سيتصاعد في نهاية كل يوم انتخابي من المدخنة هو الذي يحدد ماهية الاتفاق الذي توصل اليه الكرادلة. فإذا شاهدت الجموع في ساحة القديس بطرس تصاعد دخان أبيض من المدخنة، فإن هذا يشير إلى إجماعهم على خليفة للحبر الأعظم. أما إذا تصاعد دخان أسود من هذه المدخنة، فإن هذا يدل على أنهم ما زالوا مختلفين فيما بينهم على الشخص الذي سيجلس على الكرسي البابوي. يشار إلى أن آخر خلوة سرية تمخضت في عام 1978 عن انتخاب يوحنا بولس الثاني (كارول فويتيوا) خرج منها دخان رمادي، مما أدى إلى حيرة المراقبين. ولهذا فقد قرر الفاتيكان في هذه المرة قرع أجراس كنيسة القديس بطرس إعلانا عن النتيجة.
العمر وبلد النشأة .... أهم المعايير
عندما ينقطع 115 كاردينال عن العالم الخارجي وتبدأ خلف الكواليس "معركة" انتخاب الحبر الأعظم الجديد، يبدأ المراقبون والخبراء بإطلاق التكهنات وفي بعض الأحيان الإشاعات عن بابا المستقبل. ولأن الكرادلة ينقطعون عن العالم الخارجي في هذه الفترة ويتعهدون بعدم تسريب المعلومات إلى وسائل الإعلام، فإن المراقبين يكتفون بالتخمين ومناقشة المعايير التقليدية التي يتم عادة انتخاب الحبر الأعظم وفقا لها. ومن أهم هذه المعايير هي العمر وبلد النشأة والوضع السياسي الراهن في العالم.
العمر: يتساءل المراقبون، هل تريد الكنيسة الكاثوليكية هذه المرة انتخاب بابا شابا على غرار ما قامت به في عام 1978 عندما انتخب كرادلتها البولندي كارول فوتيوا (يوحنا بولس الثاني) الذي تربع على الكرسي البابوي في الثامنة والخمسين من عمره، أم أن الجلسات السرية ستتمخض عن انتخاب بابا انتقالي يواصل مشوار يوحنا بولس الثاني ؟ في هذا الخصوص تشير التوقعات وكذلك آراء معظم المراقبين إلى ترجيح كفة الاحتمال الأول. ويقول هؤلاء إن بابا شاب يستطيع القيام بإصلاحات في الكنيسة الكاثوليكية لم يتمكن يوحنا بولس الثاني من تمريرها.
بلد النشأة: في حين تبددت في الأيام القليلة الماضية الإشاعات التي ترددت مؤخرا عن احتمال تعيين الكاردينال النيجيري فرانسيس أرينزي خليفة للحبر الأعظم، بدأ المراقبون يرجحون كفة الألماني جوزيف راتسينغر من جهة، والأيطالي ديونيجي تيتامانزي من جهة أخرى. ووفقا ليومية "لا ستامبا" الإيطالية فإن الصراع على السلطة التي تشهده أروقة الفاتيكان في هذه الأيام يشير إلى وجود معسكرين، الأول يؤيد تنصيب الألماني راتسينجر والثاني الإيطالي تيتامانزي.
الوضع السياسي الراهن: في عام 1978 خيمت الحرب البادرة على العالم وكان انتخاب البولندي فويتيوا بمثابة جواب شجاع على هذه الأزمة. واليوم يعتبر الصراع بين الجنوب الفقير والشمال الغني والخلاف مع الإسلام من أهم المشاكل التي تسيطر على الحالة السياسية في الوقت الراهن. جميع هذا يشير إلى احتمال انتخاب بابا من أمريكيا اللاتينية أو آسيا أو إفريقيا.
ساعة الألماني راتسينجر
تردد في الأيام القليلة الماضية اسم الكاردينال الألماني جوزيف راتسينجر كمرشح لخلافة البابا. ويقول المراقبون إنه في حين يحظى الألماني، كبير علماء الكهنوت في الفاتيكان بتأييد المحافظين المواليين للبابا الرحل، يتمتع الإيطالي تيتامانزي بدعم الجناح الأكثر ليبرالية في الكنيسة الكاثوليكية. ومن الجدير بالذكر أن الألماني كان أكثر الكرادلة قربا من البابا يوحنا بولس الثاني، حتى أنه يطلق عليه إسم "داعم البابا" لأنه حاول دائما إسكات المعارضين في الفاتيكان. ونظرا إلى عمره المتقدم (78 عاما) وقربه من يوحنا بولس الثاني فإنه ليس من المتوقع أن يسعى الكاردينال المحافظ إلى إجراء إصلاحات جذرية في الكنيسة الكاثوليكية.
إجراءات أمنية غير مسبوقة
من المعروف أن حب الاستطلاع عند الصحافيين ورجال المخابرات يفوق العادة ويصل في بعض الأحيان إلى حد التجسس وخاصة عندما يدور الحديث عن مسألة حساسة ينتظر العالم نتائجها بفارغ الصبر مثل انتخاب البابا الجديد. منظمو الاجتماع السري الذي يحضره كرادلة من جميع أنحاء العالم بغرض الحبر الأعظم الجديد يعرفون كذلك أن الصحافيين وخاصة الذين يعملون لصالح وسائل إعلام صفراء (مثيرة) ورجال المخابرات كذلك، لن يتأخروا لحظة واحدة في السعي لمعرفة نتائج التصويت واسم البابا الجديد أبكر بقليل من بقية العالم، وهذا ما يمليه عليهم عملهم في السعي وراء السبق الصحفي. ميكروفونات تعمل بأشعة الليزر تستطيع التقاط الأصوات عن بعد، ومكبرات صوت صغيرة جدا يمكن تثبيتها على قطع الأثاث أو إخفائها في الملابس. كل هذا جزء بسيط من الإمكانيات التقنية الحديثة التي تسمح بالتصنت على ما يجري خلف الكواليس في الفاتيكان. ولهذا اتخذت إدارة أكثر الدول في العالم غموضا وسرية إجراءات أمنية مشددة لم يسبق لها مثيل وأنظمة حماية غريبة من نوعها. ويقول الفاتيكان إن أنظمة الحماية هذه لم تستخدم لغاية الآن وأن الأخصائيين قاموا لغاية الآن بتجريبها فقط، ولكن سيتم تشغيلها ابتداء من اليوم الاثنين موعد عقد الاجتماع السري الذي سيتمخض عنه انتخاب بابا المستقبل. أما الكرادلة أنفسهم، فإنه لن يسمح لهم باستخدام الهواتف النقالة أو أجهزة الحاسوب أو مشاهدة التلفاز أو مراسلة أحد. علاوة على ذلك، لا يقتصر التعهد بالصمت على الكرادلة أنفسهم، بل أن ذلك يشمل أطباء الفاتيكان وعمال المطبخ والتنظيفات، ناهيك عن أن رجال أمن "قلعة الفاتيكان" لن يتأخروا في تفتيش كل زاوية وركن في صالات الاجتماعات وغرف "كنيسة سكيستينا" ومجاري المياه وحنفيات دورات المياه بحثا عن أجهزة تنصت.
ناصر جبارة