تونس ـ سعيّد يواصل إحكام قبضته.. فهل توحد المعارضة صفوفها؟
٢٧ ديسمبر ٢٠٢٢
"بالكاد أستطيع إيجاد الطحين حتى أستمر في عملي، فهل يمكنني أن أعير اهتماما للانتخابات،" بهذه العفوية كان رد قمرة عمراني، التي تمتلك متجرا لبيع السندويشات في العاصمة التونسي، على سؤال حيال مشاركتها في الانتخابات التونسية.
وفي مقابلة مع DW، قالت قمرة إنها لم تدل بصوتها في الانتخابات التونسية الأخيرة، لكنها ليست الوحيدة إذ شهدت الجولة الأولى من الانتخابات إقبالا تصويتا لم يتجاوز 11.2 بالمائة في نسبة هي الأدنى منذ الثورة التونسية.
وفي ذلك، قال سيمون فولفغانغ فوكس، المحاضر في الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة فرايبورغ لـ DW، "استنادا على نسبة التصويت التي بلغت 11٪ فقط، يمكن القول أن قاعدة الرئيس قيس سعيّد تتراجع خاصة وأن نسبة التصويت في الانتخابات التشريعية عام 2014 بلغت 66٪ فيما أصبح قيس سعيد رئيسا للبلاد بنسبة 70 بالمائة من الأصوات عام 2019".
وفي رد فعل على نسبة الإقبال المتدنية، خرج الرئيس التونسي ليرفض الانتقادات المحلية والدولية إذ أكد أن نسبة المشاركة في الانتخابات "لا تقاس فقط بالجولة الأولى، بل بالجولتين."
وقد أسفرت الانتخابات عن فوز 21 مرشحا في الدور الأول من أصل 1500 مرشح وإجراء الإعادة في 133 دائرة وسط ضعف الإقبال على التصويت وتعديل قانون الانتخابات الذي بموجبه توجب على المرشح أن يتقدم للانتخابات فرديا وليس عبر قائمة انتخابية.
وفي ضوء مقاطعة غالبية الأحزاب التونسية بما في ذلك حزب النهضة ، الانتخابات، فمن غير المرجح أن تشهد الجولة الثانية من الانتخابات إقبالا أكبر من الجولة الأولى.
وفي مقابلة مع DW، قالت مونيكا ماركس، أستاذة مساعدة في سياسة الشرق الأوسط بجامعة نيويورك بأبو ظبي، إنه في ضوء نسبة الإقبال، هناك تساؤلات حيال "الكفاءات الأساسية لغرفتي البرلمان وأيضا هل سيكون بمقدور مجلس النواب سن أي تشريع في الوقت الراهن؟ تظل هذه الأمور مجهولة".
وحتى إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج النهائية بعد إجراء جولة الإعادة التي ستعقد في 3 مارس / آذار العام المقبل، سوف يمضي الرئيس التونسي قدما في تنفيذ "خارطة الطريق" التي أطلقها في منتصف العام الماضي والتي يؤكد أنها تتسم بالديمقراطية فيما تعتبرها المعارضة "خطوة استبدادية."
وتعصف بتونس أزمة سياسية طاحنة منذ قيام سعيد بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي ومنح نفسه صلاحيات وفق قانون الطوارئ في يوليو / تموز العام الماضي، ليقدم على حل المجلس الأعلى للقضاء الذي يمثل السلطة القضائية المستقلة في البلاد في فبراير/ شباط الماضي.
وقبل شهور، حقق قيس سعيّد نجاحا في الاستفتاء بموافقة غالبية كبيرة من الناخبين على مشروع دستور جديد يمنحه صلاحيات واسعة قد تعرض الديموقراطية التونسية للخطر.
وعلى وقع ذلك وتحديدا في سبتمبر/ أيلول، قام قيس سعيد بتغيير قانون الانتخابات، ما يعني أن هذه الانتخابات هي أول استحقاق انتخابي يُجرى في ظل القواعد الانتخابية الجديدة .
بموجب التعديلات الجديدة، يتوجب على المرشح أن يتقدم للانتخابات فرديا وليس عبر قائمة انتخابية فيما جرى إلغاء مبدأ التناصف بين الجنسين فيما يتعين على كل مرشح الحصول على 400 تزكية موقعة من 200 ناخب و200 ناخبة.
وحظر القانون التمويل العام لحملات المرشحين فضلا عن تقسيم البرلمان إلى 161 دائرة انتخابية بدلا من 217 دائرة انتخابية.
رسالة "مخيفة"
أصدر قاض تونسي مؤخرا أمرا بالسجن بحق رئيس الوزراء السابق علي العريض نائب رئيس حزب النهضة فيما تُعرف بقضية "تسفير مقاتلين إلى بؤر التوتر في سوريا". وقد نف حزب النهضة في بيان اتهامه بالإرهاب إذ وصف القرار بأنه هجوم سياسي على أحد خصوم الرئيس قيس سعيّد "للتغطية على الفشل الذريع في الانتخابات".
وفي مقابلة مع DW، قال ماهر المذيوب، مستشار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ، إن قرار سجن علي العريض "محاولة فاشلة لكنها متعمدة ومنهجية لاستهداف قيادات المعارضة في ضوء نسبة إقبال فاضحة لما وُصف عبثاً بالانتخابات التشريعية".
بدوره، يرى ويل تودمان، الزميل الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، أن القرار الذي صدر بحق العريض يرمي إلى بعث رسالة "تخويف إلى السياسيين المعارضين السابقين الذين قد يسعون إلى تحدي سلطة قيس سعيد".
وأضاف في مقابلة مع DW، أن هذا الأمر يأتي في إطار "مساعي قيس سعيد لتعزيز قبضته على السلطة بشكل تدريجي وأيضا في إطار جهوده لتحييد أي معارضة".
المعارضة... توحيد الصفوف أم استمرار الفرقة؟
ورغم تعرض قيس سعيد لانتقادات وضغوط متزايدة جراء تردي الوضع الاقتصادي ، إلا أن مراقبين يرون أنه لا يساوره أي قلق حيال اندلاع احتجاجات فورية على وقع الانتخابات.
وفي ذلك، قالت ماركس إن "حكم سعيد يتأثر بشكل متزايد بأي شيء قد يثير غضب الرأي العام أو ظهور أي بديل مأمول في الأفق، لكن هذا البديل لم يظهر بعد، لذا فإن قيس سعيد يبدو غير منزعج".
تزامن هذا مع انتقاد الاتحاد التونسي العام للشغل لمسار حكم قيس سعيد للبلاد، إذ خرج نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد مؤخرا ليهدد بأن الاتحاد سينظم احتجاجات حاشدة "وسيحتل الشوارع" قريبا لإظهار الرفض لميزانية التقشف للعام المقبل.
وكانت "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في تونس قد وصفت نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية بالزلزال مطالبة قيس سعيد بالتنحي عن الحكم.
وفي هذا السياق، قال تودمان "يبقى السؤال حيال هل سينظرون إلى تعزيز قيس سعيد قبضته على السلطة بشكل مستمر باعتباره تهديدا وجوديا يتطلب منهم التنازل لتوحيد صفوفهم أم ستظل الخلافات تعرقل ذلك؟"
ورغم حالة الإحباط المتزايدة في الشارع التونسي، إلا أن قيس سعيد ما زال يتمتع بالدعم بين التونسيين.
ففي مقابلة مع DW، قال طارق السعيدي، صاحب صالون حلاقة، "يجب أن تتاح للرئيس فرصة إقامة المؤسسات للبدء في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة".
وأضاف أنه يعلق آماله على الرئيس التونسي وليس على عودة الأحزاب التي حكمت البلاد في السابق والتي اتهمها بعدم الكفاءة والتورط في قضايا فساد، قائلا "كانت أمامهم فرصة كافية عندما تولوا السلطة، لكنهم خسروا هذه الفرصة".
جينفر هوليس / م ع