1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"ثقب أسود"..اتهامات حقوقية لإسرائيل بتعذيب معتقلين فلسطينيين

١١ أغسطس ٢٠٢٤

اتهمت منظمات حقوقية إسرائيل بسوء معاملة فلسطينيين جرى اعتقالهم عقب هجوم حماس الإرهابي على الدولة العبرية دون اتباع إجراءات قانونية. إسرائيل نفت الاتهامات ووعدت بالتحقيق في أي شكوى.

https://p.dw.com/p/4jIUR
سجناء فلسطينيون يصلون إلى وسط قطاع غزة بعد إطلاق سراحهم
قالت منظمات حقوقية إن آلاف السجناء الفلسطينيين يواجهون انتهاكات ممنهجة وتعذيبا في سجون إسرائيلية خلال الأشهر الماضيةصورة من: Bashar Taleb/AFP

لشهور، أعربت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية وتقارير إعلامية عن بالغ القلق إزاء مزاعم بوجود ممارسات سوء معاملة قاسية بما في أعمال تعذيب واغتصاب لفلسطينيين في مراكز اعتقال أو سجون في إسرائيل.

وجاء سجن "سدي تيمان" في قلب هذه الاتهامات. ويقع السجن داخل قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل، وتم إنشاؤه لاحتجاز مسلحين مشتبه بهم بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي الذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز أكثر من 240 رهينة. أسفرت العمليات الإسرائيلية في غزة التي تلت ذلك، عن مقتل قرابة 40 ألف فلسطيني بحسب السلطات الصحية التابعة لحماس.

قبل أسبوعين، اقتحم عشرات من الإسرائيليين من تيار أقصى اليمين بما في ذلك أعضاء في الكنيست، منشأتين عسكريتين هما قاعدة "سدي تيمان" العسكرية وقاعة محكمة "بيت ليد" العسكرية في جنوب البلاد. ولم يكن مرد ذلك الاحتجاج على مزاعم حدوث انتهاكات بحق معتقلين فلسطينيين داخل "سدي تيمان"، بل كان الهدف من وراء الخطوة التعبير عن التضامن مع تسعة جنود احتياط موقفين لاستجوابهم من قبل الشرطة العسكرية.

ويشتبه في قيام جنود الاحتياط بإساءة معاملة واغتصاب فلسطيني في "سدي تيمان" حيث كانت إصاباته خطيرة للغاية ما لزم دخوله المستشفى. وفي السياق ذاته، نشرت القناة الثانية عشر الإسرائيلية هذا الأسبوع مقطعاً مصوراً يُظهر على ما يبدو اغتصاب معتقل في السجن.

وقد أثار اقتحام القاعدة العسكرية، جدلاً داخل إسرائيل حيال مدى التأثير الذي بات لدى اليمين المتطرف في إسرائيل. وفي الوقت الذي دعا فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الهدوء، أبدى بعض السياسيين دعماً علنياً لتصرفات الجنود ودعوا إلى منحهم الحصانة.

توثيق شهادات عن التعذيب في المعسكرات الإسرائيلية

تسريبات أطباء إسرائيليين

وقد سلطت هذه القضية الضوء مرة أخرى على التقارير التي باتت تتزايد وتيرتها وتكشف عن سوء معاملة فلسطينيين داخل مراكز الاعتقال والسجون الإسرائيلية. وتعود أولى الشهادات بشأن حدوث انتهاكات في "سدي تيمان"، إلى ديسمبر/كانون الأول الماضي على يد شخصيات جُلهم أطباء إسرائيليين كانوا يعملون في القاعدة حيث قاموا بتسريب الأمر. وقد كشفت التسريبات إنه لم يتم إخبار العديد من المعتقلين بمكان وجودهم في بداية اعتقالهم.

وفي مقابلة مع DW، قال ناجي عباس، مدير قسم السجناء بمنظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" في إسرائيل، "كانت أعين (المحتجزين) مغطاة طوال الوقت. ولأيام أو أسابيع أو شهور، كبلت أيديهم خلف ظهورهم". وأضاف ناجي عباس أنه "على مدى أسابيع، أو حتى أشهر، كان سدي تيمان بمثابة ثقب أسود فلم يكن يعرف أي شخص ماذا يحدث داخله".

وبعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما تلى ذلك من عمليات إسرائيلية داخل قطاع غزة، تحول "سدي تيمان" إلى موقع احتجاز معظم الفلسطينيين الذين يتم القبض عليهم دون تهمة حيث يبقون بدون اتصال بالعالم الخارجي فيما يتم استجوابهم دون محاميين. ومنذ إطلاق سراح العديد منهم وإعادتهم إلى غزة، تكشف عن عدم وجود أي صلة لهم بحماس.

وكشفت تقارير عن أنه جرى القبض على بعضهم عند نقاط تفتيش أقامها الجيش الإسرائيلي بالتزامن مع عمليات فرار الغزاويين من شمال غزة بسبب القصف العنيف.

يشار أن حركة حماس مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

متظاهرون متطرفون يلوحون بالأعلام الإسرائيلية خارج معتقل سدي تيمان
متظاهرون متطرفون يلوحون بالأعلام الإسرائيلية خارج معتقل سدي تيمانصورة من: Amir Cohen/REUTERS

قانون "المقاتلين غير القانونيين"

ورغم الغموض الذي يكتنف عدد الفلسطينيين المحتجزين في "سدي تيمان"، فقد جرى احتجازهم جميعا بموجب قانون "المقاتلين غير القانونيين" الذي قام الكنيست بالموافقة على تعديله أواخر العام الماضي. ويسمح القانون للجيش الإسرائيلي باعتقال المسلحين المشتبه بهم واحتجازهم لمدة 90 يوماً دون اتصال بمحامين.

ولا تقدم إسرائيل، في معظم الحالات، معلومات كافية عن مكان احتجازهم، مما يجعل ذويهم في غزة في حيرة حيال مصير أقاربهم المفقودين.

واستناداً على بيانات مصلحة السجون الإسرائيلية، فقد قدرت منظمة "هاموكيد" الإسرائيلية (HaMoked) أن هناك حوالي 9800 فلسطيني في السجون الإسرائيلية حتى الآن. وجرى تصنيف ما لا يقل عن 1584 منهم باعتبارهم "مقاتلين غير قانونيين".

ويصر الجيش الإسرائيلي على أن مراكز الاعتقال التي تم إنشاؤها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تدار وفق معايير القانون الدولي. وفي اعقاب ما كشفت عنه وسائل الإعلام، طلبت المحكمة العليا الإسرائيلية من الدولة نقل المعتقلين إلى مرافق السجون وذلك بعد التماس قدمته منظمات حقوقية لدفع المحكمة إلى إغلاق "سدي تيمان".

ورغم أنه يُجرى في الوقت الراهن نقل معظم المحتجزين من "سدي تيمان" إلى سجون أخرى، إلا أنه حتى 8 أغسطس/آب كان ما لا يقل عن 28 فلسطيني مازالوا محتجزين في السجن.

ورداً على تحقيق سابق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" كشف عن انتهاكات مزعومة في "سدي تيمان"، فقد قال الجيش الإسرائيلي إنه "يرفض بشكل قاطع الادعاءات المتعلقة بإساءة معاملة المعتقلين بشكل منهجي في مركز سدي تيمان الاحتجازي بما في ذلك ادعاءات حدوث اعتداءات جنسية أو صعق المعتقلين بالكهرباء أو تجريدهم من الملابس أثناء الاستجواب".

وأكد الجيش على أنه سيتم التحقيق في أي ادعاءات ملموسة.

صورة من الأرشيف لسجن في إسرائيل
صورة من الأرشيف لسجن في إسرائيلصورة من: Sebastian Scheiner/AP/picture alliance

ظروف اعتقال "قاسية"

وأماط الكثير من المعتقلين الذين أطلق سراحهم، اللثام عن ظروف احتجازهم داخل إسرائيل. في مقابلة مع DW، قال جمال دخان "كان هناك ضرب طول الطريق إلى السجن سواء بالأقدام أو بالأيدي وشتائم باللغتين العربية والعبرية. طوال فترة السجن، كنت مقيد اليدين ومعصوب العينين".

وأضاف دخان، وهو موظف سابق في السلطة الفلسطينية يبلغ من العمر 57 عاماً، أنه جرى اعتقاله من قبل الجيش الإسرائيلي في جباليا في مايو/ أيار الماضي، مشيراً إلى أنه تعرض للاستجواب والضرب قبل نقله إلى موقع عسكري يُعتقد أنه "سدي تيمان" مع معتقلين آخرين من مخيم جباليا للاجئين.

وقال إنه لم يسمح له ولا لغيره بتبادل الأحاديث داخل مركز الاحتجاز مع رفض إزالة عصابات الأعين والأصفاد أثناء تناول الطعام، مضيفاً: "كان الطعام عبارة عن قطع صغيرة من الجبن والتونة. وكان هناك حمامان. وكان يجب تسجيل أسماء الراغبين في استخدام الحمام مسبقاً".

خلال فترة وجوده في السجن، قال دخان إنه تم استجوابه بشأن جيرانه لمعرفة ما إذا كان لديهم أي انتماءات لحماس أو غيرها من الجماعات المسلحة. وفي ذلك، أضاف أنه "عند بدء التحقيق مع عناصر استخباراتية، فإن هناك غرفة ينام فيها الشخص الذي سيتم استجوابه لاحقاً. يوجد في الغرفة مكبرات صوت تصدر أصواتاً مزعجة على مدار الساعة".

وجرى إطلاق سراحه فيما بعد واُعيد إلى غزة بعد شهر من دون توجيه أي اتهامات ضده.

متظاهرون إسرائيليون يلوحون بالإعلام الإسرائيلية
متظاهرون إسرائيليون يطالبون الحكومة بالعمل على اتمام صفقة تمهد الطريق أمام الإفراج الفوري عن الرهائن في غزةصورة من: Mostafa Alkharouf/Anadolu/picture alliance

"غيض من فيض"

وفي حديث إلى DW، قالت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" في إسرائيل إنها حصلت على نسخة من المبادئ التوجيهية الصادرة عن وزارة الصحة والتي تنص على ضرورة بقاء السجناء مكبلي الأيدي أثناء العلاج وعدم توقيع الأطباء بأسمائهم على السجلات الطبية.

وقال ناجي عباس "إبقاء الناس مكبلي الأيدي لمدة أسبوعين يعد تعذيباً. بدأ الناس يصابون بالعدوى، وفي بعض الحالات، اضطر الأطباء إلى بتر أطرافهم".

وفي تقرير صدر أواخر يوليو/تموز الماضي، أفاد مكتب حقوق الإنسان  التابع للأمم المتحدة بأن المعتقلين جرى احتجازهم في "منشآت تشبه القفص مع تجريدهم من ملابسهم لفترات طويلة حيث اقتصر الأمر على ارتداء حفاضات". وأضاف التقرير أنه جرى "حرمانهم من الطعام والنوم والماء وتعرضوا للصعق بالكهرباء والحرق بالسجائر، فيما قال بعض المعتقلين إنه تم إطلاق كلاب عليهم. وتحدث آخرون عن تعرضهم للإيهام بالغرق".

وتقول منظمات حقوقية إن مزاعم الانتهاكات لا تنحصر على مراكز الاحتجاز العسكرية؛ إذ قال خبراء أمميون مستقلون  إن "التقارير المتعلقة بالتعذيب والعنف الجنسي المزعوم في سجن سدي تيمان الإسرائيلي غير قانونية ومثيرة للاشمئزاز إلى حد كبير، لكنها لا تمثل سوى غيض من فيض".

واتهمت منظمة "بتسليم"  الحقوقية الإسرائيلية، إسرائيل بتعذيب سجناء فلسطينيين بصورة ممنهجة في السجون. ويضم تقرير صدر بعنوان "مرحبا بكم في الجحيم" شهادات من 55 معتقلاً  فلسطينياً جرى إطلاق سراحهم.

ويزعم تقرير بتسيلم أن ظروف السجون ساءت بشكل خاص في عهد وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير. في المقابل، ترفض مصلحة السجون الإسرائيلية مثل هذه الاتهامات.

مصلحة السجون الإسرائيلية ترفض التهم

وفي بيان وصل DW، أصرت مصلحة السجون الإسرائيلية على أنها "تعمل وفق أحكام القانون وتحت إشراف ومراقبة الدولة. يجب تطبيق كافة الحقوق الأساسية بشكل كامل من قبل السجانين الذين جرى تدريبهم بشكل احترافي". وأضاف البيان "لسنا على علم بالادعاءات التي ذُكرت، وعلى حد علمنا، لم تقع مثل هذه الأحداث تحت مسؤولية مصلحة السجون الإسرائيلية. ومع ذلك، يحق للسجناء والمعتقلين تقديم شكوى سيتم فحصها والتعاطي معها بشكل كامل من قبل السلطات الرسمية".

وأشار البيان إلى أنه منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي "جرى تشديد ظروف احتجاز سجناء الأمن الوطني بناء على تعليمات الوزير بن غفير وفي إطار سياسته المتمثلة في إيقاف ظروف الاعتقال المحسنة التي كانوا يحصلون عليها في الماضي".

وفيما يتعلق بجنود الاحتياط المشتبه في قيامهم باغتصاب فلسطيني، فقد قال الجيش الإسرائيلي إن "النيابة العسكرية طلبت تمديد اعتقال الجنود الخمسة المشتبه في ارتكابهم انتهاكات خطيرة حتى الأحد من أجل إجراء المزيد من التحقيقات". وأضاف أن "المحكمة ذكرت أيضاً أنه منذ الجلسة السابقة أضيفت أدلة تعزز الشكوك ضد الجنود الخمسة".

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية هذا الأسبوع أن المعتقل الفلسطيني الذي زُعم أن جنود الاحتياط، قاموا بالاعتداء عليه جنسياً، قد اُعيد من المستشفى إلى "سدي تيمان".

ساعد في إعداد التقرير حازم بعلوشة من القاهرة

أعده للعربية: محمد فرحان

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد