جنوب أفريقيا وروسيا.. تعزيز التعاون العسكري رغم حرب أوكرانيا
٢٤ يناير ٢٠٢٣تستضيف جنوب أفريقيا مناورات عسكرية مشتركة مع كل من الصين وروسيا على الساحل الشرقي للبلاد في الفترة من 17 إلى 27 فبراير/ شباط المقبل بالتزامن مع مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا.
ورغم أن حجم التجارة بين جنوب أفريقيا وروسيا ليس بالضخم، إلا أن بريتوريا تدعم المواقف الروسية والصينية الرامية إلى الحد مما تراه بكين وموسكو هيمنة أمريكية على الساحة العالمية.
وفي هذا السياق، ألزم حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم في جنوب أفريقيا نفسه على مدى ثلاثة عقود بالشعور بالامتنان لروسيا في تقديمها الدعم العسكري والمعنوي لجنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري.
لكن في المقابل، أثار حياد الموقف الجنوب الأفريقي كما أعلنته الحكومة، انتقادات من شركائها في أوروبا والولايات المتحدة إذ يرون أن بريتوريا تعد دولة محورية في خطط البلدان الغربية لتعزيز التعاون مع بلدان القارة السمراء.
الرد على الانتقادات الغربية؟
وفيما يتعلق بالمناورات مع الصين وروسيا، دافعت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا عن قرار بلادها باستضافة التدريبات البحرية المزمع إجراؤها الشهر المقبل حيث أكدت ناليدي باندور على أن استضافة مثل هذه التدريبات مع "الأصدقاء" تأتي في إطار "المسار الطبيعي لتعزيز العلاقات".
من جانبه، شدد رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في عدة مناسبات على أن حكومته غير منحازة إلى جانب أي طرف في الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن حكومته تواجه ضغوطات من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني لتغيير المسار.
يشار إلى أن رامافوزا قد عرض في السابق التوسط لإنهاء النزاع في أوكرانيا.
بدوره، قال دارين برجمان، عضو حزب التحالف الديمقراطي الذي يعد الكيان المعارض الرئيسي في جنوب أفريقيا، إنه أصبح واضحا قيام جنوب أفريقيا "بالانحياز علانية إلى جانب روسيا".
من جانبه، قال ويليام جوميدي، رئيس "مؤسسة أعمال الديمقراطية" ومقرها جوهانسبرغ، إن موقف جنوب أفريقيا يتناقض مع رغبتها في عدم الاصطفاف إلى طرف على حساب طرف آخر.
وفي مقابلة مع DW، أضاف "هذا الموقف يعد غير دستوري، لأن دستورنا واضح في قضية دعم سياستنا الخارجية حقوق الإنسان".
وتعد زيارة لافروف إلى جنوب أفريقيا الثانية للقارة السمراء في أقل من ستة أشهر وتأتي أيضا قبل القمة الروسية-الأفريقية التي جرى تأجيلها العام الماضي بسبب الحرب على أوكرانيا لتعقد في يوليو/ تموز المقبل.
مناشدة أوكرانيا للحصول على دعم أفريقيا
يشار إلى أن السفارة الأوكرانية في بريتوريا قد طالبت من حكومة جنوب أفريقيا دعم "خطة سلام" مؤلفة من عشر 10 نقاط اقترحها الرئيس فولوديمير زيلينسكي على زعماء مجموعة العشرين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ومنذ اندلاع الحرب، سعى زيلينسكي إلى تعزيز علاقات بلاده مع أفريقيا، بيد أن محاولاته باءت بالفشل إذ بدت معظم البلدان القارة مترددة في الانحياز إلى جانب طرف على حساب آخر وهو الأمر الذي ظهر جليا داخل أروقة مجلس الأمن الدولي.
فخلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان في أبريل / نيسان الماضي، قامت عشر دول أفريقية بالتصويت لصالح القرار فيما عارضته تسعة دول مع امتناع 35 دولة أفريقية عن التصويت أو قررت عدم حضور جلسة التصويت.
وسبق ذلك تأييد 28 دولة أفريقية فقط لمشروع قرار في الأمم المتحدة يدعو إلى الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الروسية من أوكرانيا.
الجدير بالذكر أن روسيا تعد في الوقت الراهن أكبر مورد للأسلحة في القارة الأفريقية حيث شكلت صادرات الأسلحة إلى أفريقيا 18٪ من إجمالي صادرات الأسلحة الروسية بين عامي 2016 و2020، وفقا لما ذكره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري".
ولا يتوقف الأمر على التسليح، بل امتد ذلك إلى انتشار مئات المستشارين العسكريين الروس في مالي في يناير/ كانون الثاني العام الماضي فيما ذكر بيان صدر عن الجيش المالي أنه جرى دعوة متعاقدين من الشركة العسكرية الروسية الخاصة التي تُعرف باسم "مجموعة فاغنر" من أجل "مساعدة مالي في تدريب قواتها الأمنية".
وفي الجوار الجنوبي لمالي، شهدت بوركينا فاسو انقلابين العام الماضي ليحذو الجيش حذو المجلس العسكري في مالي برفض تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، بل والتوجه صوب روسيا.
روسيا تصور نفسها "المدافعة عن أفريقيا"
ولم تكن مالي أو بوركينا فاسو الدولتين في أفريقيا اللتين شهدتا انقلابا عسكريا بل انضمت إلى هذا الركب دول أخرى مثل السودان وتشاد وغينيا وغينيا بيساو في السنوات الماضية. بيد أن القاسم المشترك بين موجة الانقلابات التي عصفت بهذه البلدان كان أن معظم القادة العسكريين الذين قاموا بتدبيرها قد حصلوا على تدريب عسكري برعاية روسيا.
من جانبها، ترى الخبيرة الروسية إيرينا فيلاتوفا، أستاذة الأبحاث في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أن روسيا تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا عن طريق إبراز نفسها كوسيط أمني لمواجهة "الإجماع الغربي" وتصوير نفسها في صورة "المدافع عن أفريقيا".
بيد أن هذه ليست المرة الأولى التي تنخرط فيها روسيا في شؤون القارة الأفريقية إذ يعود الأمر إلى الحقبة السوفيتية. فخلال خمسينيات القرن الماضي، قدم الاتحاد السوفيتي الدعم لحركات التحرر في معظم أنحاء أفريقيا فيما اقتصرت صادرات الأسلحة الروسية إلى أفريقيا على أسلحة وذخيرة خفيفة ومتوسطة في ذاك الوقت.
وقد حظي الانخراط السوفيتي في أفريقيا في ذاك الوقت بترحيب الكبير، حسبما قال النائب السابق لمحافظ البنك المركزي النيجيري، عوبديا ميلافيا.
وفي مقابلة مع DW عام 2019، أضاف "لولا الموقف الحازم الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة وذروة النضال الأفريقي ضد الاستعمار، فإن العديد من بلداننا لن يكون بمقدورها نيل الاستقلال".
بيد أن هذا الدعم الروسي أخذ في التضاؤل مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لكن حاولت موسكو على مدار العقدين الماضيين إحياء الروابط مع أفريقيا التي تعود لحقبة الاستقلال.
في المقابل، التزمت روسيا الصمت حيال القضايا والأوضاع السياسية في أفريقيا، لكنها استبدلت ذلك بشركات عسكرية خاصة مثل مجموعة فاغنر التي كانت بمثابة حلقة وصل وفتحت طريق أفريقيا أمام روسيا، وفقا لما أشارت إليه فيلاتوفا.
وأضافت في مقابلة سابقة مع DW أنه من الناحية الرسمية لم يتم دمج [هذه المجموعات العسكرية] في الإستراتيجية الروسية في أفريقيا، لكنه ما نلاحظه الآن هو أنها تأتي في المقدمة عند حدوث حالات من "عدم الاستقرار إذ تساعد في تأمين الشخصيات التي تولت زمام السلطة وكانت لها علاقات مع روسيا".
مساعي بلدان أفريقية للحصول على دعم روسيا
وكانت أول صفقة أسلحة روسية إلى أفريقيا يُعلن عنها في أبريل/ نيسان 2020 عندما أعلنت شركة "روسوبورون إكسبورت"، وهي الشركة الروسية الوحيدة التابعة للدولة في مجال تصدير الأسلحة، عن بيع زوارق هجومية روسية الصنع إلى دولة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء لم يُفصح عن اسمها.
وقبل الإعلان عن هذه الصفقة بشهور وتحديدا في عام 2019 عُقد أول منتدى اقتصادي بين روسيا وأفريقيا في منتجع سوتشي الروسي بحضور قادة وزعماء وشخصيات أفارقة رفيعة المستوى.
استغلت روسيا هذا الحدث لتسليط الضوء على علاقاتها مع أفريقيا حيث استطاعت في ذلك الوقت ان تُظهر نفسها كحليف للعديد من الدول الافريقية التي كانت تحارب حركات تمرد.
يشار إلى أنه في عام 2018، ناشدت خمس دول افريقية هي مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا، موسكو مساعدتها في قتال تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) والقاعدة.
ولم تتوقف مساعي روسيا في تعزيز تواجدها في أفريقيا على الشق العسكري بل سعت إلى بيع التكنولوجيا النووية لعدد من البلدان الأفريقية مثل زامبيا ورواندا وإثيوبيا ومصر ونيجيريا حيث تبنى موسكو محطات للطاقة النووية.
---
أبو بكر جلوح وميخائيل بوشويف و كريستينا كريبال / م. ع